خورشيد الحسين
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 19:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انفجر المشهد العربي بين شارع يغلي تضامناً مع غزة وأنظمة تمسك العصا من الوسط: لغة تنديد و“قلق عميق”، مع استمرار قنوات التطبيع، أو وساطات برعاية أميركية، أو “إدارة تدفق المساعدات” بجرّافة القيود. استطلاعات الباروميتر العربي أظهرت هبوط دعم التطبيع إلى مستويات شبه معدومة (≤ 13%) بعد 7 أكتوبر — أي قطيعة شعبية صريحة مع نهج رسمي يراد له أن يستمر.
قضية التطبيع تحوّلت ورقة مساومة: السعودية تربط أي مسار بتسوية واضحة نحو دولة فلسطينية؛ الإمارات تبقي العلاقات قائمة وتكثف لغة “النفوذ المهدّئ” البحرين تتأرجح بين سحب السفراء ثم إعادة التمثيل الدبلوماسي؛ المغرب يواصل التطبيع وسط موجات احتجاج غير مسبوقة؛ الجزائر وتونس والكويت تشدد خطاب الرفض.
إنسانيًا: أُغلِقت/خُنقت المعابر مرارًا، تعطّلت قوافل الإغاثة في العريش، لجئ إلى الإسقاط الجوي (الأردن، فرنسا، الإمارات، الولايات المتحدة)، واستمر الجدل حول السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح وممر “فيلادلفيا” ودور مصر.
خطٌّ زمنيّ موجز (أبرز المحطّات)
أكتوبر–نوفمبر 2023: استدعاءات سفراء، قمّة عربية–إسلامية استثنائية في الرياض تُدين الهجوم وتطالب بوقف النار وإحالة جرائم الحرب للـICC. الأردن يسحب سفيره من تل أبيب؛ البحرين تؤكّد عودة سفيرها ومغادرة السفير الإسرائيلي.
أواخر 2023–ربيع 2024: تكثيف الإسقاطات الجوية للإغاثة بقيادة الأردن وشركاء غربيين/عرب. قطر ومصر تنخرطان في وساطات شاقة، والدوحة تلوّح بمراجعة دورها.
مايو 2024: إسرائيل تُسيطر على الجانب الغزّي من رفح وتُمسك فعليًا بكل الحدود البرّية، ما يُفاقم تعطّل الإغاثة ويُفجّر توتّرًا مصريًا–إسرائيليًا.
خريف 2024: تصعيد ميداني واستمرار انسداد المفاوضات؛ قطر تُجمّد وساطتها مؤقتًا؛ اغتيال/مقتل قادة حماس محور خبري.
2025: محاولات إعادة تدوير “مبادرة السلام العربية” وربط أي مسارات تطبيع بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية؛ تصاعد انتقادات خليجية علنية للتوسّع الاستيطاني؛ البحرين تُعيد استقبال السفير الإسرائيلي؛ الشارع المغربي يُصعّد حراكه ضد التطبيع.
خلاصة الخط الزمني: إدارة عربية لأزمة طويلة الأمد: وساطات، بيانات، وإغاثة محاصرة — مع امتداد مسار التطبيع (بتفاوت) رغم مجازر وتجويع موثّقَين على مدار عامين تقريبًا.
تفكيك قطري: كيف تصرّفت الأنظمة؟
الخليج
السعودية
ربطت أي تطبيع بوضوح بمسار نحو دولة فلسطينية، وأبلغت الأميركيين مرارًا أن لا “تطبيع بلا مسار سياسي”. استمر التفاوض الثلاثي (واشنطن–الرياض–تل أبيب) بنبرة متبدّلة حسب الميدان.
الإمارات
أبقت التمثيل والتبادل التجاري قائمين (نما التبادل 2024)، وطرحت نفسها وسيطًا/مموّلًا محتملًا لـ“اليوم التالي” في غزة، مع تصعيد لفظي أخير ضد الاستيطان بوصفه “خطًا أحمر”. هذا جوهر “التطبيع الوظيفي”: نفوذ عبر العلاقة بدل قطعها.
البحرين
تذبذب: استدعاء سفيرها ومغادرة السفير الإسرائيلي نهاية 2023؛ ثم، في 27 أغسطس 2025، استلام وزير خارجيتها اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد — إشارة عودة المسار الرسمي. التبرير: اعتبارات أمنية أميركية وإيرانية داخل خليج مشتعل.
قطر
محور الوساطة مع مصر والولايات المتحدة (صفقات أسرى/وقف نار متقطعة وقيد التفاوض). لوّحت الدوحة أكثر من مرّة بإعادة تقييم دورها بسبب “تسييس” الوساطة و“نقل القائمات” خلال التفاوض. سجال متكرر حول استضافة قيادات حماس.
الكويت وعُمان
الكويت ثابتة على رفض التطبيع قانونيًا وخطابيًا، ورسميًا تموضعت في خانة التضامن وإغاثة غزة. عُمان على نهجها التقليدي: علاقات منخفضة المستوى ورفض سياسي للتطبيع مع إدانة الحرب.
دول الطوق
مصر
ممسك المعابر والوساطة. نسّقت قوافل الإغاثة إلى العريش، لكن تدفقها تعطّل مرارًا مع سيطرة إسرائيل على رفح وممر فيلادلفيا؛ القاهرة طالبت بإعادة إدارة فلسطينية للمعبر ورفضت أي تغيير دائم بترتيبات الحدود.
الأردن
موقف متصاعد: سحب السفير، إلغاء/تجميد مشاريع (كالماء مقابل الطاقة) في ذروة الحرب، قيادة لعمليات الإسقاط الجوي وإغاثة مستمرة، وضغط دبلوماسي لوقف النار.
المغرب العربي
المغرب
واصل مسار التطبيع الرسمي، لكن الشارع انفجر احتجاجًا (أكبر المسيرات منذ 2020، واتساع الاحتجاجات لتطال الموانئ في 2025). المفارقة البنيوية: مكسب الصحراء الغربية مقابل كلفة شعبية وسياسية مرتفعة داخليًا.
الجزائر
تمترس ضد التطبيع، قيادة مسار أممي لفرض وقف النار (مشاريع قرارات بمجلس الأمن)، وخطاب تصعيدي يربط الموقف الفلسطيني بإرث التحرر الجزائري.
تونس
دينامية شعبية ضد التطبيع، ومسار برلماني لقانون يجرّم أي تعامل مع إسرائيل (بمستويات مختلفة من التقدّم).
المشرق
العراق
خطاب رسمي يحذر من امتداد الحرب إقليميًا؛ توازن داخلي بين حكومة تحاول كبح ضربات الميليشيات على قواعد دولية وبين محور مسلح يلوّح بالتصعيد.
أين تكمن “الشراكة في الدم”؟
1. استدامة التطبيع رغم المذبحة: الإبقاء على قنوات سياسية/اقتصادية مع تل أبيب فيما القصف والتجويع مستمران، هو اختيار سياسي–أخلاقي لا يمكن تبريره بلغة “نفوذ مهدئ”.
2. تقييد الإغاثة إلى حد التواطؤ الإداري: تعطيل المعابر، تبادل الاتهامات، وبيروقراطية قاتلة تُبقي آلاف الشاحنات عالقة، فيما يُرمى الفتات من السماء بإسقاطات جوية غير كفؤة.
3. الوساطة كبديل عن السياسة: الوساطات العربية (قطر/مصر/الأردن) كانت ضرورية، لكنها صارت سقف السياسة بدل أن تكون أداتها — لا كلفة لوقف النار، لا ثمن للاستيطان، ولا رافعة عربية تضغط عبر النفط أو الأمن أو التجارة.
4. فجوة الشارع–النظام: انحسار تاريخي في قبول التطبيع، مقابل أجهزة دولة تعيد تدوير المسار نفسه. هذه الفجوة مصدر هشاشة سياسية مقبلة.
ما الذي تغيّر فعلاً منذ 7 أكتوبر؟
لغة الشرط: انتقلت السعودية والإمارات من “تطبيع يُحسّن حياة الفلسطينيين” إلى اشتراطات علنية على الاستيطان والدولة — لكن دون أدوات إكراه حقيقية حتى الآن. البحرين عادت لاستقبال سفير إسرائيلي. المغرب ماضٍ في المسار. الجزائر وتونس والكويت ثبتت على خطوطها.
إدارة المعابر أصبحت مرآة صادمة للعجز العربي–الدولي عن حماية المدنيين وتسيير الإغاثة.
تبدّل المزاج العالمي (اعترافات أوروبية متزايدة بدولة فلسطين ونقاشات أممية وقضائية) يمنح الأنظمة العربية نافذة ضغط لو أرادت، لكن معظمها لا يزال يتصرّف بمنطق تجنّب الكلفة.
التقييم الهجومي الصريح
من 7 تشرين الأوّل حتى اليوم، القاعدة: خطاب غاضب بلا عضلة سياسية، ووساطات بلا أثمان، وعلاقات مع إسرائيل لم تُعلَّق جذريًا إلا لمامًا — وفي حالات عادت سريعًا. هذه شراكة في الدم من زاوية النتيجة: استمرار آلة الحرب وتقييد الإغاثة معًا.
من يمتلك أدوات ضغط فعلية (الطاقة/الأسواق/الأمن/الممرّات) لم يشغلها بالقدر الذي يغيّر مسار الحرب. ومن يملك شرعية شعبية رافضة للتطبيع، لم يترجمها إلى منظومة ردع اقتصادية–دبلوماسية جامعة.
ما كان يمكن—ولا يزال يمكن—فعله
1. تعليق جماعي لكل مسارات التطبيع إلى حين وقف شامل للنار وخريطة طريق زمنية مُلزمة للدولة الفلسطينية.
2. شروط عربية موحدة لتسيير الإغاثة: إعادة إدارة فلسطينية لمعبر رفح، ضمانات أممية لعبور آمن، وربط أي تعاون أمني/حدودي مع إسرائيل بتدفّق كافٍ للمساعدات.
3. سلاح الاقتصاد: رسوم/مراجعات على التجارة والاستثمار، واشتراطات بيئية–قانونية على الشركات العاملة مع المستوطنات.
4. رافعة قانونية: ملاحقات منهجية في المحاكم الدولية والوطنية، وتفعيل مسارات حظر السلاح للأطراف التي تنتهك القانون الإنساني.
5. توحيد مسار الوساطة: قطر–مصر–الأردن ضمن تفويض عربي واضح بمرجعيات محددة لا تتغيّر “أثناء اللعب”.
مؤشّر جديد: القنبلة النووية العربية؟
في 2 سبتمبر 2025، هاجمت صحيفة عكاظ الموقف الإسرائيلي في عنوان بارز: «القنبلة النووية العربية مقابل إسرائيل الكبرى». هذا الموقف الإعلامي، الصادر عن وسيلة مقربة من دائرة الحكم في المملكة، قد يشير إلى تحوّل محتمل في السياسة السعودية، أو على الأقل اختبار لتأثير الرادع السياسي–العسكري إذا استمر التوسع الإسرائيلي دون ردع عربي فعّال. هذا يضيف بعدًا استراتيجيًا للمشهد ويعيد طرح سؤال الضغط الجماعي العربي على إسرائيل كخيار واقعي ممكن، لا مجرد خطاب رمزي.
خاتمة: الشارع العربي والأنظمة ومسارات القرار
منذ 7 أكتوبر 2023 حتى 3 سبتمبر 2025، المشهد يتسم بالوضوح المؤلم: الشارع العربي حَسَمَ ضد التطبيع، بينما الأنظمة، مع بعض الاستثناءات النسبية، تكتفي بإدارة الكارثة عبر بيانات ووساطات وإغاثة جزئية. الحفاظ على قنوات مفتوحة مع سلطة احتلال توسّع الاستيطان وتتحكم بالمعابر يضع تلك الأنظمة شركاء في النتيجة، حتى وإن اختلفت النوايا.
ومع ذلك، تبقى الأذرع العملية بيد الأنظمة العربية، شرط توفر قرار سياسي جريء: وقف النار بثمن عربي مُكلف لإسرائيل، لا بيانات جديدة فقط. وقد يشكل الخطاب السعودي الإعلامي الأخير مؤشراً على تحرك محتمل في هذا الاتجاه، أو على الأقل بداية لإعادة النظر في أدوات الضغط العربية الجماعية—سياسية، اقتصادية، وقانونية—لتغيير قواعد اللعبة.
المراجع
1. عكاظ, 2 سبتمبر 2025، تغطية القنبلة النووية العربية مقابل إسرائيل الكبرى.
2. استطلاعات الباروميتر العربي, 2024–2025.
3. تقارير الأمم المتحدة حول المعابر الإنسانية، 2025.
4. وسائل إعلام غربية وعربية، تقارير ميدانية من غزة، 2023–2025.
5. بيانات رسمية من وزارات الخارجية السعودية، الإماراتية، البحرينية، 2023–2025.
6. تغطية ميدانية ووسائط إعلامية حول الاحتجاجات في المغرب العربي، 2025.
#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟