أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خورشيد الحسين - لذلك...اعتذر من الحمير مع تقبيل الحافر والأذنين














المزيد.....

لذلك...اعتذر من الحمير مع تقبيل الحافر والأذنين


خورشيد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 18:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بدايةً، دعوني أقدّم اعتذاري العلني للحمير، تلك الكائنات التي ظُلمت حين أصبحت مجازًا للغباء والضجيج، وهي في حقيقتها أكثر نفعًا وصبرًا من كثيرين اعتلوا خشبة مسرح التواصل الاجتماعي.

على هذه الخشبة الرقمية، حيث كل هاتفٍ يظن نفسه نبيًّا، وكل صامتٍ يأنف الصمت لأنه لا يُشبه جمهور القطيع، يتسابق المتنطّحون إلى إسماعنا نهيقهم، لا ليقولوا شيئًا، بل فقط كي يثبتوا وجودهم في زمن الضجيج. فالمعيار لم يعد الفكر أو الموقف، بل عُلوّ الصوت، وعدد المشاركات، وقوة "الرنّة".

فيا حميريَ الجميلة... سامحيني، فقد أصبحتِ مظلومة حين شُبّه بك من لا يملك صبرك، ولا قوتك، ولا حتى فهمك الصامت العميق للطريق!

من يعلّقون وينتقدون وهم بالكاد يخطّون أسماءهم دون أخطاء إملائية، ثم يقلقون الدنيا بنهيق وشتائم، يُمنحون فجأة لقب "مثقّف"، وتُفتح لهم المنابر، ويُشار إليهم بالبنان وكأنهم أنبياء المراحل الرديئة.

أعتذر من الحمير... حقًا أعتذر.

فما عدنا نفرّق بين الرأي والتفاهة، بين النقد والنباح، بين حرية التعبير وحمّى الإساءة التي لا تعرف وجهًا ولا هدفًا. إنهم ينهقون بلا وعي، ويظنّون أنهم يخوضون معارك فكرية. كل منشور معركة، كل تعليق شتيمة، وكل اختلاف مناسبة لتفريغ عقد التاريخ الشخصي في وجه المارّين بالصدفة.

فيا حميريَ العاقلة... هذا زمانكم، وقد علت أصواتكم حتى ظننّا أن النهيق بات لغة رسمية، وأن الصمت عار، وأن التفكير ترف لا يليق بجمهور المنصة.

عاش النهيق...
أما التفكير، فقد صار تُهمة.

في ركب النهيق المعاصر، تصدّر المشهدَ ما يسمّى بـ"المؤثرين".
لكن يا للحسرة، فمعظمهم لا يؤثّر إلا على نسبة الأدرينالين لدى المتابعين، ولا يحرك إلا غريزة السخرية أو شهوة الاندهاش. يتحدثون عن كل شيء بلا شيء، يفتون في السياسة والدين والتاريخ والجغرافيا وشؤون الكون، دون أن يقرأوا في حياتهم كتابًا من الغلاف إلى الغلاف.

هؤلاء لا يخطرون بسبب أفكارهم — إذ لا يملكون أفكارًا أصلًا — بل بسبب قدرتهم المرعبة على ترداد التفاهة، ونشرها، وتدويرها حتى تُصبح "رأيًا عامًا"، أو "ترندًا". وهنا مكمن الخطر:
فليست الفكرة الغبية أخطر ما في الأمر، بل تكرارها المستمر حتى تبدو مألوفة… ثم طبيعية… ثم صحيحة!

ويأتيك أبطال القطيع، من محترفي إعادة النشر والنسخ واللصق والشتائم الجاهزة. يظنون أنهم جيش الحقيقة وهم مجرد صدى أجوف لنهيق سابق. يغيّرون صورهم كل أسبوع، لكنهم لا يغيرون فكرة واحدة في رؤوسهم. يرددون ما يُقال لهم، يصفقون لأي ناعق، ويسبّون كل من يقول: "مهلًا، فلنفكّر".

أما الكارثة الكبرى فحين تنقلك "الحُمَرنة" من ميدان الأمية إلى ساحات الجامعات.

فها هم بعض حملة الشهادات، يخرجون إلينا من صالات التخرّج بقبعات الماجستير والدكتوراه، لكنهم يحملون في عقولهم نفس نغمة "الجاهل الذي لا يدري أنه جاهل". يتكئون على لقب علمي في جواز سفر، لكنهم لا يعرفون الفرق بين رأي ومعلومة، بين تحليل وهذيان، بين علم وإيديولوجيا ممضوغة.

وهكذا، تتكاثر الحُمَرنة بين من لا يقرأون، ومن يقرؤون ولا يفهمون، ومن يفهمون لكن يصرّون على الركوب فوق الموجة كي لا يغرقوا في العزلة.

وهنا لا يعود الخطر سخرية... بل مصيرًا.

لقد أصبحت هذه الإمعات المجتمعية، من أصحاب الصوت العالي والفكر الواطي، تشكّل ما يُسمّى ظلمًا بـ"الرأي العام".
ويا للمفارقة: الرأي العام لم يعد رأيًا، ولا عامًا... بل صار تكتلًا عشوائيًا من النعيق، يُصفّق لأكثرهم تهريجًا، ويهاجم من يجرؤ على التفكير.

وهكذا تُصاغ الاتجاهات، وتُحدد مصائر الشعوب، لا بقرارات عاقلة ولا بحوارات جادة، بل بتعليقات تافهة على صور "سيلفي"، وبمقاطع مرتجَلة تنال ملايين المشاهدات لأنها ببساطة لا تقول شيئًا.

والكارثة أن كثيرًا من العقلاء انسحبوا، أو التزموا الصمت، أو راحوا يتحدثون همسًا بين بعضهم البعض، كأن الحكمة جريمة، وكأن التفكير رجس من عمل المعارضة.

فألف سلام على كل حمارٍ يعرف حدّه، ويقف حيث يجب، ويؤدي وظيفته النبيلة دون ادّعاء.
وألف لعنة على كل إمعة يرتدي قناع الوعي وهو لا يدري من أين تبدأ الفكرة ولا أين تنتهي الكرامة.

في زمن النهيق العام...
صار الصمت مقاومة.
وصار التفكير فعل شجاعة.
وصار أن تقول "لا" — ولو همسًا — أعلى من كل مكبّرات الجهل.

فلنعتذر من الحمير... ونقاوم كما تستطيع الكرامة أن تقاوم.



#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من طوفان الأقصى إلى ضرب طهران: هل الشرق الأوسط على شفا إعادة ...
- إبادة المدنيين: جوهر العقيدة الصهيونية ومنطلقها التوراتي
- الحرب الإيرانية الإسرائيلية بوابة (اسرائيل الكبرى)
- اسرائيل بين نيران غزة وحرائق واشنطن: تبدلات الدعم وصراع المص ...
- حدود الموقف العربي من العدوان الإسرائيلي وآفاق تجاوزه
- العدالة في مهب المحروقات: رفع الأسعار يكشف
- لبنان بين خيارين: مقاومة الردع أو انفجار الدولة
- لبنان في عين عاصفة التحولات الكبرى: حزب الله بين نتائج الحرب ...
- غزة تُفرَّغ تحت النار: حين يصبح التطبيع غطاءً للإبادة
- من يحرك الشارع العربي ؟ بين قبضة السلطة وسطوة المال وتآكل ال ...
- فلسطين والخرائط الممزقة: من التواطؤ الرسمي إلى حتمية المقاوم ...
- فلسطين خارج الحسابات: صفقات تُعقد على أنقاض غزة
- جولة ترامب الخليجية: اختبار نوايا أم إعادة تموضع؟
- جبهة اليمن في حرب غزة: إسناد استراتيجي أربك نظرية الأمن الإس ...
- العجز العربي أمام الإبادة في غزة: تشريح لأسباب الصمت والتواط ...
- كشمير من جديد والسيناريوهات المحتملة
- حين يتوحش الإنسان من فرط القهر
- الصهيونية ذات انياب فاحذروها...زيف حماية الأقليات
- تحالف الأقليات: كيف تستخدم إسرائيل الهويات الطائفية لتفكيك ل ...
- شعب خروفي وساسة ذئبيون...الفساد أزمة وطن


المزيد.....




- كيف تتحوّل الموضة إلى أداة للتعبير عن الذات؟
- لحظات تثاؤب لا تُنسى لحيوانات يلتقطها مصور في مقدونيا
- مقترحات مشتركة من المنظمات غير الحكومية قبيل انطلاق المفاوضا ...
- الحكم بالسجن خمس سنوات على الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صن ...
- غزة ـ مقتل المزيد من منتظري المساعدات والجيش الإسرائيلي يحقق ...
- سوهان..طفلة ليبية تفر من المرض على متن -قارب موت- ووالدتها ت ...
- الجزائر: محكمة الاستئناف تصدر حكما بالسجن 5 سنوات نافذة في ح ...
- بسبب الحرب والحصار.. تفاقم معاناة ذوي الإعاقة في قطاع غزة
- فايننشال تايمز: هكذا أعادت إسرائيل إحياء القومية الإيرانية
- -ما وراء الخبر- يناقش مستقبل المفاوضات الإيرانية مع الغرب


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خورشيد الحسين - لذلك...اعتذر من الحمير مع تقبيل الحافر والأذنين