خورشيد الحسين
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 22:27
المحور:
الادب والفن
ليس من السهل أن يتحول الإنسان إلى وحش. لا يحدث ذلك فجأة، ولا برغبة. إنما يحدث حين يرهقه الانتظار، وتخذله الثقة، ويخذله الناس، وتخذله نفسه.
تبدأ القصة بكلمة طيبة لا تُرد، بدمعة تُقابل بالسخرية، بنداء لا يُسمع، بصوت يخفت كل يوم قليلاً… حتى يختفي.
الناس لا يولدون قساة. لكن القسوة تولد حين تُكسر الخواطر مرارًا دون مداواة. حين يُدفن الحلم حيًا في صدر صاحبه، ويُطلب منه أن يبتسم.
حين يُطعن الإنسان من يدٍ كان يظنها عونًا، ولا يجد متسعًا حتى للصراخ، يبتلع صوته… ويبدأ الصمت.
هناك لحظة، لا يراها أحد، يتوقف فيها الإنسان عن الرجاء. يقرر أنه لن ينتظر شيئًا من أحد. لا حبًا، لا إنصافًا، ولا حتى كلمة مواساة.
في تلك اللحظة، يخلع قلبه، أو يُخيل إليه أنه فعل. يمشي خفيفًا من كل عاطفة، لكنه مثقل كجبل.
يتوحش الإنسان حين يُخذَل أكثر مما يُحتمل. حين يصير اللطف عبئًا عليه، والرقة جريمة في عالم لا يرحم.
فيختار أن يؤذي قبل أن يُؤذى، أن يصمت بدل أن يُستهزأ بكلامه، أن يقسو على نفسه قبل أن يقسو عليه أحد.
لكن الوحش الحقيقي... لا يختبئ في الغابة، بل في صدر إنسان كان يومًا طفلًا عطوفًا، صدّق أن الخير يكفي، وأن الصدق لا يُكلف كثيرًا.
فلا تسألوا لماذا تغيّر، بل اسألوا كم مرة صرخ ولم يُجبه أحد. كم مرة احتاج ولم يُحتَج. كم مرة قال "أنا بخير" وهو ينهار.
فلا تقولوا: "لقد تغيّر"... بل قولوا: "لقد احترق".
لقد احترق مرات، في صمته، في جلده، في دمه، ولم يُطفئه أحد. احترق من أجل أناسٍ رموا ماء وجوههم ولم يرموا عليه قطرة ماء.
لقد تغيّر، نعم... لأن الطيب إذا انفجر، لا يثور مثل الوحوش، بل يحترق مثل النجم الأخير قبل أن يسقط.
وإذا سقط، لا يعود إنسانًا كما كان... بل يصير رمادًا يمشي، يبتسم، يجاملك، لكنه ميت من الداخل.
#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟