اسرائيل بين نيران غزة وحرائق واشنطن: تبدلات الدعم وصراع المصالح

خورشيد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 22:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تشهد العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة تحولات دقيقة وحساسة، في ظل سلسلة من الإقالات التي طالت مسؤولين كباراً في الإدارة الأمريكية، عُرفوا بدعمهم القوي لإسرائيل أو بمواقفهم المتحفظة من النهج العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة. هذه الإقالات لا تأتي في سياق إداري روتيني، بل تحمل إشارات سياسية واضحة، خصوصًا مع تصاعد الأصوات الأمريكية المعارضة للعدوان الإسرائيلي، وتزايد الضغوط الداخلية على الإدارة في ظل الحراك الطلابي والإعلامي المتعاطف مع فلسطين.

الإقالات... رسائل مزدوجة لتل أبيب والعالم

تُعد هذه الإقالات انعكاسًا لرغبة الرئيس ترامب في ضمان انسجام المؤسسة الفيدرالية مع أولويات إدارته الصريحة في دعم إسرائيل دون شروط. لكنها في الوقت نفسه كشفت عن احتدام الصراع داخل النخبة الأميركية، بين تيار يميني صريح يدعم التفويض المفتوح لإسرائيل، وتيارات أكاديمية وشعبية متنامية ترى في استمرار التواطؤ الأمريكي تغذيةً لحرب إبادة جماعية.

ولا يمكن فصل هذه التطورات عن تصاعد الخلاف الشخصي والسياسي بين ترامب وبنيامين نتنياهو، والذي تفاقم خلال الأشهر الأخيرة على خلفية تباينات حادّة في مقاربة كل من الطرفين لملف غزة، والتعامل مع إيران، وحتى طريقة إدارة العلاقة مع السعودية ودول الخليج. وبينما يسعى ترامب إلى إعادة ضبط الإيقاع الإقليمي وفق مصالح واشنطن المباشرة، يتمسك نتنياهو بخطابه القومي المتطرف ونهجه التصعيدي الذي يربك حتى أقرب حلفائه. هذا الخلاف يسهم في خلق مناخ من عدم الثقة بين الحليفين التقليديين، ويطرح تساؤلات جدية حول مستقبل التنسيق بين الطرفين في الملفات الحاسمة.

غزة: بين “عربات جدعون” والهاوية الإنسانية

تواصل إسرائيل تنفيذ ما يُعرف بخطة “عربات جدعون” العسكرية، والتي تهدف عملياً إلى إخضاع قطاع غزة بالكامل بالقوة، مع فرض حصار خانق، ومنع إدخال الغذاء والدواء، وتكثيف القصف على المناطق السكنية، في محاولة لإجبار مئات الآلاف على النزوح جنوباً. هذه الخطة لا تخفي نواياها في التهجير القسري وإعادة رسم الخارطة السكانية للقطاع، متذرعة بالقضاء على حماس والفصائل المسلحة.

السيناريوهات المطروحة تتراوح بين تبادل أسرى مقابل وقف إطلاق النار، أو التوصل إلى تسوية مرحلية عبر وسطاء إقليميين، لكن الميل الإسرائيلي الواضح هو إلى التصعيد التدريجي واستنزاف الخصم، مع ترك باب المفاوضات مواربًا لتفادي الانفجار الإقليمي. غير أن هذه الاستراتيجية تواجه فشلًا متراكبًا، ليس فقط بسبب صمود المقاومة الفلسطينية، بل أيضًا بسبب تآكل الرصيد الأخلاقي لإسرائيل في المجتمع الدولي، كما أظهرت مواقف جنوب إفريقيا وإيرلندا وتشيلي وبلدان أخرى.

التهجير والضم: سياسة مستمرة رغم كل شيء

رغم الانتقادات الدولية المتصاعدة، تواصل إسرائيل سياسة التهجير القسري من شمال القطاع، مع إقامة “مناطق عازلة” يُمنع الفلسطينيون من العودة إليها، وتحويلها لاحقًا إلى مواقع سيطرة أمنية دائمة. وتشير تقارير موثوقة إلى أن هذه الإجراءات تندرج ضمن مخطط أوسع لضم مناطق محددة من القطاع وتغيير طبيعته الجغرافية والديموغرافية، بما يتيح لإسرائيل فرض شروطها السياسية مستقبلاً.

هذا النهج يُعد خرقًا صارخًا للقانون الدولي، ويُصنّف كجريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف، كما أكدت منظمات حقوقية دولية، لكن إسرائيل تراهن على فجوة الإرادة الدولية والانشغال الإقليمي لتكريس الأمر الواقع

أزمة مركّبة وأفق مسدود

لا تواجه إسرائيل اليوم مقاومة فلسطينية متجددة فحسب، بل أيضًا تبدلاً في بنية الدعم الأمريكي التقليدي، واهتزازاً في صورتها العالمية كـ"ضحية دائمة". أما داخليًا، فإن الخلاف بين اليمين الديني والعلماني، وبين المؤسسة العسكرية والسياسية، يتعاظم يومًا بعد آخر.

وفي ظل خلاف مفتوح بين ترامب ونتنياهو، وانكشاف إسرائيل أخلاقيًا على المسرح الدولي، وتراجع قدرتها على فرض رؤيتها الأمنية بالقوة، فإن المرحلة المقبلة لا تبدو مواتية لسياسات الاحتلال، بل قد تكون بداية تراجع استراتيجي يصعب احتواؤه بمزيد من العنف أو التضليل.

#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل