وثيقة باراك ورد لبنان: منعطف حاسم في المعادلة السياسية والأمنية

خورشيد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 12:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تواجه الجمهورية اللبنانية اليوم تحدياً داخلياً وخارجياً جسيماً، جرى تجسيده في وثيقة "باراك" التي تم تقديمها إلى السلطات اللبنانية من قبل جهات دولية معنية، وتتضمن مجموعة من البنود التي تستهدف بشكل مباشر سلاح حزب الله، وتربطه بشروط سياسية واقتصادية قاسية، وسط مهلة زمنية محددة وتنبيهات واضحة بخيارات عسكرية في حال عدم الالتزام.

وقد جاء الرد اللبناني الرسمي، وبالأخص موقف حزب الله، حاسماً وموحداً برفض هذه المطالب، مع التأكيد على التمسك بالقرار الدولي رقم 1701 كمرجعية قانونية أساسية، ورفض أي مساس بحق المقاومة في سلاحها.


---

مضمون وثيقة باراك وأهدافها الاستراتيجية

تتضمن الوثيقة بنوداً أساسية تستهدف تفكيك القدرات العسكرية لحزب الله، لا سيما الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الهجومية، والتي تشكل ركيزة قوة استراتيجية لا يمكن التنازل عنها من قبل الحزب. وتنص الوثيقة على آليات لإجبار الحزب على تجميع أسلحته في مخازن تحت إشراف الجيش اللبناني ولجنة عسكرية دولية، مع تحديد مهلة شهرين لبدء التنفيذ، وإعلان أن البديل في حال التأخر هو خيار عسكري إسرائيلي.

كما تشترط الوثيقة ربط الإفراج عن الأسرى اللبنانيين وإعادة الإعمار بموافقة حزب الله على هذه الشروط، ما يعكس محاولة ممارسة ضغط اقتصادي وسياسي كبير على لبنان.

إضافة إلى ذلك، تشترط الوثيقة استمرار حزب الله كمكوّن سياسي ضمن مؤسسات الدولة فقط، مقابل التخلي عن عمله العسكري المستقل، وهو مطلب يمثل محاولة واضحة لفصل المقاومة عن السياسة اللبنانية.


---

الرد اللبناني: رفض جازم وإصرار على السيادة الوطنية

جاء الرد اللبناني، وفق مصادر سياسية ودبلوماسية رفيعة المستوى، مؤكداً ما يلي:

التزام لبنان بتنفيذ القرار الدولي 1701، الذي لم يشر إلى نزع سلاح المقاومة.

رفض الربط بين المساعدات المالية وإعادة الإعمار وبين نزع سلاح حزب الله، باعتباره ابتزازاً لا يمكن القبول به.

اعتبار ملف سلاح المقاومة شأنًا داخليًا تُناقش تداعياته ضمن الأطر الوطنية، ورفض التدخل الدولي المباشر في هذا الملف.

تحميل إسرائيل المسؤولية عن عدم تنفيذ القرار 1701 من جانبها، خصوصاً استمرارها في انتهاك الأراضي اللبنانية واحتجاز مواطنين لبنانيين.

رفض المهلة الزمنية المحددة التي تعتبر استدعاء ضمنياً لعملية عسكرية إسرائيلية، مع التأكيد على أن لبنان يلتزم بالقرار 1701 بينما تواصل إسرائيل خروقاتها.

رفض ربط شرعية حزب الله السياسية بمسألة السلاح، باعتبار ذلك تهديداً لوحدة واستقرار لبنان الداخلي.



---

الأبعاد السياسية والأمنية للموقف اللبناني

تشكل الوثيقة تحدياً مركباً على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية:

سياسياً، من المرجح أن تزيد الوثيقة من حالة الاستقطاب الداخلي، مما قد يؤدي إلى تعقيد المشهد الحكومي وزيادة التوترات الطائفية والمذهبية.

اقتصادياً، قد يُستغل وضع لبنان المالي والاقتصادي المتردي لفرض شروط قاسية عبر المساعدات الخارجية، ما يزيد من هشاشة الأوضاع الاجتماعية.

أمنياً، تضع المهلة الزمنية المحددة لبنان تحت ضغط تصاعدي، حيث تهدد بعملية عسكرية إسرائيلية تستهدف ترسانة حزب الله، مما قد ينذر بتصعيد عسكري واسع النطاق.


كما يضاف إلى ذلك تعقيد ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل وسوريا، الذي قد يشكل نقطة احتكاك إضافية.


---

السيناريوهات المحتملة

1. تصعيد عسكري إسرائيلي

في حال رفض لبنان تنفيذ البنود، قد تلجأ إسرائيل إلى تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف قدرات حزب الله الصاروخية، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة تحمل تداعيات إقليمية خطيرة.

2. تفاقم الأزمة السياسية الداخلية

الضغط الدولي المستمر قد يعمّق الخلافات اللبنانية بين المؤيدين والمعارضين لحزب الله، ما يعرقل عمل المؤسسات الحكومية ويهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي.

3. محاولة تفاوض وطني داخلي

ربما يُفتح مجال للحوار الداخلي حول آليات ضبط السلاح، ولكن ضمن إطار وطني وبعيداً عن الضغوط الدولية المباشرة، سعياً للحفاظ على الاستقرار.

4. استمرار حالة الجمود والضغط الدولي

إذا استمر لبنان في رفض الوثيقة، فإن الضغوط المالية والسياسية قد تتصاعد، ما يزيد من حالة العجز والتدهور في مختلف القطاعات.


---

خلاصة

تمثل وثيقة باراك اختباراً صعباً لمواقف لبنان الوطنية وقواه السياسية، إذ تسعى إلى فرض معادلة تقوض قدرة حزب الله على الدفاع عن السيادة اللبنانية وتوظيفها كورقة ضغط في الصراع الإقليمي. يأتي الرد اللبناني الرافض كرسالة صمود وإصرار على رفض الابتزاز والحفاظ على توازن داخلي هش.

إن لبنان اليوم يقف على مفترق طرق حاسم يتطلب تضافر الجهود الوطنية والحكمة السياسية لتفادي الانزلاق نحو أزمات متصاعدة، سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد التوترات الإقليمية التي تحيط به.

#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل