خورشيد الحسين
الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 09:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقال أن قرويا كان يتعشّى مع أبنائه، فإذا بتيسٍ يدخل عليهم من الباب. أمر ابنه حمدان أن يربطه، لكن حمدان ــ بعفويته المفرطة ــ لبط القنديل فأطفأه، ثم بعثر الطعام، وأثناء مطاردته للتيس داس على بطن أبيه. عندها صرخ الأب في يأس: "قوموا فلتوا التيس... واربطوا حمدان!".
هذه الحكاية ليست مجرد طرفة قروية، بل مرآة لواقعنا السياسي والإعلامي. فالتيس اليوم ليس سوى الإعلام الموجَّه، الممسوك بخيوط صهيونية رفيعة؛ إعلام يعرف من أين يُستفز وعينا، وكيف يحرّك غرائزنا. أما "حمدان"، فهو ذلك المواطن المتلقي، الذي يردّد بلا تمحيص، ويعيد نشر كل ما يلتقطه، فيتحول من ضحية إلى أداة تخريب أشد فتكًا من التيس نفسه.
يكفي أن يخرج أفيخاي أدرعي أو غيره من أبواق الاحتلال بتغريدة سامة، حتى ينتفض مليون "حمدان" في ميدان العالم الافتراضي. يشتبكون مع بعضهم، يتناطحون على التفاهات، يستهلكون طاقتهم في الرد والرد المضاد، بينما يضحك العدو في ركنه، وقد رأى البيت العربي غارقًا في العتمة، والمائدة مبعثرة، والأبناء يضربون بعضهم بدل الإمساك بالتيس.
المسألة هنا ليست في ذكاء العدو وحده، بل في هشاشة وعينا وثقوب إدراكنا. نحن أسرى ردّات الفعل الغرائزية، أسرى الانفعال اللحظي، عاجزون عن تحويل المواجهة الإعلامية إلى معركة وعي منظمة. الإعلام الصهيوني يخطط ببرودة، ونحن ننفعل بحرارة؛ هم يرمون كلمة محسوبة، ونحن نصنع منها طوفانًا من الضجيج العبثي.
لقد حان الوقت أن نعيد صياغة علاقتنا بالإعلام: أن ننتقل من خانة "المستقبِل" إلى خانة "الفاعل"، من "حمدان" المتعثر إلى عقلٍ واعٍ يزن الكلمة قبل أن يرددها. فالمعركة اليوم لم تعد بالسلاح وحده، بل بالوعي والقدرة على تمييز الخطاب الموجَّه من الخطاب المقاوم.
ولعلّ أصدق ما يمكن أن نردده اليوم هو صرخة الأب في تلك الحكاية: "اتركوا التيس... وامسكوا حمدان!".
#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟