أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خورشيد الحسين - الفيدرالية والطائفية في المشرق العربي: مدخل للتفتيت لا لإدارة التنوع














المزيد.....

الفيدرالية والطائفية في المشرق العربي: مدخل للتفتيت لا لإدارة التنوع


خورشيد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 19:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تطرح الفيدرالية في السياق العربي، والسوري منه خصوصًا، كخيار بديل لمعالجة النزاعات الطائفية والإثنية، وكأداة لإدارة التنوع ضمن أطر مؤسساتية. غير أن هذا الطرح، وإن بدا في ظاهره عقلانيًا، ينطوي على مخاطر بنيوية تتجاوز مستوى "تقاسم السلطة" لتلامس مشروعًا تفكيكيًا يتغذى على الانقسامات ويُعيد إنتاجها في شكل سياسي دائم. ويزداد هذا الخطر في ظل تدخلات خارجية ومشاريع توسعية ترمي إلى تحويل المنطقة إلى رقع جغرافية متناحرة، على غرار ما جرى في أواخر العهد العباسي حين تحولت الخلافة إلى مجرد رمزية وسط دويلات متنافسة.

أولًا: الجذور الاستعمارية للفيدرالية في سوريا

بدأت ملامح الطرح الفيدرالي في سوريا منذ عهد الانتداب الفرنسي، حين عمدت سلطات الاحتلال إلى تقسيم البلاد إلى خمس دويلات على أساس طائفي وجغرافي: دولة دمشق، دولة حلب، دولة جبل الدروز، دولة العلويين، ودولة لواء الإسكندرون¹. لم يكن ذلك سعياً لإدارة التنوع، بل لتقويض فكرة الدولة المركزية الموحدة، وزرع بذور التناحر الأهلي، بما يخدم المصالح الفرنسية ويحول دون تشكل هوية وطنية جامعة.

وقد فُسّر هذا التوجه كجزء من سياسة استعمارية ممنهجة تقوم على مبدأ "فرّق تسد"، حيث تُمأسس الانقسامات الإثنية والطائفية وتُشرعن عبر مؤسسات الحكم المحلية، مما يؤدي لاحقًا إلى تآكل السيادة الوطنية من الداخل².




ثانيًا: الواقع السوري واللبناني اليوم... نحو فيدرالية أمر واقع؟

سوريا:

منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، أخذت ملامح فيدرالية الأمر الواقع تتشكل تدريجيًا. فالإدارة الذاتية الكردية في الشمال الشرقي (قسد) تمارس شكلًا من أشكال الحكم الذاتي بدعم أميركي، فيما تحكم مناطق الساحل بقوة أمنية–طائفية مرتبطة بالنظام، بينما تعيش مناطق أخرى مثل السويداء حالة من العزلة السياسية³.

هذا التوزع الجغرافي–الطائفي يشير إلى حالة من "اللاوحدة"، ما يجعل أي محاولة لاحقة لترسيخ الفيدرالية على أساس طائفي أو عرقي خطًا تصاعديًا نحو التقسيم الفعلي، تحت غطاء "تنظيم التنوع"⁴.

لبنان:

النموذج اللبناني، وإن لم يكن فيدراليًا رسميًا، يعيش تحت مظلة "تقاسم طائفي مقنن". وقد دفع فشل هذا النموذج ببعض الأطراف إلى طرح الفيدرالية كحل جذري، إلا أن تعقيد التداخل الديموغرافي، وغياب الرؤية الوطنية الجامعة، يجعلان من هذه الفكرة قنبلة موقوتة⁵.




ثالثًا: الفيدرالية والطائفية... تفكيك لا تنوّع

إن الفيدرالية حين تُطبق في دول ضعيفة المؤسسات، ومفككة اجتماعيًا، تصبح وصفة مثالية لتكريس الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية. فهي تشجع المكونات على الانغلاق داخل أطرها الطائفية أو العرقية، ما يؤدي إلى تكلس الصراعات بدل حلّها⁶.

وقد أظهرت تجارب العراق وأفغانستان والبوسنة أن الفيدرالية في السياق المأزوم لا تنتج إلا كيانات عاجزة، لا تقوى على حماية نفسها دون دعم خارجي، ولا تعبّر عن إرادة شعبية جامعة، بل عن توازنات قسرية بين مكونات متشككة⁷.




رابعًا: مشاريع الخارج واستثمار الفيدرالية في التقسيم

ترتبط الدعوات للفيدرالية في المشرق العربي بمشاريع دولية تتبناها قوى كبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، في سياق ما يسمى بـ"إعادة تشكيل الشرق الأوسط"⁸. هذا المشروع، الذي طُرح علنًا بعد الغزو الأميركي للعراق، يسعى إلى تقسيم الدول الكبرى إلى كيانات طائفية ضعيفة، لضمان أمن إسرائيل من جهة، وتسهيل السيطرة الغربية على الموارد والمسارات الجغرافية من جهة ثانية⁹.

ويكفي التأمل في خريطة "الشرق الأوسط الجديد" التي روّجت لها الإدارة الأميركية بين 2006–2007، لنكتشف أن الفيدرالية ليست إلا بوابة ناعمة لتقسيم الدول العربية إلى كيانات مذهبية وعرقية متصارعة.




خامسًا: بين الفيدرالية والدويلات العباسية: تشابه المسار

إن التجارب التاريخية تحذرنا من السير في هذا الاتجاه. ففي أواخر العهد العباسي، انقسمت الخلافة إلى إمارات مستقلة، استقلت إداريًا وسياسيًا، ثم عسكريًا، ولم يبق من الدولة سوى الاسم والرمز الديني. وقد أدى هذا الانقسام إلى تشرذم الأمة، وفتح الباب واسعًا أمام الغزو المغولي ثم الاستعمار الأوروبي¹⁰.

اليوم، ومع الحديث عن "دويلات" كردية ودرزية وعلوية وسنية وشيعية، نُعيد إنتاج ذلك النموذج في قالب حديث، عنوانه "الفيدرالية"، ونتيجته واحدة: تفكيك الكيانات إلى أشلاء متنازعة، تابعة، وضعيفة.




سادسًا: الحوار الوطني... البديل الوحيد الممكن

إن البديل الحقيقي للفيدرالية ليس القمع ولا العودة إلى المركزية الصماء، بل في إطلاق حوار وطني شامل، يستند إلى أسس المواطنة لا المحاصصة، ويكرّس الحقوق والحريات ضمن إطار دولة موحدة.

ولكي ينجح هذا الحوار، لا بد من توافر:

1. إرادة سياسية جامعة تضع مصلحة الوطن فوق مصالح الطوائف.


2. ضمانات قانونية لحماية حقوق الأقليات دون فصلها جغرافيًا.


3. مؤسسات قوية وعادلة تحكم باسم القانون، لا باسم المكوّن.


4. دعم إقليمي يضغط باتجاه الوحدة، لا التقسيم.








ختاما، انالفيدرالية في السياق العربي، لا سيما في سوريا ولبنان، ليست حلاً بل فخًا. إنها ليست إلا محاولة لتقنين الانقسام وشرعنته، تمهيدًا لتحويل المشرق العربي إلى لوحة فسيفساء هشة من الدويلات المتناحرة. كما أن الطائفية لا تُحل بالفصل، بل بالتعايش ضمن عقد اجتماعي جامع. والخيار التاريخي أمامنا اليوم هو: إما الحوار والإنقاذ، أو الفيدرالية والانهيار.



#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرعية الدولية والقضية الفلسطينية: من تزوير التاريخ إلى تبر ...
- من الاحتلال إلى الضم: پ الكنيست وتصفية الضفة الغربية
- القضية الفلسطينية بين الأبعاد المتعددة والتحولات الدولية: مق ...
- الهجمات الإسرائيلية على دمشق والسويداء: خطاب أحمد الشرع وإعا ...
- مشروع إمارة الخليل:تفكيك فلسطين من الداخل
- التكويع: فلسفة لبنانية ساخرة
- مسيحيون عرب...حماة العروبة وحملة روح الاسلام الحضارية
- وثيقة باراك ورد لبنان: منعطف حاسم في المعادلة السياسية والأم ...
- لذلك...اعتذر من الحمير مع تقبيل الحافر والأذنين
- من طوفان الأقصى إلى ضرب طهران: هل الشرق الأوسط على شفا إعادة ...
- إبادة المدنيين: جوهر العقيدة الصهيونية ومنطلقها التوراتي
- الحرب الإيرانية الإسرائيلية بوابة (اسرائيل الكبرى)
- اسرائيل بين نيران غزة وحرائق واشنطن: تبدلات الدعم وصراع المص ...
- حدود الموقف العربي من العدوان الإسرائيلي وآفاق تجاوزه
- العدالة في مهب المحروقات: رفع الأسعار يكشف
- لبنان بين خيارين: مقاومة الردع أو انفجار الدولة
- لبنان في عين عاصفة التحولات الكبرى: حزب الله بين نتائج الحرب ...
- غزة تُفرَّغ تحت النار: حين يصبح التطبيع غطاءً للإبادة
- من يحرك الشارع العربي ؟ بين قبضة السلطة وسطوة المال وتآكل ال ...
- فلسطين والخرائط الممزقة: من التواطؤ الرسمي إلى حتمية المقاوم ...


المزيد.....




- كواحدٍ من رموزها الثقافية.. مدينة برمنغهام تعلن تفاصيل جنازة ...
- الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومص ...
- -هجمات لصالح روسيا-.. بولندا توجه تهمة الإرهاب لكولومبي محتج ...
- إسرائيل -ترفض- إعلان لندن عن اعتراف محتمل بدولة فلسطين
- محادثات أمريكية صينية -بناءة- قبيل انتهاء هدنة الرسوم وسط ته ...
- اكتئاب خلف الكاميرا.. مشاهير هوليود يروون معاركهم النفسية
- -ما وراء الخبر- يناقش مستقبل قضية نزع سلاح حزب الله
- -أنقذوا الفاشر- حملة في السودان لفك حصار المدينة ووقف تجويعه ...
- نواب أميركيون يصفون الوضع في القطاع بالكارثي ويؤكدون فشل -مؤ ...
- مقترح أوروبي لمعاقبة إسرائيل أكاديميا لانتهاكاتها في غزة


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خورشيد الحسين - الفيدرالية والطائفية في المشرق العربي: مدخل للتفتيت لا لإدارة التنوع