أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خورشيد الحسين - الصّاروخ المُوجَّه و«شحّاطة» عمّتي: أن تُضرب وتُطالَب بالاعتذار














المزيد.....

الصّاروخ المُوجَّه و«شحّاطة» عمّتي: أن تُضرب وتُطالَب بالاعتذار


خورشيد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 14:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


​في منطقةٍ يتقاطع في فىها الدم بالديبلوماسية، يبدو أنّ السياسة لم تعد تُدار بالعقل، بل بعقلية المزرعة: القويّ يقصف… والضعيف يُطالَب بالسكوت، والوسيط الدولي—الولايات المتحدة—يُتقن فنّ تحويل الجريمة إلى «خطأٍ تقني» يجب تجاوزه بسرعة.
المشهد يتكرّر بـدورية جراحية: صاروخٌ على الضاحية، تنديدٌ أمريكيٌّ بارد، ابتسامةٌ إسرائيليةٌ خفيضة، وصمتٌ عربيٌّ يختبئ خلف جملةٍ خشبيةٍ مُتعفّنة: «ندعو الجميع إلى ضبط النفس.»
​وسط هذا العبث، تخرج من ذاكرتي واقعةٌ منزلية بسيطة، لكنها—بشكلٍ غريب—تشرح الشرق الأوسط أكثر مما تشرحه كل وثائق الخارجية الأمريكية.
​أولاً: شحّاطة عمّتي… نموذجٌ مُصغَّر عن طريقة إدارة العالم
​كنتُ طفلاً شقياً، لكنّ الشقاوة لم تكن شرطاً لـ«الأتلة» اليومية. عمّتي—حفظ الله صرامتها—كانت تُلقي عليّ شحّاطتها بكل جلال.
لكن المصيبة لم تكن في الضربة ذاتها، بل في المراسيم السياسية التي تليها مباشرة؛ الطقس الذي يُحوّل الضرب إلى إجراء قانوني:
​ترمي… بجلال قوة لا تُساءل.
​تصرخ… بمنطق الـ (يجب أن أُسمَع).
​ثم تأمرني بأن أُعيد لها الشحّاطة نظيفةً، ومنسّقةً، ومُحمَّلةً باعتذار رسميّ، ومُقنِع!
​بمعنى آخر: أنتَ المُتلقّي للأذى، وأنتَ أيضاً المكلّف بتصحيح آثار الأذى.
​لم أكن أعلم أنني أتلقّى تدريباً مبكراً على فهم المعادلة السياسية في الشرق الأوسط:
الجلاد يفرض روايته، والضحية تلتزم بها… وإلا تُتّهم بأنّها «غير متعاونة».
​ثانياً: من الشحّاطة إلى الـ F-35… نسخة مُحدَّثة من الإهانة
​حين يسقط الصاروخ الإسرائيلي على الضاحية، ينتظر الجميع موقف واشنطن.
فتخرج واشنطن بتصريحٍ يصلح أن يكون إعلاناً تجارياً لمستحضرات تجميل أكثر مما هو موقف سياسي:
​نستنكر... (بصوتٍ خافت).
​نراقب الوضع... (بعينٍ واحدة).
​ندعو الأطراف إلى الهدوء... (بينما الطرف المعتدى عليه ينزف).
​ثم يحدث ما يشبه إعادة تمثيل مشهد طفولتي، لكن بحجم "صفقة قرن":
​«اعترضوا… لكن بالهمس. استنكروا… لكن دون إحراج للجلّاد. قولوا: تمّ، وقع، حدث، ولن يتكرّر من جانبنا! وأعيدوا لنا شظايا الصاروخ نظيفةً… مع الاعتذار الرسميّ. وفاتورة الـ F-35 لا تزال مستحقّة الدفع وفوراً**.»**
​أما إسرائيل، فلا تتعامل ككيان يحتاج دعماً، بل كزبونٍ دائمٍ له دفتر طلبات مفتوح:
صاروخ أدق؟
غطاء سياسي أكبر؟
حسمٌ إضافيٌ على السلاح؟
واشنطن تردّ بابتسامة موظفةٍ في متجر نهاية الموسم:
«من عيوني… وهدية إضافية إذا قاطعتم زيت الزيتون!»
​هكذا تُدار المأساة:
استبدادٌ مُغلّف بلغة إنسانية، وتمثيلٌ يُقنِع العالم بأنّ الضحية هي التي يجب أن تُحاسَب.
​ثالثاً: المسرحية… حين يصبح الشرق الأوسط خشبة تُعيد المشاهد نفسها
​ما يدهش ليس السلوك الأمريكي—فهذا ثابت—ولا الجشع الإسرائيلي—وهو أقدم من المشروع نفسه.
ما يدهش هو قدرتنا على الاندهاش.
​كأنّنا نعيش في مسرحية عبثية:
​الجلاد يضحك.
​الضحية تُصفّق.
​الحكومات تهرول لتقديم شهادات حسن السلوك.
​والمشاهدون يتظاهرون بأنّهم لا يعرفون النهاية.
​لا شيء يتغيّر، لأنّ الجميع تعوّد على منطق واحد:
لا تقل «لا» للمدير… حتى لو كان هو من يعاقبك وهو أيضاً من يطلب منك الاعتذار.
​الخاتمة: ماذا لو تغيّر المشهد؟
​السخرية ليست زينة لغوية، بل طريقة لمواجهة القبح حين يصبح عادياً.
وشحّاطة عمّتي لم تكن مجرد لعبة منزلية… بل درساً سياسياً مبكّراً:
​من يملك القوة يرمي.
ومن لا يملكها… يُطالَب بأن يُعيد الأذى بيده، معتذراً.
​لكنّ هناك ما لا يدخل في حسابات واشنطن ولا تل أبيب، ولا حتى في أدبيات "ضبط النفس":
​حين يُسحَق الإنسان أكثر مما يجب، لا يعود يضحك على سخرية المشهد… ولا يعود يقبل دور الكومبارس.
بل يبدأ بالسؤال الأخطر، السؤال الذي يهدد كلّ الهندسة الاستعمارية من جديد:
​ماذا لو رُفِضَت "الشحّاطة" هذه المرّة؟
ماذا لو أصرّت "الضحية" على تغيير دورها؟
وماذا لو توقّف الشرق عن إعادة الصاروخ نظيفاً ومُعتذراً؟



#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاومة بعد وهم السلام: قراءة جديدة في الصراع الفلسطيني الإ ...
- المقاومة اخر الحصون امام (الشرق الصهيوني الجديد)
- المخاطر التي تحيق بالهوية الفلسطينية: بين طمس الوعي وإعادة ت ...
- الهيمنة الأميركية وصكوك الاستسلام الجديدة: من أمن إسرائيل إل ...
- 3. -المنعطف الإقليمي: حزب الله يمدّ يده للرياض… مناورة أم اس ...
- ضربة قطر،أيقظت العرب أم كشفت عجزهم؟
- حسن مراد: الحاضر على الأرض والمتمسك بالهوية العربية
- من صدمة 7 اكتوبر الى ادارة الكارثة: مسار الموقف العربي
- خطاب بري… بين تثبيت السلاح وتوسيع دائرة الأزمة
- اتركوا التيس الصهيوني وامسكوا حمدان
- غزة المقبلة على مذبحة: قرار الاحتلال أُخذ... والمذبحة تُعدّ
- لبنان والسلاح بين الاستقلال والسيادة المُقنّنة: هل بدأ فصل ا ...
- في مواجهة العاصفة: وحدة الموقف هي سلاحنا الأخير
- لتحريض المذهبي وآليات الاستجابة: مسؤولية مزدوجة في تفكيك الم ...
- واشنطن تضغط... وتل أبيب تحصد: لبنان بين كماشة الموانئ واسترا ...
- بين الاحتلال والداعم: واشنطن شريك المشروع الصهيوني منذ النشأ ...
- تقارب الضرورة: سوريا الجديدة وإسرائيل بين تفاهمات أمنية وحسا ...
- الفيدرالية والطائفية في المشرق العربي: مدخل للتفتيت لا لإدار ...
- الشرعية الدولية والقضية الفلسطينية: من تزوير التاريخ إلى تبر ...
- من الاحتلال إلى الضم: پ الكنيست وتصفية الضفة الغربية


المزيد.....




- فيديو متداول لـ-انهيار بالجدار الحدودي العازل بين العراق وسو ...
- الجيش الإسرائيلي يقتحم بلدات طوباس في عملية واسعة بشمال الضف ...
- الصين تتوعد اليابان بدفع الثمن باهظا إذا تجاوزت الخط الأحمر ...
- في أول جولة خارجية له.. البابا ليون الرابع عشر يصل إلى تركيا ...
- محافظ طوباس أحمد الأسعد: هناك عملية إسرائيلية واسعة في كل ال ...
- ماكرون يعلن إطلاق -الخدمة الوطنية التطوعية العسكرية- في فرنس ...
- صحف عالمية: خط غزة الأصفر قد يصبح دائما وحرب السودان تهدد ال ...
- حافية القدمين مع دمية مبتلة.. مشهد طفلة تواجه أمطار غزة
- هيومان أبيل تطلق -صندوق طوارئ السودان- لإنقاذ المتضررين من ا ...
- إسرائيل تكشف أساليب إيرانية جديدة للتجسس على كبار مسؤوليها


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خورشيد الحسين - الصّاروخ المُوجَّه و«شحّاطة» عمّتي: أن تُضرب وتُطالَب بالاعتذار