أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مدبولى - إبراهيم يسرى ، القابض على جمر الوطن














المزيد.....

إبراهيم يسرى ، القابض على جمر الوطن


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 22:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وُلد إبراهيم يسري حسين عبد الرحمن عام 1930 بقرية السلامون، التابعة لمركز ههيا بمحافظة الشرقية، في بيت أزهري تقليدي؛ إذ كان والده عالمًا من علماء الأزهر الشريف. وبعد وفاة الوالد، آلت إليه بعض الأراضي الزراعية، فاختار أن يخلّد ذكراه على طريقته، متبرعًا بجزء منها لإقامة مدرستين ابتدائية وإعدادية في مسقط رأسه، إيمانًا بأن التعليم هو الاستثمار الأصدق في مستقبل الوطن.

التحق إبراهيم يسري بوزارة الخارجية المصرية في أوائل ستينيات القرن الماضي، وتنقّل بين عدد من البعثات الدبلوماسية المهمة، منها العراق ورومانيا والهند والجزائر، قبل أن يتولى منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية والمعاهدات الدولية، وهو موقع يتطلب دقة قانونية وشجاعة سياسية معًا.

وخلال عمله سفيرًا لمصر في الجزائر، كان له دور فاعل في احتواء التوتر الدبلوماسي الذي أعقب مباراة كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر عام 1989. ورغم ذلك، جرى إنهاء مهمته الدبلوماسية وإعادته إلى القاهرة، حيث أُلحق بعمل ذي طابع شرفي محدود الصلاحيات، إلى أن أُحيل للتقاعد عام 1995.
وقد ربط كثيرون بين هذا الإقصاء غير المعلن وبين مواقفه الصريحة المعروفة، ومنها اعتراضه على إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في رأس بناس على البحر الأحمر، ورفضه مرور سفن حربية أو نووية أمريكية عبر قناة السويس، استنادًا إلى تفسيره القانوني لاتفاقية القسطنطينية، وحرصه على سيادة القرار المصري.

كان للسفير إبراهيم يسري إسهام معتبر في مفاوضات طابا، ضمن الفريق القانوني والدبلوماسي الذي عمل على استعادة الأرض المصرية عبر الوسائل القانونية والدولية، وهو دور ظل يُحسب له بوصفه جزءًا من معركة طويلة النفس لاسترداد الحق دون تفريط أو صخب.

غير أن حضوره العام لم يتراجع بعد التقاعد، بل ازداد وضوحًا. فقد تصدّر، بصفته مواطنًا قبل أن يكون دبلوماسيًا سابقًا، معركة قانونية ضد تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل بأسعار اعتبرها مجحفة. وأقام دعاوى قضائية طالب فيها بوقف التصدير أو إعادة تسعيره بما يحقق المصلحة الوطنية، ورأى أن التفريط في الموارد الطبيعية لا يقل خطورة عن التفريط في الأرض. وكانت القضية بالنسبة له ذات بُعد رمزي أيضًا، إذ إن خط أنابيب الغاز الممتد من العريش إلى عسقلان يمر في مناطق سالت على رمالها دماء جنود مصريين في حروب سابقة.

تعرض السفير الراحل، بسبب هذه المواقف، لسلسلة من التحقيقات والملاحقات القانونية والاتهامات التي نُسبت إليه، كما فُرضت عليه غرامات مالية، لكنه واصل طريقه القانوني بهدوء وصبر. وفي نهاية المطاف، صدر حكم من المحكمة الإدارية العليا أعاد النظر في تسعير الغاز وكمياته، بما يضمن أولوية الاحتياجات المحلية، وهو ما اعتبره انتصارًا لمبدأ، حتى إن لم ينهِ القضية سياسيًا.

انخرط إبراهيم يسري في العمل العام، فانضم إلى حركة “كفاية” والحملة المصرية ضد التوريث خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. كما ظل متضامنًا مع نضال الشعب الفلسطيني، وشارك في دعاوى قانونية تطالب بفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، واعترض على إقامة السور الفولاذي المصرى ، انطلاقًا من اعتبارات إنسانية وقانونية.

ساند ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وأعلن تأييده لمطالبها الأساسية في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية،
وعبّر عن رفضه لما اعتبره تراجعًا عن مكتسباتها. كما طالب بعدم التنكيل برموزها، ودعا إلى الإفراج عنهم ، متمسكًا بفكرة أن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق على حساب العدالة أو الكرامة، أو الحرية وحق الشعوب فى الإختيار ، واستمر صامدا ثابتا على موقفه هذا حتى النفس الأخير،

كان السفير إبراهيم يسري أيضًا من أبرز الأصوات القانونية المدافعة عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير. وقد أقام دعاوى أمام القضاء الإداري، وواصل الطعن على الأحكام، إيمانًا منه بحق التقاضي واختلاف الاجتهاد القانوني، حتى آخر أيامه.

أما قضية مياه النيل، فقد شغلت حيزًا كبيرًا من اهتمامه. حيث انتقد الاتفاق الثلاثي الذي وقعته مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، واعتبره غير كافٍ لضمان الحقوق المائية المصرية، فأقام دعوى قضائية ببطلانه. وكان يرى أن غياب اتفاق ملزم حول حصص المياه يفتح الباب لمخاطر مستقبلية، محذرًا من تداعيات استراتيجية طويلة الأمد إذا اكتمل بناء سد النهضة دون ضمانات واضحة.

توفي السفير إبراهيم يسري في العاشر من يونيو عام 2019، عن عمر ناهز التاسعة والثمانين عامًا، قضى معظمها مدافعًا عن مصالح بلاده، سواء من موقعه الرسمي داخل وزارة الخارجية، أو من موقعه كمواطن اختار طريق القضاء والعمل العام بعد التقاعد. ظل حتى أيامه الأخيرة متمسكًا بالأمل، صلبًا في مواقفه، غير عابئ بتقدم العمر أو ثقل الضغوط.

رحل إبراهيم يسري، وبقيت سيرته شاهدًا على نموذج نادر لدبلوماسي لم يخلع ضميره مع خلع المنصب، ولم يتعامل مع الوطنية بوصفها شعارًا، بل ممارسة يومية مكلفة.
وقد حزن عليه كثيرون من محبيه وتلامذته ورفاقه، وساد شعور عام باليتم وفقدان الأب والسند لدى الغالبية العظمى من شرفاء هذا الوطن ،،

التحية لروحه، والرحمة لسيرته، ولتبقَ قصته تذكرة بأن الدفاع عن الأوطان لا يرتبط بسلطة أو نفوذ،
بل بإرادة لا تنكسر.



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الإسطورة محمد صلاح وقميص عثمان !!
- أبطال نسيهم التاريخ
- المخرج، وسيدة القرن !
- ست البلاد ، الدكتورة نعمات أحمد فؤاد
- أربعة مبدعين ،،،
- أربعة شعراء،انحنوا جميعا،إلا واحد!؟
- دولة التلاوة، وضياع الهوية !؟
- من الديانات الإبراهيمية ،،،
- المقاومة والزمالك ،،
- إزدواجية معايير الدعم الإنسانى !!
- المدارس متعددة، والمعزوفة واحدة!!
- إنتخبوا الرجل الشيك !؟
- الإستنارة الإنتقائية !!
- التحول الذى يثير الحزن !؟
- التصنيف وفقا للرغبة أو الطلب،،
- إنتهاك براءة الطفولة( مأساة جان جينيه)
- كيف نجت بعض الملفات من المحاسبة عقب ثورة 25 يناير 2011
- شر البلية !!
- بوصلة الأهلى والزمالك !!
- تصريحات إستهلاكية !!


المزيد.....




- أردوغان: رسالتنا بشأن غزة تركت أثرا لدى ترامب
- تونس.. توقيف 21 شخصا إثر احتجاجات في القيروان
- أستراليا تعلن تفاصيل بشأن منفذيْ هجوم بوندي وتشيد بالمنقذ ال ...
- مرشح أقصى اليمين يفوز بالرئاسة في تشيلي
- تحول -غير مسبوق- من أوكرانيا.. وتقدم في مفاوضات وقف الحرب
- مستشار خامنئي: إيران ستدعم حزب الله بحزم
- الكافيين يطارد المراهقين في موسم الامتحانات.. انتباه لحظي وم ...
- فيديو متداول لـ-احتفال مؤيدي الحكومة السورية- بهجوم تدمر.. ه ...
- وسط تقدم المفاوضات.. أوكرانيا تتخلى عن طموح الانضمام للناتو ...
- اكتشاف لوحة فسيفساء ضخمة شمال غربي دمشق أثناء أعمال زراعية


المزيد.....

- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مدبولى - إبراهيم يسرى ، القابض على جمر الوطن