أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - حسن مدبولى - إنتهاك براءة الطفولة( مأساة جان جينيه)














المزيد.....

إنتهاك براءة الطفولة( مأساة جان جينيه)


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 14:21
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


لم يكن جان جينيه شاعرا مسرحيا عاديًا، ولا مجرد كاتب فرنسي عاش على الهامش بسبب مواقفه المتطرفة المناهضة للحضارة الغربية بكل ما تمثله ، بل كان أيضا طفلًا منبوذًا منذ اللحظة الأولى. فقد وُلد لأسرة فرنسية تخلّت عنه، فانتقل من مكان إلى آخر، ومن دار أيتام إلى إصلاحية، ومن إصلاحية إلى سجن، وكلما ظنّ أنه وجد يدًا تسانده، تركته اليد نفسها ليسقط من جديد. لم يكن المجتمع يكرهه، بل كان يتظاهر بأنه لا يراه. وهناك، فى تلك المساحات الضيقة بين الجدران، حدث له ما يحدث للأطفال الضعفاء الابرياء حين تُركوا وحدهم: اعتداءات قذرة،استغلال وانتهاك لآدميته، تجريد من الثقة ومن الطفولة ومن وضوح العالم.
و تلك الجرائم الصغيرةالتى يبدأها رجل مريض، يكملها مجتمع كامل متواطئ يلتزم بالصمت والتخاذل،

هنا نشأ جان جينيه: طفل خائف لم يجد من يحميه، كاد أن ينتحر وينتهى أمره ، قبل أن يصب جام غضبه فى سطور الشعر والكتب ناقما فاضحا ، يسأل العالم سؤالًا واحدًا: لماذا تركتمونى أُكسر هكذا ؟

وما يحدث اليوم لأطفال بعض المدارس المصرية يشبه تلك الحكاية المظلمة، الإختلاف هنا أن الإنتهاك المعلن عنه يتم فى مدارس دولية رفيعة المستوى، وعلى أرض يباركها الجميع، ولطفل محبوب لأسرته يدخل مدرسته ليحفظ الحروف، فيجد نفسه يواجه وحشًا من جلد البشر.ثم تتحول الفضيحة إلى “واقعة فردية”، وتتحول الجريمة إلى “سوء تفاهم”، وتتحول آلام الطفل إلى ورقة مطوية لا يريد أحد فتحها. والأسوأ – وهذا ما يثير الذعر أكثر من الجريمة نفسها – أن بعض الطائفيين يقفون فى المحكمة لا للدفاع عن الحق، بل للدفاع عن “ابن جماعتهم”، وكأن انتماء المجرم أهم من جسد الطفل الذى انكسر. يرفعون راية حماية “السمعة”، كأن السمعة أغلى من طفولة انتهكت، ويجرّون الضحية إلى العار بينما يحاولون إنقاذ الجانى بضمير مرتاح،

وهكذا يولد كل يوم جان جينيه جديدا ، ليس فى ملاجئ أو سجون فرنسا هذه المرة، بل فى فصول مدارس مصرية رفيعة المستوى كان من المأمول أن تكون “محاضن مستقبل الأمة”. فإذا بها مكبات فساد وقاذورات البشرية، تولد أطفالا أبرياء
يتعلمون منذ اللحظة الأولى أن العدالة ليست للجميع، وأن الحماية مسألة حظ، وأن المجرم قد ينجو إذا صادف أن هويته الطائفية محمية، أو أن وراؤه أجهزة معادية لها حصانة، تحاول وتتعمد من خلالها اشاعة الفساد لتركيع المستقبل،

ومستقبل مثل هذا لا يبعث على القلق فقط ، بل على الذعر. لأن مجتمعًا يفشل فى حماية أضعف أفراده، ويبرر الجريمة حين يكون الجانى “واحدًا منّا”، أويصمت عن الألم خوفًا من الفضيحة، أو يتجاهل وينكر وجودها من الأساس، هو مجتمع يعيد إنتاج الخراب نفسه، نسخة بعد نسخة، جيلًا بعد جيل، كما أن مدارس كهذه لا تصنع علماء ولا قادة؛ بل تنتج أرواحًا مكسورة ، وتصنع أطفالًا يتعلمون أن العالم مكان بلا رحمة، وأن الجسد سلعة، وأن الصمت شرطا وحيدا للبقاء، كما أن الخيانة واللعنة قد تكون حلا مجديا ،

الكارثة أن مانراه منشورا ومعلنا من مآسى، هو نتاج أحداث وقعت فى اماكن مقدسة، أو مدارس شهيرة، أما غير المعلن وما خفي داخل منازل أو أقبية أوملاجئ مجهولة مظلمة لايعلم أحد عنها شيئا، هو بالتأكيد أعظم وأسوأ وأكبر بكثير،،



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نجت بعض الملفات من المحاسبة عقب ثورة 25 يناير 2011
- شر البلية !!
- بوصلة الأهلى والزمالك !!
- تصريحات إستهلاكية !!
- الدعم المؤلم المرير،،
- للقذارة لون واحد !
- تصويت الجزائر !!
- خطاب إدانة ،،،
- الأهلى ومستقبل وطن، المسرحية واحدة
- رمز تنويرى مصرى
- ممدانى بين الفخر، والتقريع !!
- الإنفصام العجيب !!
- الزمالك من الوطنية والكرامة، الى الهوان والتطبيع !
- الصفع فى الحرم !!
- عالم الآثار المغضوب عليه !!
- ذكرى الإحتفال الذى أغرق البلاد،،
- ذكرى الإحتفال الذى أغرق مصر،،
- من التاريخ المصرى ،،
- التاريخ والاستثناء
- روسيا والصين، قطبان بلا روح


المزيد.....




- إيليا أبو ماضي: شاعر التفاؤل وصاحب الطلاسم
- حكومة ميرتس في مأزق: تراجع قياسي في رضا الألمان عن أداء حكوم ...
- بيان الذكرى 35 لتأسيس حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني ...
- تجدد الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة رغم وقف إطلاق النار
- أوكرانيا: خلافات أمريكية أوروبية بشأن التنازلات المطلوبة لوق ...
- قمة كوب30 تتبنى اتفاقا مناخيا لا ينص على خطة للتخلص من الوقو ...
- رئيس الأركان الفرنسي يؤكد على أهمية -الاستعداد- لمواجهة خطر ...
- فرنسا: الجمعية الوطنية ترفض أجزاء من مشروع موازنة 2026
- ماكرون يرغب في -بناء علاقة هادئة- مع الجزائر
- احتجاج أمريكي على الإعلان الختامي لقمة مجموعة العشرين


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - حسن مدبولى - إنتهاك براءة الطفولة( مأساة جان جينيه)