أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن مدبولى - التاريخ والاستثناء














المزيد.....

التاريخ والاستثناء


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 20:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كما ستلعننا أجيال المستقبل لتخاذلنا الحالى المخزي أمام استكمال سد النهضة الإثيوبي، وتفريطنا في الثوابت الجغرافية، وانحطاطنا القيمي والثقافي والعقائدي، وهزيمتنا الحضارية الشاملة في ظل التجبّر الصهيوني الذي لا رادع له،
كان الأجدر بنا – نحن أيضًا – أن نلعن أجدادنا الفراعنة قبل أن نلعن أنفسنا، بدلًا من هذا الغوص الدائم في مستنقع المباهاة البائسة التي لا تملّ من تكرار الأكاذيب التاريخية وتلميع الكوارث، بتحويلها إلى مآثر فخرية لتبرير الهزائم وتسويغ الواقع المأزوم!

فلو حكمنا العقل – ولو قليلًا – لاكتشفنا أن جلّ مصائبنا الراهنة ليست سوى استنساخٍ أمين لجرائم فرعونية اندثرت ثم بعثناها من جديد، نسير على هداها بلا تفكير، حتى صرنا نحتفل ونرقص على أطلالها.

حضارة الأهرام أم حضارة السخرة؟

السؤال الجوهري: هل في تاريخنا الفرعوني ما يدعو حقًّا إلى الفخر والتباهي؟
من يظن ذلك لا يرى إلا الأهرامات والمعابد والنقوش والتوابيت الذهبية والمومياوات وافتتاح المتحف الكبير، لكنه لا يرى الدولة الفرعونية الاستعبادية التي كان حكامها يملكون الأرض ومن عليها، ولا يدرك أن حضارتهم كانت “بيت عنكبوت” انهار بأيدي الرومان دون مقاومة تذكر.

قد تكون مبانيهم وآثارهم عظيمة هندسيًا وفنيًا، لكنها – وفق المقاييس الحضارية والإنسانية – كوارث أخلاقية كبرى. فكيف لحاكم يدّعي الانتماء لوطنه أن يسخّر شعبًا بأكمله لبناء مقبرة شخصية لتخليد ذاته، مهما بلغت فخامتها؟

من الأهرامات إلى قناة السويس

الأسوأ أن فكرة “السخرة” لم تندثر، بل ورثناها وأعدنا تمثيلها عند حفر قناة السويس، بنفس القسوة والانحطاط، مع الفارق في أهمية الهدف.
وعندما نُعجب ببراعة التحنيط، فبماذا أفادت عامة المصريين؟ مئات المومياوات لملوكٍ وحيوانات “مقدسة” عُبدت من دون الله، بينما لم يبقَ من عامة الناس إلا الألم والنسيان. حتى أن الفرس، بدهائهم، وضعوا تلك الحيوانات المقدسة في مقدمة جيوشهم، فامتنع المصريون عن قتالهم احترامًا لتلك “الآلهة” العجماء!

مجتمع طبقي.. وعدالة وهمية

كان المجتمع الفرعوني طبقيًا حتى العظم.
المزارعون الذين شكّلوا أغلب السكان عملوا في الأرض التي لا يملكونها، خاضعين للضرائب والسُخرة. أما الفنانون والكتبة والكهنة فكانوا عبيدًا للنظام، يمجّدون الفرعون على الجدران، ثم ينقلبون بعد موته ليمجّدوا خليفته على الجدار ذاته!
لم تتحدث فنونهم عن معاناة الناس، بل رسمت مجد السلطة فقط، تمامًا كما تفعل نخب الحاضر.

أما العدالة، فكانت تابعة للمكانة الاجتماعية: الغني تُفرض عليه غرامة، والفقير يُضرب أو يُشوَّه أو يُصلب. وكان “الأوراكل” – من يزعمون التواصل مع الآلهة – هم القضاة الحقيقيون، يحكمون بالإلهام الإلهي “نعم” أو “لا”، ومن يعترض يُعاقَب لإهانته العدالة المقدسة!

سقوط بلا مقاومة

في مسألة الكرامة الوطنية، سقط الفراعنة سقوطًا ذريعًا. لم يُعرف عنهم مقاومة تُذكر ضد الغزاة إلا نادرًا.
الهكسوس احتلوا مصر أكثر من مئة عام، ولم يتحرك أحد حتى ضعفوا. وأحمس، الذي قُدِّم كبطل التحرير، لم يكن مبتكرًا، بل استخدم العجلة الحربية التي استعارها من أعدائه، واعتمد جيشًا من المرتزقة الأجانب.
ثم جاءت الخيانة، فخان قادة أحمس الثاني ملكهم وتحالفوا مع الفرس، فاستُبيحت البلاد مجددًا.
وكليوباترا نفسها فتحت أبواب الوطن لجيوش روما الأجنبية كي تفرض حكمها، فكان ذلك بداية سبعة قرون من الاحتلال الروماني.

فقد توالت علينا موجات الغزو كأنها قدر محتوم: الكنعانيون ثم الهكسوس ثم الفرس ثم الإغريق ثم البطالمة ثم الرومان، حتى تحولت مصر إلى حامية زراعية تؤدي الجزية، وتحوّل كهان المعابد إلى جباة ضرائب للرومان، بينما أُغلقت المعابد وأُحرقت مكتبة الإسكندرية وتلاشت اللغة المصرية القديمة بمرسوم واحد.

من الانقطاع الحضاري إلى الاستثناء الإسلامي

انقطعت مصر عن أي تواصل حضاري حقيقي، وغرقت في خلافات لاهوتية عجفاء، حتى جاء الفتح العربي الإسلامي عام 641م، فأعاد توحيدها وجمع شتاتها، وأحيا روحها التي كادت تندثر.

ومنذ ذلك الحين، شهدت الأمة – تحت راية العروبة والإسلام – استثناءات حضارية نادرة، حين دحرت جيوشها التتار والصليبيين والفرنسيين، وتجاوزت حدودها دفاعًا عن كرامتها حتى وصلت إلى الحجاز والحبشة وحدود روسيا وتركيا وبلغاريا.

لكن ما إن تخلّت مصر الحديثة عن روحها، وعادت إلى التبعية الملكية الليبرالية الفارغة،حتى عادت القاعدة القديمة: الخضوع للاحتلال، والانكسار أمام الأجنبي.
سبعون عامًا من الاحتلال البريطاني، ثم طالتنا نكسة "الثورية الاشتراكية"حتى فقدنا ثلاثة أرباع أرضنا التاريخية، وتجرعنا الهزائم ولم نجد مانتغنى به سوى حرب الاستنزاف !!

استيقاظ الروح، ثم عودتها إلى الغيبوبة

ومع ذلك، كان هناك فجر قصير للانبعاث، حين علا التكبير في رمضان 1973، ورفعت المآذن العالية شعار “الله أكبر”، فاستعادت مصر بعض مجدها في معركة بدر بحرب أكتوبر، وداست بأقدامها أوهام العدو الذي حاول تكرار تجربة أجداده الغزاة الكنعانيين.

لكنّ البوصلة عادت لتضيع،
وها نحن اليوم نحتفل بافتتاح “المتحف الكبير”، بينما تُهدّد وتستنزف وتنهب ثرواتنا المائية، وتُستباح جغرافيتنا وحدودنا ، وتُهدم روحنا الحضارية من الداخل، ويباد أشقائنا الأقربون، بينما نحن خشب مسندة،
نرفع الشعارات الضيقة الضحلة، ونصفق للفراغ، بينما نغرق ببطء في تكرار الدائرة ذاتها التي بدأت منذ آلاف السنين،



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روسيا والصين، قطبان بلا روح
- التطرف بمحافظة المنيا ،،
- كرامة المصريين فى الخليج !!
- المجالس العرفية !!
- مع من نتعاطف فى السودان!؟
- الخلل فى التعاطف الطائفى !!
- مش قوى كده!
- ساركوزى ونتانياهو،والإسطورة المصرية !؟
- رأس الذئب الطائر !!
- العقد الماضى، قراءة شديدة الحياد،والتحسب،،
- ذكرى الإطاحة بالقذافى !!
- يومكم قادم لامحالة ،،
- عقيدة القتل والارهاب !!
- رسالة أحمد حسن الزيات
- مصر تكتب الوصية ،،
- عماد الدين أديب ،وأفرايم الزيات
- عمران خان، وباكستان ،،،
- العدالة الإنتقائية من الدوحة إلى أبوظبي
- وإنت مال أمك !؟
- من دروس غزة المستفادة !!


المزيد.....




- السجن 5 سنوات بحق ?المحامي أحمد صواب المعارض للرئيس التونسي ...
- -المتحري- يكشف تفاصيل أول عملية إسرائيلية باليمن
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. قصف مدفعي على خان يونس واقتحام مدن ب ...
- المتحري.. جذور الصراع بين اليمن وإسرائيل
- إحابة -غامضة- من ترامب على سؤال بشأن ما يعنيه بـ-استئناف- ال ...
- البنتاغون يمنح الضوء الأخضر لتزويد أوكرانيا بصواريخ -توماهوك ...
- دليلك لفهم ما يجري في السودان، منذ انقلاب عام 1989 حتى الآن ...
- -ما وراء الخبر- يناقش التطورات في لبنان ورسائل التصعيد الإسر ...
- هل ينجح تصعيد إسرائيل في إشعال أزمة داخلية بلبنان؟
- إسرائيل تتسلم 3 جثث وتحيلها للفحص الشرعي


المزيد.....

- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم / تاج السر عثمان
- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن مدبولى - التاريخ والاستثناء