|
|
رسالة أحمد حسن الزيات
حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 10:34
المحور:
قضايا ثقافية
الكاتب والأديب المصري أحمد حسن الزيات وُلد في الثاني من إبريل عام 1885م بقرية كفر دميرة بمدينة طلخا بمحافظة الدقهلية، في أسرة متوسطة الحال. بدأ تعليمه في كُتّاب القرية، حيث تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر الشريف في الثالثة عشرة من عمره، وظل به عشر سنوات كاملة، لكنه لم يُكمل دراسته الأزهرية، إذ اتجه إلى الجامعة الأهلية التي كانت في بداياتها آنذاك.
وخلال دراسته بالجامعة الأهلية، كان الزيات يدرس أيضًا اللغة الفرنسية، التي أعانته كثيرًا على مواصلة تعليمه الجامعي حتى نال إجازة الليسانس. ثم عمل بعد ذلك مدرسًا في عدد من المدارس المصرية، إلى أن اختارته الجامعة الأمريكية بالقاهرة بشكل مفاجئ رئيسًا لقسم اللغة العربية فيها. وفي تلك الفترة التحق أيضًا – في خطوة غير مألوفة – بكلية الحقوق الفرنسية، حيث قضى عامين يدرس في مصر، ثم أكمل عامه الثالث في فرنسا وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة باريس.
ظل الزيات يعمل في الجامعة الأمريكية حتى تم اختياره، فجأة أيضًا، أستاذًا في دار المعلمين العالية ببغداد. حيث أقام هناك ثلاث سنوات اختلط خلالها بالأدباء والشعراء والكتّاب العراقيين، ثم عاد الزيات إلى القاهرة مختلفًا عمّا كان عليه من قبل سفره للعراق . فاعتزل التدريس الذي كان مهنته الأساسية وأُعير من أجله للعراق، وتفرغ للصحافة والتأليف بعد ثلاث سنوات فقط من عمله هناك.
بدأ الزيات مسيرته الصحفية بحماس واضح، حتى أنه أسس في 15 يناير 1933 مجلة الرسالة، التي كان لها أثر بالغ في تشكيل المزاج الثقافي والأدبي في مصر والعالم العربي خلال تلك المرحلة، وظلت تصدر حتى عام 1953 قبل أن تتوقف ثم تعود للصدور بعد ذلك بسنوات،تحديدا فى بداية عقد الستينيات ،
وقد حرص كثير من النقاد والمختصين في الحركة الثقافية المصرية على تقديم الزيات ومجلته كرمز للتحرر ومقاومة الملك والاستعمار والإقطاع، بل ورأى بعضهم أن مجلة الرسالة كانت من أدوات التنوير التي مهدت لثورة 23 يوليو. غير أن المتتبع الدقيق لمقالات الزيات في الرسالة، قبل الثورة وبعدها، سيكتشف وجهًا آخر مغايرًا تمامًا لتلك الصورة الراسخة في الوعي العام، إذ تتجلى بين سطور مقالاته تناقضات حادة، ومواقف متبدلة تكاد تُلخص الوصفة السحرية التي ورثها من بعده أجيال من الكتّاب والإعلاميين الذين عرفوا كيف يمنحون الأقوياء ما يشتهون سماعه، لينالوا في المقابل مفاتيح النفوذ والثروة والمكانة.
فعندما نطالع أعداد الرسالة منذ صدورها عام 1932، نجد أنفسنا أمام عالم من التناقضات. ففي العدد (386) لسنة 1940، مثلًا، يرى الزيات أن إنجلترا هي المثل الأعلى الذي ينبغي أن يُحتذى به، ويضرب الأمثلة بمواطنين أجانب يتفانون في خدمة أوطانهم. ثم، في العدد (660) لعام 1946، ينعى بحزنٍ بالغ أحد أسوأ رجالات العهد الملكي، أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي و"زوج" أو "عشيق" الملكة نازلي أم الملك فاروق!
وفي العدد (778) لعام 1948 يكتب الزيات بحماسٍ بالغ عن كفاح جيش الفاروق لتحرير فلسطين، ثم في العدد (891) لعام 1950 يكاد يبكي تأثرًا برحيل إسماعيل صدقي باشا، رئيس وزراء مصر وعميل الاحتلال البريطاني، الذي عطّل الدستور ووقّع معاهدة الذل المعروفة باسم صدقي–بيفن!
أما في العدد (871) من العام نفسه، فيهاجم الزيات ما سماها "المذاهب الهدامة" التي تتذرع بإصلاح أوضاع الفقراء لنشر الإلحاد، في إشارة إلى الاشتراكية والشيوعية، مؤكدًا أن "الإسلام هو الحل". ثم نجده في العدد (944) لعام 1951 يرثي الملك الأردني عبدالله الأول ويعدد مآثره، رغم أن اغتياله على أعتاب المسجد الأقصى جاء بسبب ما اعتبره كثيرون خيانة للقضية الفلسطينية وقبولًا بوجود دولة إسرائيل!
وفي العدد (978) لعام 1952 كتب الزيات مقالًا بعنوان "لا تخافوا الإخوان المسلمون لأنهم يخافون الله"، مؤكدًا في المتن ما جاء في العنوان ومؤصلًا له فكريًا ودينيًا. وبعد كل تلك الكتابات التي تفيض عشقًا للعهد الملكي الإنجليزي، نجده فجأة في العدد (998) من العام نفسه ينقلب على عقبيه، مندّدًا بالعهد البائد، ومبشرًا بظهور القائد المنتظر محمد نجيب الذي "سيحرر الأمة ويزيل الغمة"!
وفي العدد (1006) كتب الزيات أن ثورة 23 يوليو ثورة فيها ريحة النبوة، بقيادة البطل محمد نجيب، واستمر على هذا النهج في العدد (1018) لعام 1953 أيضًا. ثم توقفت الرسالة عن الصدور لتعود لاحقًا في بداية الستينيات، بوجهٍ جديد لزيات آخر؛ زيات اشتراكي الميول بعد أن كان يحذر من "المذاهب الهدامة"! ففي العدد (1036) لعام 1963 كتب عريضة مطولة يتساءل فيها عن كيفية تكوين أدب اشتراكي يخاطب الناس، ثم في العدد (1044) لعام 1964 كتب عن الاشتراكية الروحية في رمضان، بعد أن كان يتحدث قبلها عن الإخوان المسلمين والرؤية الإسلامية. وفي العدد (1052) من العام نفسه ترك الحديث عن محمد نجيب وزعامته ليتماهى مع المرحلة الجديدة، فكتب عن هرم خوفو وسد عبد الناصر، ثم تساءل في العدد (1062): "أي أيامك أروع يا جمال؟"
وبعد تلك المسيرة المليئة بالتحولات، تم اختيار أحمد حسن الزيات عضوًا بمجمع اللغة العربية، ونال جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1962، وظل محتفى به في العهد الجديد حتى وفاته عام 1968.
لكن المفارقة الغريبة حدثت بعد وفاته بعقود. ففي عام 1997، حضر حفيده أحمد علاء الزيات من الولايات المتحدة إلى مصر، واشترى إحدى شركات القطاع العام (الأهرام للمشروبات) بنحو 70 مليون دولار، ثم أعاد بيعها لشركة هولندية كانت تملكها قبل قرارات التأميم في الستينيات، مقابل 287 مليون دولار، ليحقق في شهور أرباحًا تجاوزت أربعة أضعاف ما دفعه. وقد قيل إن تلك الشركة الهولندية داعمة للكيان الصهيوني، وإن الزيات الحفيد لم يكن سوى واجهة لصفقة مرتبة مسبقًا. والأدهى أن هذا الحفيد يقيم في أحد أحياء اليمين الأمريكي المؤيد لإسرائيل، ومتزوج من سيدة أمريكية من أصول يهودية تدعى "جوان"، وقد سمّى أبناءه جميعًا بأسماء أجنبية يهودية: آشلي، جستن، بنجامين، وإيما! ولله فى مصرنا شئون !! -------- #حسن_مدبولى ( دراسة قديمة للكاتب سبق نشرها،أعيدها بعد اختصارها قليلا، ردا على تساؤلات حول أحمد حسن الزيات )
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر تكتب الوصية ،،
-
عماد الدين أديب ،وأفرايم الزيات
-
عمران خان، وباكستان ،،،
-
العدالة الإنتقائية من الدوحة إلى أبوظبي
-
وإنت مال أمك !؟
-
من دروس غزة المستفادة !!
-
كيف خان الفلسطينيون غزة؟
-
الجنرال المصرى المتفرنس!؟
-
من كتالونيا الى السويداء،،
-
التطبيع القسرى !!
-
الجنرال النحيف !!
-
الدوجماتية !!
-
الواقع والكرامة والإذعان !
-
التطهير القادم !؟
-
المغرب على حافة الهاوية
-
أستنساخ النزع !!
-
إحتلال العقل المصرى!؟
-
جدلية غزة والزمالك ،،
-
ذكرى المشير طنطاوى
-
من الأولى بالعداء !؟
المزيد.....
-
تطورات قضية هتك عرض أطفال بمدرسة بمصر ومحامي الضحايا يطالب و
...
-
السعودية تفوز على عُمان في كأس العرب وكيروش ينتقد الحكم
-
ما الذي يدفع الدول العربية لإعادة رسم أعلامها؟
-
ترامب يهدد مادورو، وواشنطن ترسل سفناً حربية إلى منطقة البحر
...
-
صحة.. هل عمر أدمغتنا متطابق مع أعمارنا؟
-
مسؤول إسرائيلي يؤكد أن الاحتلال لن ينسحب من مواقعه بسوريا
-
القمة الخليجية الـ46 تبحث ملف غزة وتشدد على احترام سيادة الد
...
-
صحيفة إسرائيلية تكشف وثيقة تؤكد دعم نتنياهو لتوسيع البؤر الا
...
-
موسكو: بوتين ناقش مع الأميركيين 4 وثائق إضافية بشأن أوكرانيا
...
-
مواقع التواصل تتفاعل مع تهديد بوتين أوروبا بحرب واسعة
المزيد.....
-
علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة
/ منذر خدام
-
قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف
...
/ محمد اسماعيل السراي
-
الثقافة العربية الصفراء
/ د. خالد زغريت
-
الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية
/ د. خالد زغريت
-
الثقافة العربية الصفراء
/ د. خالد زغريت
-
الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس
/ د. خالد زغريت
-
المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين
...
/ أمين أحمد ثابت
-
في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي
/ د. خالد زغريت
-
الحفر على أمواج العاصي
/ د. خالد زغريت
-
التجربة الجمالية
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|