حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 21:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمة تعرف عدوها جيدًا، لكنها تصنع لنفسها خصومات جانبية تفتك بها قبل أن يفتك بها العدو. هذا هو واقع العرب والمسلمين اليوم: انقسام أعمى، استقطاب عقيم، وتبديد منظم للطاقات — كأن هناك إرادة مخفية نحو الفشل. بدلاً من توجيه سهامنا إلى من يستحقها، نجدها تنغرس بغِلٍّ وحقد في صدور بعضنا البعض. فريق يهدر طاقته في مهاجمة تركيا والإسلام السياسي أكثر مما يهاجم الاحتلال، وآخر يلعن إيران وحزب الله والحوثيين بشدة تفوق أي موقف ضد واشنطن وتل أبيب.
المفارقة المرة أن ما يجمع هذه القوى أكبر مما يفرقها: العدو واحد، والتهديد واحد، والمصير مشترَك. ومع ذلك نحول الخلافات التكتيكية إلى حروب مقدسة. فأى تحيةٌ موجهة إلى حسن نصرالله تتحول تلقائيًا إلى شتيمة ضد الجولاني، والتعاطف مع حسن البنا يلزم صاحبه بإعلان العداوة لعبد الناصر. كأننا ما زلنا نعيش زمن داحس والغبراء بينما السكين تكاد تجزُّ رقابَنا جميعًا — يسارا ويمينا، تركيًا وإيرانيًا، سوريًا ولبنانيًا، قوميًا وإسلاميًا، سنّيًا وشيعيًا.
لقد علمتناالتجارب التاريخية الحديثة أن التنسيق ممكن حين تتوافر الإرادة. فمثلاً، تركيا وإيران وقفتا معًا عام 2017 ضد مشروع انفصال كردستان عن العراق، وأفشلتا مخططًا مدعومًا من قوى عظمى. فلماذا يبدو التنسيق اليوم مستحيلًا؟ لماذا لا نجتمع، ولو مؤقتًا، على قواسم مشتركة تجعل صور عبد الناصر وحسن نصرالله وحسن البنا وإسماعيل هنية وأبو علي مصطفى وجورج حبش تتعانق في ميدان واحد ضد عدو واحد؟
نحن أسرى الغباء الاستراتيجي: نغرق في حسابات صغيرة، نهدر مقدراتنا في معارك وهمية، ونمنح أعداءنا الفرصة لأن يصفقوا لانشغالنا بأنفسنا. نعلم أن الخلافات والثارات التاريخية عميقة وكبيرة، لكن الخطر داهم وقاتل للجميع. فهل نمتلك شجاعة العقل لنَتجاوز أهواءنا ونوحّد صفوفنا؟ أم سنستمر في حفر قبورنا بأيدينا ونسمّي ذلك سياسة؟
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟