أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن مدبولى - الجنرال المصرى المتفرنس!؟














المزيد.....

الجنرال المصرى المتفرنس!؟


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 09:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الجنرال أو المعلم يعقوب حنا (1745–1801) هو الوجه الأكثر وضوحًا لفكرة الانفصال الثقافي والطائفي عن جسد الأمة المصرية، وصاحب أول مشروع خياني منظم عرفته مصر في تاريخها الحديث.

ففي الوقت الذي كانت فيه رموز الوطنية المصرية في عصور لاحقة مثل مصطفى كامل ومحمد فريد ومكرم عبيد تنادِي بالهوية العربية الإسلامية لمصر، كان يعقوب يفتح بابًا خلفيًا للاحتلال الفرنسي، داعيًا إلى حماية أجنبية للأقباط، ومبشرًا بمفهوم "التمدن" بمعناه الغربي المنسلخ عن جذور البلاد وتاريخها.

ولد يعقوب في ملوي بمحافظة المنيا لأسرة قبطية متوسطة، وعمل كاتبًا ومتعهدًا للضرائب في القاهرة، حيث كوّن ثروة ونفوذًا في ظل النظام المملوكي. ومع دخول الفرنسيين مصر عام 1798، سارع يعقوب إلى التحالف مع الغزاة، معتقدا أنها اللحظة التى ستمنحه ما لم تمنحه له قرون من التراتبية الاجتماعية التقليدية، فسارع للاقتراب من قادة الاحتلال، خاصة الجنرال ديزيه ثم كليبر، حتى صار أحد أبرز أعوانهم المحليين.

وقد منحه الفرنسيون لقب "جنرال" سنة 1801، وقلده كليبر قيادة ما سُمّي بـ"الفيلق القبطي"، وهو أول تشكيل طائفي مسلح في تاريخ مصر الحديث، حيث تم جُمع أفراده من الأقباط وتم تدُريبهم على يد ضباط فرنسيين، وارتدوا زيًا خاصًا مختلفًا عن المصريين المسلمين، وأوسدت القيادة والإشراف للمعلم يعقوب الذي حمل لقب "أغا".

كانت تلك الخطوة سابقة خطيرة في تمزيق النسيج الوطني، إذ شارك هذا الفيلق في قتال أبناء وطنهم إلى جانب الغزاة الفرنسيين، خصوصًا في معركة عين شمس في مارس 1800، التي هُزم فيها المصريون والعثمانيون، وسالت فيها دماء آلاف المصريين بأيدي مصريين آخرين.

لم يكن مشروع يعقوب مجرد تعاون عابر مع الاحتلال، بل كان تصورًا متكاملًا لدولة قبطية تحت رعاية أوروبا. ومع اقتراب نهاية الحملة الفرنسية، سافر يعقوب مع البعثة الفرنسية إلى الإسكندرية، وأرسل مذكرة إلى حكومة فرنسا عبر العالم الشهير جوزيف فورييه، يقترح فيها إقامة إدارة قبطية مستقلة في صعيد مصر، على أن تكون تحت الحماية الفرنسية المباشرة. إنها أول وثيقة طائفية تطلب انفصالًا جزئيًا عن الوطن الأم، في لحظة كان فيها المصريون من مسلمين ومسيحيين يقاتلون لاسترداد أرضهم من الاحتلال.

ورغم محاولات بعض المثقفين المعاصرين إعادة تلميع المعلم يعقوب وتقديمه كـ"رائد للتنوير" أو "ضحية الاضطهاد الطائفي"، فإن الحقيقة التاريخية لا تحتمل التجميل. فقد كان يعقوب أول من جعل الطائفة بوابة للنفوذ الأجنبي، وأول من رأى في الغرب وصيًا حضاريًا على الشرق، وأول من حمل السلاح في وجه أبناء بلده باسم "التمدن" فمفهوم "التمدن" الذي تبناه لم يكن دعوة لتعليم أو تقدم، بل لتقليد المستعمر والانفصال عن هوية الأمة.

وقد عبّر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي عن ذلك بدقة حين قال عنه: "انحاز إلى الفرنساوية، وجمع من النصارى جندًا يحارب بهم المسلمين، وكان يبطش بأهل الذمة ممن خالفوه." وهي شهادة معاصرة تقطع الطريق على كل محاولات التزوير اللاحقة. فالجبرتي لم يكن متعصبًا، لكنه رأى في فعل يعقوب خيانةً مزدوجة: خيانة للوطن وخيانة للطائفة ذاتها التي عرّضها لخطر الكراهية والشكوك.

لقد حاول البعض بعد عقود طويلة تحميل السادات أو غيره مسؤولية إشعال الفتنة الطائفية في مصر، متناسين أن بذور تلك الفتنة زُرعت مع الفيلق القبطي الذي صنعه المعلم يعقوب تحت راية الفرنسيين. فمن هنا بدأت فكرة الفصل بين المصريين على أساس الدين، وهنا أيضا نشأت أوهام "الحماية الأجنبية"، وهنا كذلك تمت أول تجربة حقيقية لاستخدام الطائفة كجسر للتدخل الخارجي.



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من كتالونيا الى السويداء،،
- التطبيع القسرى !!
- الجنرال النحيف !!
- الدوجماتية !!
- الواقع والكرامة والإذعان !
- التطهير القادم !؟
- المغرب على حافة الهاوية
- أستنساخ النزع !!
- إحتلال العقل المصرى!؟
- جدلية غزة والزمالك ،،
- ذكرى المشير طنطاوى
- من الأولى بالعداء !؟
- الفلسفة والبوابين !!
- حلفاء اسرائيل بالمنطقة!؟
- الحساسيات المصرية !!
- محور الهزيمة الماسخ ،،
- الحرب على ايران مرة أخرى!
- الإعتراف بدولة فلسطين !؟
- ماقبل الطوفان ،،
- فى ذكرى تفجيرات البيجر،،


المزيد.....




- أشجار الأرز التي تتحدى الزمن.. كيف يحمي لبنان كنوزه الخضراء؟ ...
- هاديسي وإيريم ديريجي توضحان نتائج التحقيق معهما في إطار -عمل ...
- اتفاق غزة.. ماذا سيحدث الآن وما هو مجهول عن التفاصيل؟
- اتفاق تاريخي يفتح باب النهاية لحربٍ دامت سنتين في غزة
- +++غزة.. اتفاق بين حماس وإسرائيل لإنهاء الحرب+++
- ما الذي نعرفه عن المرحلة الأولى من اتفاق غزة؟
- أميركا ترفع العقوبات عن رئيس باراغواي السابق المتهم بالفساد ...
- الإليزيه: ماكرون سيختار رئيسا للوزراء خلال 48 ساعة
- ماكرون يواجه قرارات صعبة
- محلل إسرائيلي: هذه الصفقة استسلام للإرهاب وليست انتصارا كامل ...


المزيد.....

- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم / تاج السر عثمان
- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن مدبولى - الجنرال المصرى المتفرنس!؟