حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 01:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شهدت الساحة العامة مؤخرًا فى مصر موجةً واسعة من التعاطف مع أحد النشطاء غير المسلمين بعد توقيفه،حيث تعامل كثيرون مع الواقعة وكأنها حدثٌ استثنائي يستوجب حماسًا خاصًا وموقفًا متفردًا، وتدفّق المتضامنون من اتجاهات مختلفة، بعضهم بدافعٍ إنساني صادق، وبعضهم الآخر بدافعٍ عاطفي يغلب عليه الطابع الطائفي أكثر من المبدأ الحقوقي العام.
غير أن اللافت في كثير من التعليقات والمواقف، أنّ التركيز انصبّ على ديانة الشخص أكثر من جوهر القضية نفسها، وكأن الانتماء الديني هو ما يمنح الحق في التعاطف أو يسلبه، فصار البعض يرى في توجيه الاتهام إليه ظلمًا مضاعفًا "لأنه قبطي"، بينما تمرّ قضايا مشابهة لمعارضين آخرين بصمت، فقط لأنهم مسلمون. وهذا، في جوهره، خللٌ في مبدأ المساواة بين المواطنين، إذ يفترض أن يُرفض أي انتهاك للحقوق، أياً كانت ديانة صاحبه أو خلفيته الفكرية.
القضية هنا لا تتعلق بشخص بعينه، بل بنمطٍ من الوعي العام وطريقة التفاعل مع الأحداث. فحين يتأسس التعاطف على الهوية الدينية أو الانتماء السياسي، لا على قيم العدالة والكرامة الإنسانية، يتحوّل هذا التعاطف إلى شكلٍ من أشكال التمييز المقلوب، ويُعيد إنتاج الانقسام المجتمعي بدلًا من تجاوزه.
نحن بحاجة إلى تضامن وطني شامل، يقوم على المبدأ لا الهوية، وعلى العدالة لا الانحياز. فكل إنسان يتعرض للظلم أو القهر، أيًا كان دينه أو فكره أو موقعه، يستحق التعاطف والدفاع عنه بالقدر نفسه.
فالظلم لا يتغيّر لونه أو طعمه بحسب هوية ضحيّته، والمبدأ واحد لا يتجزأ.
ومن المهم تكرار الإشارة إلى أن هناك حالات أخرى مشابهة – لنساء مصريات أو لنشطاء من تيارات مختلفة – لم تحظَ بالاهتمام نفسه، رغم أنها تمسّ كرامة الإنسان المصري بالقدر ذاته، وهذا الانتقاء في التعاطف يضعف الموقف الحقوقي والإنساني معًا، ويُفقد التضامن مصداقيته الأخلاقية.
تبقى نقطة أخيرة تستحق التأمل وهى أنّ بعض من تبنّوا في الماضي خطابًا وطنيًا أو إنسانيًا صادقًا في الظاهر، تبيّن لاحقًا أنهم يوظفون تلك القضايا لخدمة مصالح أو أجندات خاصة، مما خيّب آمال كثيرين وثقوا فيهم.
ومن هنا تزداد الحاجة إلى تعاطفٍ واعٍ فطن، يتعلم الدروس بدقة ويقظة وإنتباه ،،
#حسن_مدبولى
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟