حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 10:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ بدأ النظام الحالى تولى زمام الحكم عام 2014، دخلت مصر مرحلة جديدة نسبيا اتسمت بدرجة من الاستقرار الأمني والجمود السياسي، رافقها توجه واسع نحو التنمية الإنشائية والعمرانية، في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية وديمقراطية متشابكة.
ومع تجاوز سنوات العقد، بات ممكنًا تقديم قراءة تحليلية متوازنة لهذه المرحلة من زواياها الاقتصادية والأمنية والسياسية والإقليمية.
أولًا: الاقتصاد بين الإصلاح والاستدانة،،
شهدت مصر سلسلة من الإصلاحات الهيكلية الواسعة الهادفة إلى استعادة الاستقرار المالي وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، عبر تطبيق آليات السوق الحر، وتحرير سعر الصرف، وإعادة هيكلة منظومة الدعم، وبيع ما تبقّى من أصول الدولة، وتقليص العمالة الحكومية وتجميد التوظيف في العديد من الجهات.
في المقابل، توسّعت الدولة في مشروعات البنية التحتية والطرق والطاقة والإسكان، وارتفع الاحتياطي النقدي، وتراجع العجز المالي نسبيًا، كما أُطلقت مشروعات قومية كبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة والمونوريل ومبادرة حياة كريمة، إلى جانب مبادرات اجتماعية وصحية متنقلة.
لكنّ هذه الإصلاحات، على الرغم من اتساعها، جاءت مقرونة بمسار موازٍ من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، تمثل في تضاعف حجم الدين الخارجي الذي تجاوز 160 مليار دولار (نحو 8 تريليونات جنيه مصري)، مع تراجع حاد في قيمة العملة المحلية وانخفاض القوة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار بصورة متواصلة.
كما بلغ الدين المحلي نحو 11.06 تريليون جنيه بنهاية الربع الثاني من عام 2025، ليصل إجمالي الدين العام (المحلي والخارجي) إلى قرابة 19 تريليون جنيه، أي ما يعادل 85٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لأحدث تقديرات المؤسسات المالية الدولية.
تُعد هذه النسبة من الأعلى بين الاقتصادات الناشئة، إذ تستهلك خدمة الدين (فوائد وأقساط) نحو نصف الإنفاق الحكومي السنوي، مما يحدّ من قدرة الدولة على تمويل قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والإنتاج.
كما أن الاعتماد المتزايد على الاقتراض الخارجي فرض ضغوطًا على الاحتياطي النقدي وميزان المدفوعات، وجعل الاقتصاد أكثر هشاشة أمام تقلبات أسعار الصرف والفائدة العالمية.
وعلى الرغم من تحقيق قدر من الاستقرار المالي الظاهري، إلا أن هذا الاستقرار لا يستند إلى قاعدة إنتاجية صلبة، إذ لا يزال النشاط الاقتصادي يعتمد بدرجة كبيرة على القروض والمشروعات العقارية والخدمية، أكثر من اعتماده على التصنيع والتصدير.
كما أثار بيع بعض الأصول والشركات العامة لصناديق أجنبية تساؤلات حول مستقبل الملكية الوطنية للثروات الاستراتيجية.
بعبارة أخرى، تحقق استقرار مالي محدود، لكنه استقرار هشّ يقوم على التمويل الخارجي أكثر من كونه نتاجًا لنمو إنتاجي حقيقي.
ثانيًا: الأمن القومي واستعادة الانضباط،،
على الصعيد الأمني، نجحت الدولة في استعادة السيطرة على المجال الداخلي بعد مرحلة من الاضطرابات، وتم تحجيم النشاط الإرهابي في شمال سيناء تدريجيًا، مع تطوير ملحوظ في قدرات الجيش تسليحًا وتنظيمًا.
كما تبنّت القاهرة نهجًا حذرًا ومتوازنًا في التعامل مع الأزمات الإقليمية، لا سيما في ليبيا والسودان وغزة، متجنّبة الانخراط المباشر في صراعات مفتوحة، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الكبرى.
غير أن هذا التوازن ترافق مع تراجع واضح في الحضور الدبلوماسي المصري التقليدي وتأثيره في صياغة الحلول الإقليمية.
أما ملف الأمن المائي فبقي أحد أخطر التحديات الاستراتيجية، خاصة بعد توقيع إعلان المبادئ بشأن سد النهضة عام 2015، الذي اعتبره قطاع واسع من الرأي العام تنازلًا سياسيًا أكثر منه التزامًا قانونيًا، فيما تراه الحكومة إطارًا للتفاوض المستمر. وحتى الآن، لم يُتوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم يضمن حصة مصر التاريخية من مياه النيل.
كما أثار اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، الذي ترتب عليه نقل تبعية تيران وصنافير، جدلًا قانونيًا واسعًا، إلى جانب اتفاقات أخرى لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، والتي رآها بعض الخبراء تنازلاً عن حقوق محتملة في حقول الغاز.
ورغم تلك الاعتراضات، فقد جرت الموافقة عليها وفق الإجراءات الدستورية وبموافقة البرلمان وإعلانها للرأي العام.
ثالثًا: البعد الديمقراطي والحريات العامة
حافظت الدولة على انتظام الانتخابات واستمرار المؤسسات الدستورية، مع وجود برلمان وأحزاب وهيئات رسمية تعمل داخل الإطار القانوني.
لكنّ الحياة السياسية ظلت محدودة التأثير رغم اكتمال مؤسساتها الشكلية، فيما تراجعت فاعلية الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بسبب القيود التنظيمية والقانونية المفروضة عليها.
أما في المجال الإعلامي، فقد اتجه الخطاب العام إلى قدر من التوحيد والسيطرة المركزية، مما قلّص مساحة التعددية والتنوع.
وتشير تقارير حقوقية محلية ودولية إلى وجود عدد كبير من المحتجزين على خلفيات سياسية، في حين أطلقت الدولة مبادرات مثل الحوار الوطني والعفو الرئاسي للإفراج التدريجي عن بعضهم، في محاولة لإعادة بناء الثقة الداخلية.
وبذلك أصبحت بنية النظام السياسي أقل انفتاحًا وتنافسًا، ما يثير تساؤلات حول مستقبل المشاركة الشعبية وتداول الرأي بحرية ضمن الإطار الدستوري.
رابعًا: الدور الإقليمي والدولي
استعادت مصر موقعها كـ ركيزة للاستقرار الإقليمي في منطقة مضطربة، وسعت إلى بناء شبكة علاقات متوازنة مع دول الخليج والولايات المتحدة وروسيا والصين.
غير أن هذا الحضور لم يتطور إلى نفوذ إقليمي مؤثر كما كان تاريخيًا، إذ انشغلت الدولة بالملفات الداخلية والاقتصادية، مما انعكس على انكماش دورها العربي والأفريقي والثقافي مقارنة بعقود سابقة.
ومع ذلك، ما زالت مصر تمثل عنصر توازن أساسيًا في معادلات الإقليم، وتحتفظ بدور الوسيط المحايد في النزاعات، حتى في قضايا كان يُنتظر منها مواقف أكثر حسمًا وانحيازًا مثل مأساة غزة.
خاتمة: يمكن القول إن العقد الماضي كان عقد تثبيت الدولة واستعادة مؤسساتها بعد اضطراب عميق، لكنه لم يتحول بعد إلى عقد ازدهار اقتصادي أو انفتاح سياسي أو استعادة الدور الإقليمي الفاعل.
نجحت الدولة في الحفاظ على كيانها واستقرارها الأمني، لكن بثمنٍ باهظ على مستوى المعيشة والسيادة الاقتصادية والحريات العامة. والتفريط فى ملفات خطيرة ،
يبقى مستقبل مصر مرهونًا بقدرتها على الانتقال من الاستقرار القسري إلى النهضة المنتجة، ومن إدارة الأزمات بالاقتراض إلى اقتصاد قائم على الإنتاج والتصدير، ومن أمن النظام إلى أمن المواطن والوطن معًا.
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟