كرامة المصريين فى الخليج !!

حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 11:52
المحور: الادب والفن
    

ارتكب الفنان محمد سلام "جريمة لا تُغتفر" — في نظر البعض — حين قرر عدم السفر إلى الرياض للمشاركة في عرض مسرحيته «زواج اصطناعي»، وهي مسرحية كوميدية استعراضية غنائية كان من المقرر تقديمها في موسم الرياض يوم 30 أكتوبر 2023.
فالرجل، بدافع من ضميره الإنساني، أعلن أنه لا يستطيع أن يغني ويرقص ويُضحك الجمهور بينما تُذبح الأرواح في غزة، مؤكّدًا أنه كان يأمل أن يبادر القائمون على المهرجان أنفسهم بإلغاء العرض أو تأجيله تضامنًا مع الضحايا، لكن ذلك لم يحدث. ورأى أن المشاركة في مثل هذا الحدث الفني في ذلك التوقيت هي خذلان للشهداء و"قتل لهم مرة أخرى".

لكن هذا الموقف الشريف لم يُقابل بالاحترام، بل أُشتعلت ضده حملات إلكترونية وإعلامية شرسة، سخر فيها منه البعض، واتهمه آخرون بالمزايدة، بينما سارع فريق ثالث لتبرئة ساحة المملكة، مبررين بأن "الحياة لا تتوقف بسبب حرب هنا أو هناك"، مستشهدين بأن المهرجانات لم تتوقف حتى في ظل معارك الرياض ضد الحوثيين!

أما داخل مصر، فقد تصرف بعض "الزاحفين على بطونهم بحثا عن أموال الخليج" كما لو أنهم أشد قسوة من الصهاينة أنفسهم، ففرضوا حصارًا فنيًا وإعلاميًا على الرجل امتد لعامين كاملين، مُنع خلالهما من المشاركة في أي عمل داخل أو خارج البلاد.
فى تواطؤ محلي مشين تم تنفيذه ضمنيًا إرضاءً لحسابات إقليمية،بما شكّل طعنة في الثقة الوطنية، وأوصل كثيرين إلى الإحساس بالعبث وضياع الهوية والانتماء والشرف.

المفارقة المضحكة أن الفنان محمد سلام سُمح له أخيرًا بالظهور في مهرجان مصري رسمي، بحضور قيادات سياسية نافذة، بعد عامين من الإقصاء المتعمد!
كما استقبل البعض هذا الظهور بآيات من الرضا والشكر لمن سمحوا له بالعودة، والمن عليه بالعفو، دون أن يتساءل أحد: لماذا غُيّب؟ وما الجريمة التي ارتكبها؟ وكيف لدولة بتاريخ مصر وثقلها تسمح بتغييب فنان لمجرد موقف تضامني له مع أشقاء محاصَرين مظلومين؟

إن تغييب محمد سلام خضوعًا لموقف سعودي ضده لا يمثل إهانة لشخصه فحسب، بل عارًا يطال كرامة المصريين جميعًا، وهو يتطابق تمامًا مع ما حدث بالامارات عندما تم سُجن ثلاثة من لاعبي الزمالك هناك العام الماضي، وذلك عقب أحداث عادية وقعت أثناء مباراة محلية أُقيمت بأبو ظبى ، إدعي خلالها تعدي اللاعبين على فرد أمن إماراتي، دون أي تحقيق نزيه أو مراجعة للملابسات، بل وتم القبض على مدير الكرة الذى لم يشارك بالمشادة، لمجرد محاولته البحث عن زملائه!!
الأدهى أن الإماراتيين أنفسهم اعتدوا هذا الشهر على لاعبي قطر في الدوحة وعادوا إلى أبو ظبي آمنين، كما سبق لهم أن اعتدوا أيضا على الفريق القطري في نهائي كأس آسيا بالإمارات قبل أعوام ، ولم يُحاسَب أحد!!
ورغم أن الإمارات سارعت دائمًا لتبرئة مواطنيها، فإن الانبطاح المحلي بلغ مداه عندما خرجت بعض الأصوات المصرية الوقحة تُدين لاعبي الزمالك وتصف الإمارات بأنها "دولة قانون"!
بل إن إدارة النادي نفسها لم تخجل من السفر مجددًا إلى الإمارات عام 2025 للمشاركة في بطولة السوبر، رغم ما تعرّض له لاعبوها، ورغم استبعاد اللاعب دونجا من السفر بسبب الواقعة الملفقة ذاتها، التي تسببت في حملات منظمة ضد دونجا ومصطفى شلبي وعبدالواحد السيد، حتى اضطر الاثنان الأخيران إلى مغادرة النادي، بينما بقي دونجا مؤقتًا لعدم وجود بديل.

وتشير بعض الأنباء إلى أن السبب الحقيقي وراء اضطهاد هؤلاء اللاعبين هو موقفهم المعلن — كالفنان محمد سلام — في التضامن مع غزة ورفض رعاية إحدى الشركات ذات الصلة بالكيان الصهيوني لفريق الزمالك.

إنها في النهاية حلقة واحدة من مسلسل إهدار الكرامة الوطنية في الخليج، يتبدّل فيه الضحايا بين فنان شريف ولاعب كرة أو حتى عامل بسيط، لكن تبقى الحقيقة المؤلمة واحدة:
أن بعضنا صار يرى في الخضوع شطارة، وفي الكرامة ترفًا، وفي الولاء للعروبة جريمة تستوجب العقاب!
#حسن_مدبولى

#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل