أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن مدبولى - دولة التلاوة، وضياع الهوية !؟














المزيد.....

دولة التلاوة، وضياع الهوية !؟


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 17:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تناول أحد الكتاب المصريين في "تايمز أوف إسرائيل" إنتاج برنامج "دولة التلاوة" الديني، معتبرًا إياه خطوة لإقصاء غير المسلمين، مؤكدًا في نفس السياق على فكرة أن الإسلام والعروبة "غزو دخيل" على مصر التي كان أصلها – وفقًا لزعمه – مسيحيًا خالصًا. كما أضاف الكاتب فاصلًا تاريخيًا حول ما وصفه بـ"التطهير العرقي" ضد اليهود بعد ثورة يوليو 1952.

هذا المقال ومعه مقالات وتصريحات هيستيرية محلية متناغمة ، لم يكن مجرد نقد موضوعي لبرنامج ديني، بل كان حلقة جديدة في خطاب طائفي متصل، يقوم على مغالطات تاريخية تستهدف تشويه الواقع، وإعادة تشكيل الذاكرة بما يخدم رواية عنصرية مشبوهة، تحت ستار الدفاع عن المواطنة.

ولا عيب في نقد المسابقة التليفزيونية الدينية بحد ذاتها، فهذا حق مشروع، لكن المشكلة في تحويل حدث إعلامي ثقافى، إلى إعلان مزعوم لهوية الدولة و "شهادة وفاة" للمواطنة، وربط ذلك بقراءة انتقائية للتاريخ، تقيس – قياسًا معيبًا – بين نشاط ثقافي طبيعي وبين قيام دولة دينية مزعومة.

المؤسف أن المقال إستند على تصور طائفي ثابت للهوية المصرية، يعتبر كل ما جاء بعد المسيحية "غزوًا" أو "قشرة دخيلة".
بينما الحقيقة التاريخية تؤكد أن المجتمع القبطي في القرن السابع لم يكن الوريث الطبيعي المباشر للحضارة المصرية القديمة كما يوحي الكاتب. فالثقافة واللغة المصرية القديمة كانتا قد تعرضتا للإقصاء والتهميش قسرًا تحت حكم النخبة الحاكمة المدعومة من الاحتلال الروماني، وذلك بحجة القضاء على "الوثنية". كما أن التواجد المسيحي في تلك الفترة – كنظام حكم مرتبط بالسلطة البيزنطية – لم يتحول إلى "بديل حضاري" شامل للمصريين، بقدر ما كان أداة لخدمة مصالح المحتل ونهب ثروات البلاد.
لذلك، وجد المصريون أنفسهم أمام واقع جديد: حاضر تابع لثقافة استعمارية مفروضة، أضعف اقتصادهم ونهب خيراتهم، دون أن يقدم لهم بديلًا حضاريًا حقيقيًا يحاكي عظمة إرثهم السابق الذى إندثر بعد تدميره عمدا،

كما وصف المقال الفتح الإسلامي بأنه "غزو احتلالي" وهو زعم لا يفيد النقاش الحالي بشأن الهوية المعاصرة. فالنقاش ليس في التوصيف القانوني لأحداث القرن السابع، بل في قراءة مرحلة أعادت تشكيل مصر كقائد للشرق، وساهم فى قهر اعدائهما،
وإذا كان من حق أي كاتب أن يتبنى رؤية تاريخية بعينها ، لكن ليس من حقه أن يبني عليها استنتاجًا يفيد بأن ملايين المصريين المسلمين اليوم هم "هوية طارئة" أو "امتداد لغزاة"، ثم يقدم ذلك على أنه دفاع عن المواطنة. فالمواطنة لا تُبنى على تقسيم الناس إلى "أصيل" و"دخيل"، ولا على تحويل التاريخ إلى ساحة تصفية حسابات، فالهوية المصرية الحديثة تشكّلت عبر طبقات حضارية متراكمة ومتفاعلة: مصر القديمة، ثم التأثيرات الهلينستية والرومانية والمسيحية، وأخيرًا الهوية العربية الإسلامية.

المغالطة الأخرى في المقال هي الخلط المتعمد بين "التمويل الحكومي" لنشاط ديني و"هوية الدولة". فالدولة الحديثة ليست محايدة دينيًا بالمعنى المثالي المجرد. معظم الدول – من فرنسا العلمانية إلى الهند – تموّل أنشطة دينية وثقافية ترتبط بتراث وغالبية شعبها. فإذا كان برنامج "دولة التلاوة" يعني إقصاء الآخرين، فهل نعتبر فرنسا دولة كاثوليكية لأنها تموّل صيانة الكنائس؟
إن مثل هذا القياس لا يصمد أمام المقارنة الموضوعية، ولا أمام الواقع المصري نفسه. وكان يمكن للمقال أن يكون مقنعًا لو انصب نقده على التوظيف السياسي للدين – وهو أمر قائم – لكنه تجاوز ذلك إلى صياغة خطاب هوياتي طائفي.

الأمر الأكثر إشكالية أن المقال يمارس نفس ما يدّعي مقاومته. فهو يعترض على خطاب أحادي يصوغ هوية الدولة دينيًا (لصالح الأغلبية المسلمة)، لكنه في المقابل يقدم خطابًا أحاديًا معاكسًا يصوغ الهوية دينيًا أيضًا (لصالح "السكان الأصليين" المسيحيين)، ويستبدل إقصاء غير المسلمين بإقصاء غير المسيحيين، ثم يقدم ذلك على أنه دفاع عن التعددية والمواطنة! وهذا تناقض واضح.
فالدولة المدنية الحقيقية تضمن حق الجميع في ممارسة نشاطهم الديني والثقافي، دون إلزام الأغلبية بإخفاء هويتها، ودون إشعار الأقلية بالتهديد من مجرد ظهور هوية الأغلبية في المجال العام.

باختصار، فإنه يمكن القول بأن الاتجاه الذي يهاجم برنامج "دولة التلاوة" من منظور طائفي لا يقدم دفاعًا عن المواطنة، بل هو قراءة تكرارية انتقائية ممنهجة للتاريخ، تحاول إعادة صياغته بمنطق عنصري قائم على ثنائية "أصحاب الأرض" و"الغزاة" والنظر الى المسلمين – الذين عاشوا وحكموا وأسهموا في بناء مصر لأربعة عشر قرنًا – كغرباء لاحق لهم فى دعم ثقافتهم ،



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الديانات الإبراهيمية ،،،
- المقاومة والزمالك ،،
- إزدواجية معايير الدعم الإنسانى !!
- المدارس متعددة، والمعزوفة واحدة!!
- إنتخبوا الرجل الشيك !؟
- الإستنارة الإنتقائية !!
- التحول الذى يثير الحزن !؟
- التصنيف وفقا للرغبة أو الطلب،،
- إنتهاك براءة الطفولة( مأساة جان جينيه)
- كيف نجت بعض الملفات من المحاسبة عقب ثورة 25 يناير 2011
- شر البلية !!
- بوصلة الأهلى والزمالك !!
- تصريحات إستهلاكية !!
- الدعم المؤلم المرير،،
- للقذارة لون واحد !
- تصويت الجزائر !!
- خطاب إدانة ،،،
- الأهلى ومستقبل وطن، المسرحية واحدة
- رمز تنويرى مصرى
- ممدانى بين الفخر، والتقريع !!


المزيد.....




- تقرير فلسطيني: عدد مقتحمي المسجد الأقصى في نوفمبر يتجاوز 410 ...
- قائد الثورة الإسلامية: المرأة ليست ربة بيت بل مديرته ورئيسته ...
- رغم الدمار.. الجامعة الإسلامية بغزة تستأنف التعليم حضوريا
- وثيقة إسرائيلية: نتنياهو يدعم بناء البؤر الاستيطانية التي يد ...
- مكتب نتنياهو: الرفات المسلمة من -حماس- لا تعود لأي من المحتج ...
- ما بعد حظر الإخوان: تحديات -حماس- في مواجهة شيطنة الإسلام وإ ...
- إيران والإخوان.. تحالف الضرورة يفرض نفسه على أجندة الطرفين
- الاحتلال يوزع منشورات تهديدية في بلدة الزاوية غرب سلفيت
- القناة الإخبارية السورية: عصابات الهجري تقتل رجل دين ثان بال ...
- بابا الفاتيكان: الكنيسة تقترح على حزب الله ترك السلاح


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن مدبولى - دولة التلاوة، وضياع الهوية !؟