حجي قادو
كاتب وباحث
(Haji Qado)
الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 00:23
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
أدلى المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، بتصريح لقناة العربية مفاده أن البيان الصادر عن الجهات الكردية بشأن منع الفعاليات في مناطق شمال وشرق سوريا هو “فاشل”، مؤكدًا أن ما جرى في سوريا مناسبة وطنية تخصّ جميع السوريين، بمختلف محافظاتهم ومكوّناتهم، ومشددًا على أن وزارة الداخلية تعتمد نهجًا واحدًا تجاه جميع المناطق. كما طرح تساؤلًا مباشرًا: «بأيّ حق يُمنع السوريون من الاحتفال؟».
وجاء هذا التصريح عقب تعميم صادر عن الهيئة المعنية بالشؤون الداخلية في شمال وشرق سوريا، يقضي بمنع إقامة أي تجمعات أو فعاليات جماهيرية أو اجتماعية في مناطق سيطرتها يومي 7 و8 كانون الأول، بالتزامن مع مرور عام على سقوط بشار الأسد.
والردّ على هذا الطرح لا ينطلق من موقع الخصومة، بل من موقع التجربة والذاكرة. فسقوط النظام الاستبدادي لم يكن حدثًا عابرًا بالنسبة للكثير من السوريين، ولا سيما الكورد، الذين دفعوا ثمنًا باهظًا عبر عقود من الإقصاء والتهميش والمنع من الحقوق الأساسية. لقد تعرّض الكورد لسياسات ممنهجة شملت الحرمان من الجنسية، والتغيير الديمغرافي القسري، وتعريب أسماء القرى والمدن، إضافة إلى حظر اللغة الأم وملاحقة كل أشكال التعبير الثقافي.
ومن الطبيعي أن يكون هذا التحوّل محلّ اهتمام وفرح لكل من ذاق مرارة الظلم، لكن الإشكالية تكمن في أن ما حدث لم يكن في نظر كثيرين “سقوطًا للنظام” بقدر ما كان تغييرًا في الوجوه، بينما بقيت البنية العميقة للمنظومة قائمة بذات الذهنية الإقصائية والمركزية والشمولية بالإضافة إلى التطرف الديني والمذهبي.
فبعد الإطاحة برأس النظام، لم يشعر المواطن الكردي بتحوّلٍ جوهري في موقعه داخل الدولة السورية، بل على العكس، تصاعدت لغة الإنكار لوجوده، وتزايدت الخطابات العدائية، وتكررت التهديدات اليومية التي تستهدف وجوده وهويته، دون أن يُمنح أي ضمان دستوري حقيقي لحقوقه الثقافية والسياسية.
من هنا، يصبح منع الاحتفالات في بعض المناطق موقفًا سياسيًا مفهومًا، وليس إجراءً عشوائيًا. فهو لا يعبّر عن رفضٍ لفكرة تحرر السوريين من الاستبداد، بل يعبّر عن تحفظٍ عميق تجاه الاحتفال بحدث لم يُترجم عمليًا إلى تغيير جذري في بنية الدولة، ولا إلى عدالة حقيقية للمكوّنات التي عانت طويلًا.
إن الاحتفال لا يُفرض بقرار، ولا يُقاس بالشعارات، بل يُقاس بمدى شعور الناس بالأمان، والعدالة، والكرامة. وعندما يشعر جزء من الشعب بأن ذاكرته مُهمّشة، وحقوقه مؤجلة، ووجوده موضع شك، يصبح من الطبيعي أن يتعامل مع “الذكرى” بحذر، لا بالاحتفاء.
وخلاصة القول: لم يكن امتناع بعض المناطق عن الاحتفال تعبيرًا عن العداء لسوريا أو لشعبها، بل كان تعبيرًا عن موقف سياسي واضح: لسنا ضد حرية السوريين، لكننا نرفض أن نحتفل بسقوط شخصٍ، بينما ما زالت العقلية التي قمعتنا حاضرة بأشكال مختلفة.
فالعدالة لا تتجزأ، والكرامة لا تُمنح بمجرد تغيير الوجوه، بل بتغيير المنظومات.
#حجي_قادو (هاشتاغ)
Haji_Qado#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟