حجي قادو
كاتب وباحث
(Haji Qado)
الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 16:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مشهد يثير الدهشة والاستغراب معًا، ظهر اليوم لقاءٌ جمع بين الشيخ عبدالله المحيسني، أحد أبرز رموز التطرف الإسلامي، وبين الشيخ مانع حميد الدهام، رئيس عشيرة الشمر العريقة، إلى جانب المثقف والعلماني الكوردي الدكتور فريد سعدون. مشهدٌ لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، ولا يمكن تفسيره بوصفه لقاءً اجتماعيًا عابرًا أو حوارًا عاديًا.
فكيف يمكن لجلادٍ أن يجلس في ودٍّ إلى جانب ضحيته؟ وكيف يمكن لخطاب علماني نقدي أن يتقاطع مع فكرٍ متشدّدٍ سفك الدماء باسم الدين؟
لا ينسى أبناء الجزيرة عربًا وكردًا من هو عبدالله المحيسني. الرجل الذي كان يُحرّض على قتلهم بوصفهم “كفارًا ومرتدّين”، ويشرّع الذبح تحت فتوى “الطاعة لله” و“محاربة أعداء الله”. الرجل ذاته الذي شارك في التحريض على اجتياح مناطق الجزيرة وارتُكبت في ظل دعايته مذابح بحق الأبرياء. مئات الشهداء من أبناء الشمر والكرد وغيرهم سقطوا نتيجة الإرهاب الذي كان المحيسني أحد منظّريه ووجوهه الأكثر حضورًا وتأثيرًا. فيديوهاته وصوته وخطاب الكراهية الذي كان يروّج له ما تزال شاهدةً في ذاكرة الناس.
ومع ذلك… نجلس اليوم أمام صورةٍ مغايرة تمامًا: ابتساماتٌ متبادلة، مصافحةٌ ودودة، ونبرةُ تقارب غريبة تجمع بين شيخ عشيرة، ومثقف علماني، ورمز إرهابي ماضيه ملطخ بدماء أبناء المنطقة.
هنا يبرز السؤال الذي لا يمكن تجاهله: كيف يمكن العودة إلى روج آفا وشمال وشرق سوريا سياسيًا واجتماعيًا من موقع يجالس القاتل ويتودد إليه؟
كيف سيتحمّل الشيخ مانع والدكتور فريد سعدون نظرات أمهات الشهداء وآباء المفقودين الذين فقدوا أبناءهم على يد التنظيمات الإرهابية التي كان المحيسني أحد محرّضيها؟
كيف يمكن تبرير الجلوس مع من كان يصف أبناء الجزيرة بأنهم “أعداء الله”، بينما كان مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية يدافعون عن الأرض والعِرض ويحمون القبائل والمكوّنات من داعش ومن فتاوى المحيسني نفسه؟
إن من حق الناس أن تسأل، ومن واجب الشخصيات العامة أن تُجيب.
فالسياسة ليست تبريرًا للذاكرة، والمصالحة لا تُبنى على إنكار الدماء، والعودة إلى المجتمع لا تمرّ فوق جراحٍ لم تلتئم بعد.
اللقاء الذي حصل مهما كانت مبرراته ليس عابرًا.
إنه حدث سياسي واجتماعي بامتياز، يحمل رسالة خطيرة مفادها أن دماء الأبرياء يمكن تجاوزها بمجرد مصافحة وصورة.
لكن الذاكرة الجمعية لأبناء الجزيرة أقوى من أن تُمحى، والوجع أعمق من أن يُقال له “انتهى الأمر”.
#حجي_قادو (هاشتاغ)
Haji_Qado#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟