حجي قادو
كاتب وباحث
(Haji Qado)
الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 09:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تبدو سوريا اليوم وكأنها دولة تُدار بالفتاوى قبل أن تُدار بالقانون أو المؤسسات. دولة تُحلَّل فيها العلاقات الاجتماعية وتُحرَّم أخرى، ويجري تفسير الواقع السياسي اعتمادًا على روايات دينية أو أحاديث نبوية أو حتى الاستشهاد بآيات قرآنية، بدلًا من الاعتماد على الدستور والعقل ومنطق الدولة الحديثة.
تحوّلت سوريا، في ظل هذا النهج، إلى كيان يقوم على مرجعية دينية واحدة دون قبول حقيقي بالتعدد. فالدولة التي كان يُفترض أن تتسع للجميع، باتت تقوم على تصور واحد هو "الإسلام السني الحنفي" بوصفه المرجعية العليا للسلطة والمجتمع، حتى أصبح الانتماء الديني شرطًا غير معلَن للمواطنة.
تُقصى باقي الطوائف أو يُطلب منها ذوبان كامل داخل الهوية الدينية التي تريدها السلطة ورجال الدين، وكأن الوجود في سوريا مرهون باعتناق مذهبٍ محدد فقط.
ومع مرور الزمن، تحولت البلاد إلى ما يشبه لعبة "مكعبات" سياسية ودينية، تُرتّب وفق أهواء أصحاب النفوذ الديني، لا وفق المصلحة الوطنية. تُفكّك البنية الاجتماعية ثم يُعاد تركيبها بالطريقة التي تخدم استمرار النفوذ:
يحصل رجال دين على امتيازات، ويُصنع غطاء ديني للقرارات السياسية، ثم يتحول الانتماء المذهبي إلى معيار لتحديد من هو "السوري الحقيقي" ومن هو "الآخر".
النتيجة كانت شعارًا خطيرًا يتردّد في الخفاء وأحيانًا في العلن:
"سوريا لأهل السنة".
أما بقية المكوّنات الدينية والمذهبية فعليها إما أن تتسنّن أو تقبل بدور "الضيف" في وطنها، رغم أن سوريا كانت، تاريخيًا، فسيفساء من الشعوب والثقافات المتنوعة.
وهنا تكمن المفارقة المقلقة: يتكرر في سوريا منطق "الأرض لنا وحدنا" ولكن بنسخة دينية مغايرة. وإذا كان بعض المتشددين اليهود يرفعون شعار "أرض الميعاد" و"الشعب المختار" في سياق من النيل إلى الفرات، فإن بعض المتشددين الإسلاميين في سوريا يرفعون شعارًا مشابهًا بصبغة مذهبية، وكأن الوطن ملك لطائفة واحدة دون غيرها.
إن الدولة التي تُبنى على فتاوى رجال الدين بدلًا من القانون، وعلى الإقصاء بدلًا من المواطنة، لا يمكن أن تنتج سوى مزيد من العنف والانقسام.
فسوريا لن تُشفى إلا إذا تحررت من احتكار الحقيقة الدينية، ومن تحويل الدين إلى أداة سلطة، ومن اختزال الهوية السورية في مذهب واحد.
سوريا وطن لجميع أبنائها، أو لن تكون وطنًا لأحد.
#حجي_قادو (هاشتاغ)
Haji_Qado#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟