حجي قادو
كاتب وباحث
(Haji Qado)
الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 14:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا تُبنى الدول بعقليةٍ جامدةٍ متآكلةٍ تشبه شريط كاسيتٍ قديمٍ استُهلك حتى تمزّق، فتشوّهت أصواته وتداخلت نغمه، فلم يعد يُفهم من أغنيته لا اللحن ولا الكلمة ولا المعنى. كذلك هي الدولة السورية اليوم: أصواتٌ متنافرة، ووجوهٌ متناقضة، وسلطةٌ فقدت مضمونها فغدت مجرد ضجيجٍ بلا قيمة.
الدولة التي تُدار بالزَعبرة والهوبرة، وبإعلامٍ تحريضيٍّ فاشلٍ يجمّل القبح ويغطي على الخراب، لا يمكن أن تكون دولة مؤسسات. ففي سوريا لا قضاء نزيه، ولا أمن حقيقي، ولا اقتصاد منتج، ولا انتقال سلميًّا للسلطة، ولا ديمقراطية فعلية. جميع المكوّنات مهمّشة ومُبعدة عن دائرة القرار، والسلطة محتكرة بيد فئةٍ ضيقةٍ تدير البلاد بعقلية ما قبل الدولة.
الدولة التي تهيمن عليها الميليشيات المتطرفة والإرهابية ليست دولة، بل واجهة إعلامية خاوية، قشرة بلا لب، تُدار فقط عبر البروتوكولات الفارغة: استقبال وفد هنا، وتوديع وفد هناك، ولقاءات وتصريحات لا تُترجم إلى أي خطوةٍ حقيقية على الأرض. إنها مسرحية متواصلة يُراد منها إقناع الداخل والخارج بوجود “دولة”، بينما الواقع يصرخ بعكس ذلك.
ما يُسمّى اليوم بـ"الدولة السورية" ليست دولة مواطنة، بل "دولة المشيخة"، وكيانٌ راديكاليٌّ غارق في الأدلجة والفتاوى أكثر مما هو قائم على القانون والمؤسسات. لا تميّز هذه السلطة بين الحق والباطل، ولا بين القانون والهوى، ولا بين المصلحة الوطنية ومصالح الأوصياء الإقليميين.
أما الحديث عن “التحرير” فهو محض ادعاءٍ زائف. لم يُحرّر أحدٌ الشعب السوري سوى صموده وإصراره ومقاومته للمأساة والظلم والتشريد والقتل والسجون. نحن من واجهنا الاستبداد، ومن أضعفنا النظام عبر سنواتٍ من الألم والعناد، وليس أولئك الذين ظهروا على الدراجات النارية إلى دمشق ليقطفوا ثمرة نضالٍ لم يخوضوه.
لقد مهّدت التفاهمات الدولية، وحروب الإقليم الأخيرة، خاصة الصراع الإسرائيلي مع حزب الله وحركة حماس، وقطع أذرع إيران في المنطقة، الطريق أمام أحمد الشرع ومن معه للعودة إلى الواجهة، لا “بطلاً منتصرًا” بل نتيجة فراغٍ سياسيٍّ وعسكريٍّ صنعه الواقع لا البطولات.
وغدًا، كما هو متوقع، ستبدأ الفصائل المنضوية تحت راية “وزارة الدفاع” الشكلية بالاقتتال فيما بينها، في ظل غياب الانضباط، وانعدام القيادة، وافتقاد أي رؤية موحّدة. فهذه الوزارة لا تملك سلطةً حتى على أصغر فصيلٍ منفلت، فما بالك بإدارة دولةٍ منهارةٍ من أساسها؟
ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي ليس إلا محاولاتٍ لتعويم الوهم، بينما الحقيقة على الأرض واضحة: لا وجود لما يمكن تسميته اليوم بـ “الدولة السورية”.
إنه كيانٌ هشّ يعيش على الإعلام والدعاية، فيما الواقع ينهار تحت أقدام من يدّعون حكمه.
#حجي_قادو (هاشتاغ)
Haji_Qado#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟