حجي قادو
كاتب وباحث
(Haji Qado)
الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 09:53
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
لم تكن ما تُسمّى مبادرة السلام مع الكُرد في تركيا سوى محاولة جديدة لتلميع صورة السياسة التركية وتقديمها بوجهٍ إنسانيٍّ مزيّف. فبحسب ما زعم زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشلي، فإن الهدف من هذه المبادرة هو "تخليص تركيا من الإرهاب"، وليس الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكُردي أو إدراجها في الدستور، ولا منح الكُرد أيّ شكلٍ من أشكال الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية.
إن جوهر هذه المبادرة، كما يبدو جليًّا، لا يتعدّى كونه محاولة لتصفية حسابات سياسية مع حزب العمال الكُردستاني (PKK)، والسعي إلى إنهاء دوره من خلال إجباره على إلقاء السلاح وحلّ نفسه، مع الإبقاء على المعتقلين السياسيين الكُرد في السجون، من دون أيّ بادرة حقيقية نحو العدالة أو المصالحة الوطنية.
وأضاف بهتشلي في تصريحاته قائلاً:
"كل من يحمل الجنسية التركية هو تركي، ولا وجود في بلادنا لمواطنين عرب أو كُرد، فجميعنا أتراك نعيش على أرض تركية، وتحت علم تركي، وضمن بند دستوري 66 وجغرافيا تركية واحدة."
يحمل هذا التصريح في طيّاته إنكارًا صريحًا للتنوّع القومي والثقافي في تركيا، ومحاولة متجددة لطمس الهوية الكُردية والعربية وسائر المكوّنات التي تشكّل النسيج الاجتماعي للدولة. والأخطر من ذلك، أنّ بهتشلي ربط بين ما يجري داخل تركيا وما يريده لسوريا حين قال:
"نريد لسوريا أن تكون دولة واحدة موحّدة، لها علم واحد، وجيش واحد، ولغة واحدة، وهوية واحدة، حتى نؤمّن حدودنا القومية من التهديدات القادمة من الجانب السوري."
والمقصود هنا واضح تمامًا، إذ يشير إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بوصفها مصدر التهديد لأمن تركيا القومي، متجاهلًا وجود الفصائل الإرهابية المنتشرة بكثافة على طول الحدود التركي السورية، من جرابلس إلى عفرين وإدلب. إنه تكرارٌ للمبرّرات ذاتها التي دأبت أنقرة على استخدامها لتبرير تدخلها العسكري في الشأن السوري، وشرعنة سياساتها العدوانية تجاه المكوّن الكُردي في سوريا، تحت غطاء اتفاقية أضنة المشؤومة التي وُقّعت مع حافظ الأسد بذريعة ملاحقة "الجماعات الإرهابية"، ثم جرى توسيع مضمونها في عهد أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية المؤقتة، بدلًا من العمل على إلغائها وإنهاء تبعاتها الكارثية.
إنّ على كل كُردي، صغيرًا كان أم كبيرًا، أن يدرك تمام الإدراك أنّ السياسة التركية، منذ العهد العثماني وحتى اليوم، قائمة على الخداع والمراوغة. فلم يعرف التاريخ يومًا أنّ أنقرة التزمت بوعودها تجاه الشعب الكُردي، بل طالما استخدمت خطاب "السلام" والوعود البراقة كأداةٍ لتمرير مشاريع القمع والتوسع، وإسكات المطالب القومية المشروعة.
فلا تصدّقوا الوعود التركية، حتى لو أقسموا عليها بأغلظ الأيمان، فالتاريخ وحده كفيلٌ بفضح زيف تلك الشعارات، وكشف حقيقة سياساتهم القائمة على الإقصاء والإنكار.
#حجي_قادو (هاشتاغ)
Haji_Qado#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟