أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حجي قادو - سوريا بين الخطاب المعلن والواقع الميداني














المزيد.....

سوريا بين الخطاب المعلن والواقع الميداني


حجي قادو
كاتب وباحث

(Haji Qado)


الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 19:11
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


مع تصاعد المشهد العسكري في شرق سوريا، برزت مؤخرًا مشاهد لعروض مسلحة في مدينة دير الزور تحت شعارات تعبّوية "صبراً صبراً بالجزيرة" بمناسبة عام على هروب بشار الاسد، عكست حالة من التناقض الواضح بين الخطاب السياسي المعلن لبعض القيادات في دمشق، وبين الممارسات الفعلية للفصائل المسلحة على الأرض. هذا التباين يثير تساؤلات جدّية حول طبيعة القرار السياسي، ومن يمتلك فعليًا مفاتيح القوة والتأثير في المشهد السوري الراهن.

ففي الوقت الذي تُصدَّر فيه تصريحات تدعو إلى التهدئة وضبط السلاح، تظهر على الأرض ممارسات توحي بعكس ذلك تمامًا، سواء من حيث الخطاب التعبوي، أو طبيعة التحركات العسكرية. ويبدو المشهد وكأن هناك انفصالًا واضحًا بين ما يُقال للإعلام، وما تُنفّذه التشكيلات المسلحة في الواقع، الأمر الذي يعمّق حالة فقدان الثقة، ويُضعف أي أمل حقيقي في استقرار سياسي أو أمني.

إنّ التحديات التي تواجه سوريا اليوم لا تقتصر على الصراعات الداخلية فحسب، بل تشمل أيضًا انتهاكات خارجية واضحة للسيادة السورية في أكثر من منطقة. ورغم حساسية هذا الواقع وتعقيداته، فإنّ الأولوية الوطنية لأي سلطة يفترض أن تكون حماية وحدة البلاد، والدفاع عن أراضيها، وصون كرامة مواطنيها، لا الانخراط في صراعات داخلية تزيد من تمزّق المجتمع.
لقد أثبتت التجارب الحديثة أنّ سقوط الرموز لا يعني بالضرورة سقوط المنظومات. فالتغيير الحقيقي لا يُقاس بإزاحة أشخاص، بل بتبدّل طبيعة الحكم، وآليات اتخاذ القرار، وشكل العلاقة بين السلطة والمجتمع. ومن هنا، فإن استبدال وجه بآخر ضمن البنية نفسها لا يمكن أن يُنتج دولة مختلفة، بل يُعيد إنتاج الأزمة بصيغة جديدة.
منذ جلاء الاستعمار الفرنسي عن سوريا وحتى اليوم، ظلّت العلاقة بين السلطة والمجتمع محكومة بمنطق أمني قمعي في أغلب مراحله، حيث لم يكن المواطن محور السياسات العامة بقدر ما كان موضوعًا للضبط والسيطرة. وقد عانت مكوّنات عديدة من سياسات الإقصاء والتهميش، وفي مقدّمتها المكوّن الكردي، الذي تعرّض في مراحل مختلفة لسياسات الحرمان من الجنسية، ولبرامج تغيير ديمغرافي قسري، ولإنكارٍ ممنهج لحقوقه الثقافية والسياسية.
التنوّع الديني والقومي في أي بلد لا ينبغي أن يكون مصدر تهديد، بل يمكن أن يتحوّل إلى مصدر غنى وقوة. وتُظهر تجارب دول متعددة القوميات والأديان أنّ التعايش السلمي ليس مستحيلًا حين تتوافر إرادة سياسية حقيقية، وإطار دستوري عادل، وثقافة عامة قائمة على الاحترام المتبادل والمواطنة المتساوية.
إنّ المأساة السورية لم تكن يومًا نتاج اختلاف طبيعي بين مكوّنات المجتمع، بل كانت ثمرة سياسات الإقصاء، وهيمنة الخطاب الأحادي، واستخدام الدين والقومية أدواتٍ للصراع بدل أن يكونا فضاءً للتلاقي. وحين تتحوّل الشعارات الدينية إلى غطاء للعنف، يفقد الدين جوهره الأخلاقي، وتتحوّل السياسة إلى ساحة مفتوحة للخراب.
إنّ مستقبل سوريا لا يمكن أن يُبنى على منطق الغلبة، بل على أساس العدالة والمساواة وسيادة القانون. فالدولة التي تُقمع فيها التعدّدية لا يمكن أن تكون مستقرة، والسلطة التي لا ترى في مواطنيها شركاء لن تجد فيهم يومًا حماةً حقيقيين للوطن.
وخلاصة القول: إنّ سوريا اليوم بحاجة إلى مشروع وطني جامع، لا يُقصي أحدًا، ولا يُقدّس العنف، ولا يُبرّر الانتهاكات، بل يؤسس لدولة مواطنة حقيقية، يكون فيها الإنسان هو القيمة العليا، والحق هو المرجعية، والكرامة هي الأساس.



#حجي_قادو (هاشتاغ)       Haji_Qado#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارتباك في الخطاب السياسي… ومصير سوريا رهينة التناقضات
- السلام المؤجَّل وحقوق الكرد… بين الوعود السياسية وواقع الإنك ...
- الاتجاه المعاكس… حين يتحول الإعلام إلى منصّة للفتنة-
- بهجلي وقلق أنقرة المتجدد من تقارب كوردي كوردي
- الكورد تاجٌ على رؤوس من أراد إهانتهم
- التسوية أم الاستسلام؟ القضية الكردية بين المساومات السياسية ...
- بين خطاب التهدئة وواقع الإقصاء… قراءة في رسالة الشرع إلى أبن ...
- رسالة إمرالي… بين الواقع السياسي وكرامة التضحيات
- سوريا بين التفكّك والإنقاذ… لا حلّ دون 2254
- حين تتحول الثورة إلى نقيض شعاراتها… قراءة نقدية في التجربة ا ...
- بيان لجنة إيمرالي… ومفارقات اتفاق 10 آذار في سوريا
- تصريح محمد إسماعيل رئيس المجلس الوطني الكوردي… تساؤلات مفتوح ...
- قبل توجيه الاتهامات… فلننظر في المرآة أولًا
- رسالة عبد الله أوجلان… سلامٌ بلا هوية أم سياسةٌ بلا وضوح؟
- لقاء غير مُفهوم… بين الجلاد والضحية
- اتفاق 10 آذار بين الشرع والجنرال مظلوم… إنقاذ للبلاد أم مجام ...
- من الاحتلال التركي إلى التوغل الإسرائيلي، وتغييب القضية الكر ...
- ظهور مظلوم عبدي في ملتقى ميبس في دهوك… رسالة سياسية تتجاوز ح ...
- تبرئة المجرمين بالذكاء الاصطناعي في سوريا ،وتمهيد الطريق للف ...
- محاكمة على الورق… وإفلاتٌ من العقاب: مسرحية “التحقيق” في جرا ...


المزيد.....




- مقتل مراهق على يد ضابط يفتح الباب أمام تسوية قياسية في سان د ...
- تحذير ياباني من تسونامي بعد زلزال بقوة 7.6 درجة ريختر
- ماذا تعني -سيطرة- قوات الدعم السريع على منطقة هجليج النفطية؟ ...
- إيلون ماسك يشبّه الاتحاد الأوروبي بـ-ألمانيا النازية-.. وبرو ...
- -مراكز عودة- وعقوبات صارمة.. دول الاتحاد الأوروبي توافق على ...
- تجدّد الاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا بعد أقل من شهرين على ا ...
- إيران تحاكم مواطنًا من حَمَلة الجنسية الأوروبية بتهمة -العما ...
- بعد عام على سقوط نظام الأسد.. مصاعب من نوع آخر تلاحق السوريي ...
- اليابان تصدر تحذيرا من تسونامي بعد زلزال قوي بقوة 7,6 درجات ...
- مباشر: الشرع يلقي كلمة في الذكرى الأولى لسقوط بشار الأسد


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حجي قادو - سوريا بين الخطاب المعلن والواقع الميداني