أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - باسل الأعرج… حين تصنعُ الأُمُّ بوصلة المُقاومةِ الأُولى














المزيد.....

باسل الأعرج… حين تصنعُ الأُمُّ بوصلة المُقاومةِ الأُولى


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 14:58
المحور: القضية الفلسطينية
    


في واحدة من أكثر الشهادات كثافةً وامتلاءً بالمعنى، كتب الشهيد باسل الأعرج: «إنّ أمي قد حبّبتني بالنبيّ المقاتل أكثر من النبيّ المسالم، وأورثتني المصاب بالحسين عبر حليبها عن أمّها عن جدتها عن أجدادها…». لم يكن هذا القول مجرد عبارة عاطفية يودّع بها الأعرج نفسه أو جمهوره؛ بل كان مفتاحاً لفهم المسار الذي اختطه لنفسه، ورسالة حول الدور الذي تلعبه الذاكرة الشعبية في صياغة الوعي الفلسطيني.

حين تحدّث باسل الأعرج عن «المصاب بالحسين» كان يشير إلى ما يتجاوز الطقس الديني؛ كان يتحدث عن سردية الظلم والحق، عن تلك اللحظة التاريخية التي تحوّلت إلى رمزٍ يُلهم المظلومين في كل عصر. وفي بيته كما في بيوت كثيرة، لم يكن هذا الإرث مجرّد حكاية تُقصّ، بل كان حالة شعورية تُنقل عبر الأجيال، وتصوغ موقفاً أخلاقياً ثابتاً: رفض الذلّ.

هذه الفكرة تتجسّد في الشعـار الذي ختم به باسل الأعرج عبارته: «هيهات منّا الذلّة». شعارٌ تحوّل من صرخة تاريخية إلى مبدأ ينظّم حياة أجيالٍ من الفلسطينيين، ومن بينهم باسل الذي اختار طريقه عن إدراك لا عن اندفاع.

لم يكن باسل الأعرج مجرّد مثقفٍ يكتب، ولا مجرد ناشطٍ يجادل. كان نموذجاً نادراً لمن يرى أن المعرفة لا تكتمل إلا إذا اقترنت بالفعل. ولذلك أطلق عليه كثيرون لقب «المثقف المشتبك»؛ ذلك الذي يجمع بين القراءة العميقة والبحث التاريخي من جهة، والعمل الميداني من جهة أخرى.

في كتاباته ومحاضراته، كان يفتّش في تاريخ الثورات، ويعيد قراءة التجارب، ويقدّم فهماً نقدياً لمسار الحركة الوطنية الفلسطينية. لكن الأهم أنه لم يفصل يوماً بين الفكر والواقع، ولا بين ما يقوله وما يفعله.

ربما أكثر ما يلفت في كلمات باسل هو ذلك الاعتراف الصريح بدور الأم. فهي ليست مجرد راعية للأسرة أو ناقلة للتقاليد، بل هي صانعة وعي. ففي بيتٍ صغير حيث يتناقل الناس روايات البطولة والمعاناة، تنشأ القيم الأولى: العزة، الكرامة، والرفض. في تلك اللحظة الأولى يتشكّل الجيل الذي يحمل القضية كما يحمل اسمه.

لم تكن والدةُ باسل وحدها من تفعل ذلك؛ إنها صورة لآلافِ النساءِ الفلسطينيات اللواتي حملن الذاكرة في قلوبهن، وورَّثنها لأبنائهن كجزءٍ من هويةٍ لا تندثر.

استشهد باسل الأعرج في آذار 2017، لكن حضوره لم يتلاشَ. ظلّت كلماته تتردّد في الفضاء العام، وظلّت سيرته تُقرأ بوصفها نموذجاً لفهم جديد لدور المثقف في زمن الاحتلال. ولعلّ أكثر ما بقي من إرثه هو تلك القدرة على صياغة المعنى وسط الفوضى: أن يكون الإنسان وفياً لما يراه حقاً، ومتمسكاً بكرامته، مهما بلغت كلفة ذلك.

لم تكن كلمات باسل الأعرج مجرّد وصيّة، بل كانت تلخيصاً لمسار طويل من الوعي المتراكم، ومرآةً لبيتٍ فلسطيني بسيط يصنع رجالاً ونساءً ينتمون إلى قضية أكبر منهم. وبين «النبيّ المقاتل» و«المصاب بالحسين» و«هيهات منا الذلّة»، تتشكّل ثلاثيةٌ تختصر حكاية شعبٍ ما زال يصرّ على الحياة بكرامة، وعلى الحلم مهما اشتدّ ظلام الليل.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من جنين إلى الأمتين العربية والإسلامية… فصلٌ جديدٌ من النذال ...
- ترابُ فلسطين لا يحتضنُ الخونة!
- أُم غازي… آخرُ زهرةٍ من بلد الشّيخ
- رجالٌ يحملون الشمس على أكتافهم… حكايةُ نخوةِ رجالٍ من غزّة!
- حين غابت زهرة البيلسان… واشتدّ الحزن في صدورنا!
- على كتفيّ ذبل الضوء… وودّعت زهرة البيلسان العالم!
- باسل الأعرج: الحاضر الذي لا يغيب!
- كيف فقدنا زهرة البيلسان…؟ تساؤلات على رصيف الغياب!
- غزة تصرخ… والعرب والمسلمون يغرقون في صمت العار!
- القيادة التي لا تمثل أحداً: لماذا حان وقت الثورة على مؤسسات ...
- حين يجمعُنا الدَّهرُ صُدفةً… لِيُفرِّقنا الفراقُ إلى الأَبد!
- غزة… صلاةٌ فوق الركام وحياةٌ لا تنطفئ!
- انهيارات في جيش الاحتلال بعد 7 أكتوبر: سقوط الأسطورة أمام ال ...
- سماح إدريس… ذاكرة لقاء، ومرارة الغياب
- وفاء بهاني: ابنة الشهيد التي حوّلت الإعلام إلى معركة فلسطين
- صرخة لم تُدفن: ماذا يعني أن تكون نزار بنات؟
- حوار الطرشان في فلسطين… وغزة وحدها تقول الحقيقة!
- جورج حبش… سيرةُ قائدٍ عصاميٍّ في زمنٍ يزدحمُ بالمُرتزقةِ!
- فلسطين.. حين يعلو الشعب على الرايات!
- ياسر عرفات... القائد الذي خانته البنادق التي صنعها!


المزيد.....




- -بطلب من أمريكا-.. رئيس وزراء قطر يكشف بداية علاقة الدوحة بح ...
- هيغسيث يدافع بشراسة عن ضربات الكاريبي: -سنُغرق كل من يجلب ال ...
- سوريا: ما الذي تحقق بعد عام من سقوط نظام الأسد؟
- شوارع بودابست تغص بالعدائين في سباق -سانتا ران-
- مأساة في غوا الهندية: 25 قتيلاً على الأقل بحريق في ملهى ليلي ...
- ألمانيا وإسرائيل توقعان اتفاق شراء منظومة -آرو 3- الصاروخية ...
- ألمانيا ـ صاروخ -أرو 3- يدخل الخدمة ضمن -درع السماء الأوروبي ...
- هل الجري يوميا صحي فعلا؟ اكتشف أضراره!
- وفد نقابي رفيع المستوى يشارك في ملتقى التوظيف الرابع بكنيسة ...
- ماكرون يلوح بفرض رسوم جمركية على الصين لحماية التجارة الأورو ...


المزيد.....

- قراءة في وثائق وقف الحرب في قطاع غزة / معتصم حمادة
- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - باسل الأعرج… حين تصنعُ الأُمُّ بوصلة المُقاومةِ الأُولى