أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ترابُ فلسطين لا يحتضنُ الخونة!














المزيد.....

ترابُ فلسطين لا يحتضنُ الخونة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 15:07
المحور: القضية الفلسطينية
    


"حين تخون الوطن، لن تجد تراباً يحنّ عليك يوم موتك؛ ستشعر بالبرد حتى وأنت ميت."
غسان كنفاني.
في فلسطين، لا تُقال هذه الجملة عبثاً. ففي أرضٍ أنهكتها الحروبُ والخذلانُ والحصار، يصبح الانتماءُ فعلَ نجاة، وتغدو الخيانةُ حفرةً أعمق من القبر نفسه. فالوطنُ الذي يئنّ منذ أكثر من سبعة عقود لم يَعُد يحتمل خنجراً آخر من أبنائه.

في غزة التي تُصلّي على ركامها كلَّ فجر، تُكتب البطولة بالحبر والدمّ معاً. أطفالها يولدون على أصوات القصف، ويكبرون وهم يَعدّون أسماء الشهداء بدلَ الدروس. ومع ذلك لا تنطفئ فيهم جذوة الحياة، ولا تتوقّف الأمهات عن رفع الدعاء بين الغبار. غير أنّ الخيانة هناك لا تأتي دائماً من عدوٍّ واضح، بل من صمتٍ عربيٍّ رسميّ، ومن قلوبٍ تجمّدت أمام صور البيوت المهدّمة والأجساد الصغيرة المغسولة بالدخان.

أمّا الضفة الغربية، فتعرف مشهداً آخر من الألم. شوارعها تمشي على حذر، وجدرانها تحفظ أسماء الشهداء الذين مرّوا من هناك. تتناثر الحواجز كالألغام في الطرقات، وكلّ يومٍ يحمل اعتقالاً جديداً، أو بيتاً يُهدم، أو أمّاً تفقد قلبها خلف الأسلاك. ومع ذلك يبقى بين أبنائها من يبيع الموقف، ومن يساوم على الكرامة، ومن يرى في الخضوع سياسةً، وفي السكوت حكمةً.

الخيانة هنا ليست فقط فيمن يتعامل مع المحتلّ، بل في كلّ من صمت وهو قادرٌ على الكلام، وفي كلّ من أدار ظهره للدمّ الذي يسيل في الأزقة. الخيانة أن تُساوي بين القاتل والضحية، وأن تُبرّر الظلم تحت راية الواقعية أو السياسة أو الخوف.

وسيأتي اليوم الذي تلفظ فيه الأوطان كلّ الذين خانوها وباعوها وخذلوها وسرقوها ونهبوها؛ ستلفظهم كما تلفظ البحارُ والأنهارُ الجثث. فالوطنُ، مهما طال صبره، لا يغفر لمن طعن ذاكرته أو ساوم على كرامته.

وفلسطين، تلك التي تعلّمت كيف تمشي على الرماد، لم تَعُد تطلب من أحدٍ أن يبكيها، بل فقط أن يصدّقها. كلّ حجرٍ فيها يعرف أصوات أبنائه، وكلّ زيتونةٍ تحفظ أسماء من سقوها بعرقهم ودمهم.
ومن يخون ترابَه، لا يجدُ حتى في القبر مأوى دافئاً؛ فترابُ فلسطين لا يحتضن إلا من أحبّها بصدق.

في ليالي الحصار الطويلة، يتبادل الناس القصص عن المقاومين، عن الأسرى، عن المفقودين الذين ما زالوا في الذاكرة كأنّهم لم يرحلوا. ثمّة بردٌ يسكن القلوب، لكنه يزول عندما يسمع المرءُ صوتَ الأذان يتردّد من مئذنةٍ لم تُقصف بعد، أو يرى طفلاً يرفع العلم بيدٍ صغيرةٍ ترتجف.

لقد أصبحت فلسطين مرآةً للعالم: من أحبّها انكشفت روحه، ومن خانها انكشفت نواياه. في غزة والضفة والقدس، وفي المخيمات والشتات، ما زال هناك من يكتب بدمه سطور البقاء، وما زال هناك من يختار البرد على أن يبيع وطناً لم يُخلق للبيع.

وإن كانت الخيانة تترك صاحبها عارياً حتى في موته، فإن الوفاء لفلسطين يُبقيه حيّاً في ذاكرة الأرض. ففي النهاية، التراب لا يحنّ على من خانه، لكنه يحتضن من أحبّه… حتى بعد أن يصير تراباً مثله.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أُم غازي… آخرُ زهرةٍ من بلد الشّيخ
- رجالٌ يحملون الشمس على أكتافهم… حكايةُ نخوةِ رجالٍ من غزّة!
- حين غابت زهرة البيلسان… واشتدّ الحزن في صدورنا!
- على كتفيّ ذبل الضوء… وودّعت زهرة البيلسان العالم!
- باسل الأعرج: الحاضر الذي لا يغيب!
- كيف فقدنا زهرة البيلسان…؟ تساؤلات على رصيف الغياب!
- غزة تصرخ… والعرب والمسلمون يغرقون في صمت العار!
- القيادة التي لا تمثل أحداً: لماذا حان وقت الثورة على مؤسسات ...
- حين يجمعُنا الدَّهرُ صُدفةً… لِيُفرِّقنا الفراقُ إلى الأَبد!
- غزة… صلاةٌ فوق الركام وحياةٌ لا تنطفئ!
- انهيارات في جيش الاحتلال بعد 7 أكتوبر: سقوط الأسطورة أمام ال ...
- سماح إدريس… ذاكرة لقاء، ومرارة الغياب
- وفاء بهاني: ابنة الشهيد التي حوّلت الإعلام إلى معركة فلسطين
- صرخة لم تُدفن: ماذا يعني أن تكون نزار بنات؟
- حوار الطرشان في فلسطين… وغزة وحدها تقول الحقيقة!
- جورج حبش… سيرةُ قائدٍ عصاميٍّ في زمنٍ يزدحمُ بالمُرتزقةِ!
- فلسطين.. حين يعلو الشعب على الرايات!
- ياسر عرفات... القائد الذي خانته البنادق التي صنعها!
- حينَ يبكِي التُّرابُ: مرثِيّةُ وطنٍ أَثقلتهُ الحُرُوبُ وتخلّ ...
- في غزة... هزيمةٌ مُذلّةٌ للمجتمع الدولي وحقوق الإنسان!


المزيد.....




- فقمة صغيرة تتجول في حانة.. شاهد ما رصدته الكاميرا
- مودي باستقبال بوتين: الهند ليست محايدة وتقف إلى جانب السلام ...
- كيت ميدلتون تتألق بتاج تاريخي في مأدبة رسمية للرئيس الألماني ...
- تفاصيل مقتل ياسر أبو شباب في غزة.. إليكم ما نعلمه عن الحادثة ...
- تبدّل في آراء الإسرائيليين.. استطلاع رأي يظهر توزيع المقاعد ...
- إسرائيل يجنّ جنونُها
- عصفورة يتقدم على نصر الله بفارق ضئيل في رئاسية هندوراس
- إيكونوميست: -كذبة- الأسد لم تتحقق والفترة الانتقالية بسوريا ...
- صحف عالمية: تزايد المخاوف في غزة من تهجير قسري تريده إسرائيل ...
- بريطانيا تنهي مراجعة قضائية لقرار حظرِ حركة -فلسطين أكشن-


المزيد.....

- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ترابُ فلسطين لا يحتضنُ الخونة!