|
|
مجموعة الأقدام تكتب، سردية بين المحطات والذاكرة كمال أبو صقر
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 09:04
المحور:
الادب والفن
تقديم أدب الرحلات من خلال قصص، أمر جدير بالاهتمام والتوقف عنده، خاصة إذا علنا أننا في المنطقة العربية نفتقد إلى هذا النوع من الأدب، فالعنوان بحد ذاته مثير للمتلقي ويجعله يتساءل: "كيف تكتب الأقدام؟ وكيف استطاع القاص تبديل الأيدي بين بالأقدام؟ ألم يكن ممكنا أن يكون العنوان الكتابة بالأقلام؟ القاص يجيب على هذه التساؤلات من خلال المقدمة التي يقول فيها: "فكل طريقة تسلكه الأقدام، تترك على ترابه أثرا يشبه سطرا في كتاب الحياة، بُكتب دون حبر، وتقرأه الروح قبل العين، كنت أظن أن الكتابة تتم بالقلم، حتى أدركت أن الأقدام أيضا تكتب، حين تمشي في الميدان والحقول والطرقات البعيدة، محملة بذاكرة الإنسان" ص9، يمكننا من خلال هذه المقدمة استيعاب عنوان المجموعة، وأيضا معرفة موضوعها ـ أدب الرحلات ـ وأسباب وجودها كجنس أدبي، قصص. الكاتب والقاص بعد قراءة المجموعة سنجد أننا أمام جغرافيا واسعة، فهناك أحداث تجري في جنين، نابلس، روابي، عمان، صويلح، الزرقاء الأمارات العربية، الدول الآسيوية، وأحداثا تجري في المدن والمكاتب، وأخرى تجري في القرى والأرياف وما فيها من سهول وجباب وتلال، ونجد شخصيات متنوعة الجنسيات، تنتمي إلى العديد من القوميات، عرب، هنود، أوروبيون، ونجد أسماء تلك الشخصيات، هذا التنوع يقودنا إلى علاقة القاص بالكاتب الذي نجده حاضرا بوضوح في قصة: "في حضرة القراء" حيث يتحدث عن روايته "فتى الغور": "أنهى روايته "فتى الغور67" وسلمها للمطابع، أحتفل الأصدقاء، وتحدث الناقد" ص30، كما نجده حاضرا في قصة "لعبة القطيع" حيث يتحدث عن مهنته كمحامي: "كان كمال محاميا ومستشارا في دبي" ص55، هذا على صعيد حوره المباشر، لكننا أيضا نجده حاضرا من خلال شخصيات المجموعة، فهناك العديد من القصص متعلقة بالمحامين والقضايا المالية وحتى الجنائية، بمعنى أن القاص لم يهمل دور الكاتب في المجموعة القصصية وجعله فاعلا ومؤثرا فيها. نظرة عامة على القصص إذا ما توقفنا عند موضوع المجموعة سنجدها تناول أكثر من ناحية/ موضوع/ فكرة/ فهناك قصص وطنية متعلقة بالمقاومة كما هو الحال في "محطة جنين" حيث ربط القاص بين ما يجري في جنين وغزة، وتنبأ بطوفان الأقصى: "شعر جهاد أن الأغنية تحولت إلى نبوءة، وأن جنين لم تكن محطة عابرة بل إنذارا مبكرا لما سيأتي، إنذارا إلى غزة المحاصرة منذ عقدين، بأن رياح الموت نفسها تتأهب هناك، ولعل غزة سترد فريبا... بصوت أعلى من أغنية، وأكبر من صاروخ، وتحرك المياه الراكدة في فلسطين ويكون صداه في العالم" ص15، اللافت في هذا المقطع ربط الجغرافيا الفلسطينية وتوحيدها، فالضفة لا يمكن فصلها عن القطاع، فهما يعيشان الاحتلال وبطشه، وكان لا بد من مواجهة هذا البطش من خلال طوفان الأقصى. كما يقدم مأساة ترحال الفلسطيني في قصة "المهاجر الجديد" التي تتحدث عن الهجرة القصرية: "لكني لا أريد لابني أن يكون نازحا أو مهاجرا، أريد أن أفعل كما فعل جدي وشقيقه... أن نهاجر طوعا داخل الوطن لا خوفا من الموت والقصف" ص38، فهنا يبين القاص أحدى مآسي الفلسطيني الذي تجعله متنقلا/ مرتحلا غير مستقر جغرافيا/ مكانيا ولا نفسيا أو اجتماعيا. لم يقتصر الأمر على المقاومة، بل تعداه إلى تحليل طبيعة الفلسطيني الضعيف الذي يواجه ـ رغم ضعفه ـ أقوى دولة وجيش في المنطقة: "أنتم الفلسطينيون تملكون طاقة كامنة... تنبع من ضعفكم، وهذا ما تخشاه إسرائيل ومن يقف وراءها...طاقة تنتظر الانبعاث، كما ينتظر طائر الفينيق لحظة نهوضه من رماد" ص19، هذا ما جاء في قصة "الطاقة الكامنة" التي تتناول الصراع بمنظور الفلسفي (المعكوس)، فالضعف قوة، والقوة ضعف!! كل هذا يجعل المتلقي يتقوف متأملا، متسائلا كيف استطاع الفلسطيني الصمود والبقاء والثبات والاستمرار في الحياة، رغم كل ما تعرض ويعرض له!؟ يقدم القاص مجموعة أسئلة تستحق التوقف عندها لما تحمله أفكار متعلقة بالوجود: "هل نصنع مصائرنا بأيدنا، أم نظل أسرى لما زرعه الآباء فينا؟" ص23، "هل نحن من نصنع ذواتنا، أم أن ذواتنا هي التي تصنعنا وتعيد تشكيلنا، حتى نظل غرباء عن أنفسنا؟" ص86، وأخرى متعلقة بالكتابة ودورها كمخفف للضغط الذي يمر به الكاتب: "هل أكتب لأتنفس؟ أم أختنق كما انتهيت؟" ص30، وهناك سؤال متعلقة بعلاقة الناس بالأرض: "هل يسمع الناس صرخة الأرض قبل أن تلقيهم عنها وتتخلى عنهم... أن يواصلون إعمارها بأيديهم حتى يفوت الأوان؟" ص70، هناك حكمة أدبية تقول: "أن الأدب الجيد هو الذي يطرح الأسئلة" من هنا، أن طريقة تقديم المجموعة، ووجود مثل هذه الأسئلة أمر يستحق التوقف عنده، والبحث فيه، فهناك العديد من المفاهيم بحاجة إلى التوقف عندها لمعرفة طبيعة علاقتنا بها، وهل هي مفيدة أم مضرة، صحيحة أم خاطئة. الرمزية رغم أن القصص واقعية وهذا ما أكده القاص في مقدمة المجموعة، إلا أن هناك رمزية جاءت في قصة "الذاكرة الزرقاء" التي تتحدث عن إلقاء أوراق كتابها بطل القصة في سيل الزرقاء: "وما أن رميت في السيل، حتى أنهمر المطر وبكت السماء على ما في هذه الكتب والدفاتر من معارف وعلوم، وحين انطلق السيل حمل الدفاتر كما يحمل أسرار القرية القديمة" نلاحظ أنسنة الكتب من خلال تقديمها ككائن حي، وما جمالية الصورة إلا تأكيدا للكائن الحي الذي يجرفه السيل ويغيبه من الوجود. ونجد رمزية التجار في قصة "لعبة القطيع": "قال إن قطيعا من الذئاب كان يعيش في القطب الشمالي، حيث الليل طويل والجليد لا يذوب، كانوا سبعة ذئاب يصطادون معا ويتقاسمون الفريسة، لكن حين يشتد الشتاء ويغيب الصيد، يبدأ الجوع القاتل، يجلس القطيع في حلقة، يترقب كل واحد الآخر، يصبر ويصمد، وحين ينهار أضعفهم ويغفوا من التعب، تنقض عليه البقية، فتلتهمه، يشبعون قليلا، ثم يغادرون الدائرة، حتى يتساقط الذئاب واحدا تلو الآخر، فلا يبقى في النهاية إلا اثنان أو ثلاثة ينجون" ص57، هذا حال التجار في الأزمات، فالتجار الضعيف يلتهمه التجار الكبار، حتى لا يبقى إلا التاجر القوي الذي يبتلع الآخرين، وهذا يقودنا إلى تكديس الثروة بيد مجموعة قليلة تهيمن على ثروات البلاد والعباد، وتتحكم في مصائرهم وحياتهم. ونجد رمزية الإيمان المتعلقة بتطير الروح وليس بتطهر الجسد في قصة "التطهير": "غسل وجه وجسده، ترك المطر يطهره بروحه لا بجسده، ثم جمع الماء في كفيه وشرب، هو يتلو: "وسقاهم ربهم شرابا طهورا" أحسن أنه أخيرا نال "التطهير الحق" تطهير النفس من الذنوب، لا من جسد خلقه الله في أحسن تقويم" ص79، فالماء تحول من كونه مطهرا للجسد، إلى مطهر الروح، فجمالية هذا التقديم تكمن (انقلاب) خاصة/ مفهوم الماء الذي يطهر ما هو متطهر (الروح) وتجاوزه للجسد الذي يحتاج إلى التنظيف والتطهير. الحضور الديني اللافت في المجموعة زخم الحضور الديني فيها، فغالبية القصص نجدها تتناول الإيمان، إن كان من خلال الأحداث، أم من خلال وجود آيات من القرآن الكريم، وهذا يرسخ فكرة أهمية الثقافة الدينية ودورها في حياة الفرد والمجتمع، فبها يستطيع مواجهة الصعاب وتجاوز المعيقات، والتقدم إلى الأمام. المجموعة من منشورات الآن ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2025.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشكل والمضمون في رواية -نساء الظل- خالد محمد صافي
-
الفلسطيني القومي في ديوان -رهين النكبات 5- أسامة مصاروة
-
التألق في قصيدة -من ركن بعيد- محمد أبو زريق
-
التألق في قصيدة -من ركن بعيد- محمد أبو زريق
-
غزة والشاعر في ديوان -دم دافئ فوق رمل الطريق- سميح محسن
-
الشكل والمضمون في مجموعة -دوي الصوت فيهم-
-
الإنجليز وفلسطين في رواية -قلادة ياسمين- عامر أنور سلطان
-
إنجازات فخر الدين المعني في كتاب -الدولة الدرزية- بيجيه دوسا
...
-
وقفة مع كتاب -نافذة على الرواية الفلسطينية وأدب الأسرى- للكا
...
-
التجديد في الديوان الجديد أقمار افتراضية في ليل يطول - هاينك
...
-
التمرد والعبث في كتاب -فرناندو بيسوا- كميل أبو حنيش
-
رواية سعادة الأسرة ليو تولستوي، ترجمة مختار الوكيل
-
الإقطاع والاشتراكية في -قصص الدون- ميخائيل شولوخوف، ترجمة عب
...
-
الاجتماعي والسياسي في رواية -أنا يوسف يا أبي- باسم الزعبي
-
الأيديولوجيا في رواية عبر الشريعة بسام أبو غزالة
-
كتاب -غزة ليست فقط قصة حب أخرى- حسن يافا
-
كتاب -النزعة الصوفية والتأملية في شعر منذر يحيى عيسى- عبير خ
...
-
الحواس في -يسافر همسك- وفاء كامل
-
القتامة في -ما الملجأ؟- شيماء عبده
-
ديمقراطية النقد والناقد في كتاب -الأسوار والكلمات- فراس حج م
...
المزيد.....
-
خمسون عاماً على رحيل حنة آرنت: المفكرة التي أرادت إنقاذ التف
...
-
احتفاء وإعجاب مغربي بفيلم -الست- في مهرجان الفيلم الدولي بمر
...
-
عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
-
افتتاح معرض فن الخط العربي بالقاهرة بتعاون مصري تركي
-
عام فني استثنائي.. 5 أفلام عربية هزت المهرجانات العالمية في
...
-
صناع فيلم -الست- يشاركون رد فعل الجمهور بعد عرضه الأول بالمغ
...
-
تونس.. كنيسة -صقلية الصغيرة- تمزج الدين والحنين والهجرة
-
مصطفى محمد غريب: تجليات الحلم في الملامة
-
سكان غزة يسابقون الزمن للحفاظ على تراثهم الثقافي بعد الدمار
...
-
مهرجان الكويت المسرحي يحتفل بيوبيله الفضي
المزيد.....
-
زعموا أن
/ كمال التاغوتي
-
خرائط العراقيين الغريبة
/ ملهم الملائكة
-
مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|