أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة














المزيد.....

العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة


مالك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 19:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في خطوة مفصلية أثارت موجة واسعة من النقاش، نشرت جريدة الوقائع العراقية قرارًا رسميًا يقضي بإدراج حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي ضمن قائمة الكيانات الإرهابية داخل العراق، مع تجميد أموالها ومنع أي تعامل مالي معها، إضافة إلى تحديث اسم أحمد حسين الشرع، الرئيس السوري الحالي (أبو محمد الجولاني سابقًا)، والإبقاء على وضعه ضمن قوائم الإرهاب الدولية. هذا القرار لم يكن متوقعًا في سياق عراقي اعتاد لسنوات طويلة على خطاب رمادي يتأرجح بين الدولة والمحاور، بين ضرورات السيادة ومتطلبات التحالفات الإقليمية.
منذ 2003، ظلّت المواقف العراقية تجاه حزب الله والحوثيين محكومة بازدواجية واضحة: خطاب رسمي حذر، وخطاب فصائلي يعتبرهما جزءًا من “محور المقاومة” ويمنحهما شرعية رمزية داخل البيئة السياسية الشيعية. لكن إصدار قرار رسمي بتصنيفهما تنظيمين إرهابيين يعني أن الدولة العراقية تسحب قدمها—ولو جزئيًا—من معادلة المحاور، وتعيد تموضعها وفق منطق الدولة لا منطق الشعارات.
ورغم الجدل حول القرار، إلا أنه في جوهره قرار صائب من زاوية مصلحة العراق. فالبلاد ليست في موقع يسمح لها بالدخول في مواجهة اقتصادية أو أمنية مع الولايات المتحدة، إذ إن أي صدام مع واشنطن يهدد مباشرة تحويلات الدولار، واستقرار النظام المصرفي، وسعر الصرف، ورواتب ملايين العراقيين. العراق يحتاج اليوم إلى حماية نظامه المالي قبل أي شعار سياسي. كما أن إسرائيل ستقرأ القرار بوصفه تحركًا يخفف من رمزية “وحدة الساحات” التي تربط العراق بمحور المقاومة، وهو ما قد يبعد بغداد عن دائرة الاشتباه الأمني في حسابات تل أبيب. قرار كهذا لا يعني انحيازًا لإسرائيل، بل يعكس محاولة عراقية للابتعاد عن صراعات لا تخصّ الدولة ولا تخدم مصالح الشعب.
الفصائل الولائية وجدت نفسها في مأزق صعب. فهي لا تستطيع مهاجمة القرار علنًا لأنه صادر عن الدولة العراقية، ولا تستطيع تأييده لأنه يصطدم مباشرة بالبنية العقائدية التي تتحرك ضمنها. لذلك ستكتفي بمنطقة رمادية: الحديث عن “ضغوط خارجية” أو “التزامات أممية”، من دون الدخول في مواجهة مفتوحة مع الحكومة. أما إيران، ورغم استيائها غير المعلن، فهي اليوم في وضع إقليمي حساس يجعلها أقل رغبة في فتح جبهة جديدة مع بغداد. طهران تدرك أن خسارة العراق تعني خسارة موقع جيواستراتيجي لا يمكن تعويضه، ولذلك ستتجنب أي صدام مباشر، وستترك للفصائل مساحة التعبير عن غضبها بطريقة محسوبة.
على مستوى الشارع العراقي، يبقى الموقف منقسمًا لكنه غير مشتعل. فالجمهور القريب من الفصائل يرى القرار خضوعًا للإملاءات الأمريكية، بينما يراه التيار المدني بداية صحيحة نحو إخراج العراق من ساحة المحاور. أما الأغلبية المتعبة، فلا تهتم كثيرًا بتصنيف حزب الله أو الحوثيين، بل تهتم بالكهرباء، والرواتب، وتحسين الخدمات. العراقيون تعبوا من كون بلدهم ساحة صراع بين الآخرين، ويريدون دولة تهتم بهم لا جبهات لا علاقة لهم بها.
أما بخصوص أحمد الشرع، فإن تحديث اسمه والإبقاء على تصنيفه إرهابيًا يكشف هشاشة منظومة التصنيفات الدولية. الرجل يجلس اليوم على كرسي الرئاسة في دمشق، لكنه ما يزال يظهر في الوثائق الأممية كشخص مدرج على لائحة الإرهاب. هذه المفارقة ليست تخص العراق وحده، بل تكشف أن النظام الدولي نفسه يتصرف بمنطق سياسي أكثر منه قانوني.
ومن الطبيعي أن يرتبط هذا المشهد كله بمستقبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ومسألة ترشيحه لولاية ثانية. القوى السياسية العراقية تتعامل مع الملف بمنطق المصالح لا المبادئ. الإطار التنسيقي يدعم السوداني، لكنه يريد دعمه بشروط تضمن استمرار نفوذه داخل الوزارات، وحماية مصالحه الاقتصادية، وتجنب أي محاولة لبناء دولة مركزية قوية قد تحد من نفوذه. السنة والكرد من جهتهم لا يعارضون الولاية الثانية، لكنهم يطالبون بمكاسب ملموسة: اتفاقيات نفطية واضحة، ميزانيات مستقرة، وحصص وزارية محسوبة. أما القوى المدنية والاحتجاجية، فهي ترى أن السوداني جاء من داخل منظومة لا تملك القدرة على إصلاح نفسها، وأن التجديد له يعني إعادة تدوير نفس المعادلة.
وبين هذا وذاك، يبقى السؤال الأكبر: هل ما يجري هو بداية تشكّل “عراق الدولة”، أم مجرد انتقال هادئ من محور إلى آخر؟ هل سيستطيع العراق أن يتعامل مع العالم وفق منطق المصلحة الوطنية، أم سيبقى أسير صراع المحاور؟ وهل سيكون السوداني في ولايته الثانية—إن حدثت—رجل دولة يحاول فرض مسار سيادي، أم مجرد رئيس وزراء يدير توازنات معقدة بين واشنطن وطهران والفصائل؟
القرار الأخير قد يكون خطوة أولى في طريق طويل نحو استعادة منطق الدولة، وقد يكون مجرد لحظة عابرة مرتبطة بضغوط دولية مؤقتة. لكن المؤكد أن العراق يقترب من لحظة سيُسأل فيها الجميع: هل يريدون دولة ذات قرار مستقل؟ أم يريدون عراقًا يدور في فلك الآخرين، يغيّر اصطفافاته كلما تغيّر اتجاه الريح؟
العراق اليوم أمام فرصة نادرة، لكن استثمارها يحتاج إلى إرادة سياسية لا تتوفر دائمًا، وشجاعة في مواجهة نفوذ الفصائل، وقدرة على اختيار المصلحة العراقية فوق أي محور. وفي النهاية، القرار الأخير ليس مجرد تصنيف قانوني، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة العراق على أن يكون دولة… لا ساحة.



#مالك_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كاظم الحائري، نظرية الكفاح المسلح، والانتظار المهدوي – قراءة ...
- لا يهم أن كنت فقيرًا في الدنيا… كيف تُستخدم اللغة الدينية لإ ...
- الحرب على الفرح في العراق: حين يتحوّل التحريم إلى مشروع سلطة
- «المسلم في أوروبا: قراءة في التوترات العميقة للاندماج»
- خطاب أحمد البشير: كيف تتحوّل السخرية إلى أداة لقراءة الواقع ...
- ظاهرة احمد البشير: كيف تحوّل الإعلام الساخر إلى قوة نقدية في ...
- الإعلام العراقي بعد 2003: كيف تغيّر المجال العام؟
- العراق 2025: تحليل نقدي لثبات المنظومة الحاكمة وحدود التغيير ...
- الجولاني في البيت الأبيض... نهاية زمن الشيطان وبداية زمن الت ...
- البرامج الحوارية السياسية في العراق: أزمة الخطاب الإعلامي وت ...
- حين تُصبح الجنة برنامجًا انتخابيًا: قراءة في تسييس المقدّس ب ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين تديين السياسة وحدود الوعي المد ...
- الانتخابات العراقية 2025: بين فقر الوعي وثراء الشعارات
- ثورة تشرين 2019: خمسة ملايين دينار ثمن الشهيد
- مارك سافيا في بغداد: مبعوث ترامب وملفات النفوذ الإيراني
- اتفاق إسرائيل وحماس: بين واقعية السياسة وحدود العدالة
- ترامب وجائزة نوبل للسلام: وهم الزعامة وتناقض الخطاب السياسي
- سبايكر والانتخابات: حين يهين المالكي اما عراقية ويطلب من الش ...
- بين العشيرة والدولة: أزمة الهوية الوطنية في العراق المعاصر


المزيد.....




- حياة الفهد تتعرض لـ-أزمة صحية حادة- بينما تواصل العلاج بلندن ...
- قائد سابق في سلاح الجو الإسرائيلي يحذّر: -إما غزو إيران أو ا ...
- خمسون عاماً على رحيل حنة آرنت: المفكرة التي أرادت إنقاذ التف ...
- العراق يصحح قائمة تجميد أموال بعد إدراج حزب الله اللبناني وا ...
- مقتل ياسر أبو شباب المتعاون مع الجيش الإسرائيلي بغزة
- النشطاء وأصحاب الرأي في الناصرية يواجهون خطراً متصاعداً
- كاتب أميركي: الولايات الحمراء تنقلب على نظام ترامب للترحيل ا ...
- اتهامات إثيوبية لمصر تثير جدلا واسعا على المنصات
- -من -إكس- إلى -غروك-.. كيف يغير -كولوسس- قواعد اللعبة؟
- الرئيس الرواندي: الاتفاق مع الكونغو الديمقراطية أنهى الصراع ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مالك الجبوري - العراق بين الدولة والمحاور: خطوة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة