أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - أُم غازي… آخرُ زهرةٍ من بلد الشّيخ














المزيد.....

أُم غازي… آخرُ زهرةٍ من بلد الشّيخ


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 13:01
المحور: القضية الفلسطينية
    


في ذلك الركن الضيّق من ذاكرة مخيّم شاتيلا، حيث تختلط رائحة التراب بملح البكاء القديم، تقف ذيبة صالح حسين الطيطي (أم غازي)، امرأة خرجت من جرح فلسطين، ومشت على شوك المنافي، وظلّت تحمل مفاتيح العودة في قلبها حتى آخر نبضة.

وُلدت أم غازي في بلد الشيخ – قضاء حيفا عام 1935. كانت طفلة لا تعرف أن رائحة الزهور التي تجمعها من الحقول المجاورة ستتحوّل يوماً إلى رماد المنافي. كانت تهرب مع رفيقات طفولتها نحو المساحات المفتوحة، تركض بين السنابل والغيم، تجمع باقات صغيرة وتخبّئها في حضنها، كأنها تخبّئ فلسطين نفسها. ظلّت تلك الباقة في يديها حتى آخر العمر، لا يراها أحد، لكنها كانت تضيء روحها كلما تحدّثت عنها.

ثم جاء الزمن الأسود: زمن النكبة، فالشتات… وصولاً إلى المجزرة التي لا تُمحى من الذاكرة: مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982. يومها خسرت(أم غازي) كل شيء تقريباً:

زوجها يونس ماضي يونس،
وأولادها ماضي، محمد، أحمد،
كما خسرت حسين علي العلي، زوج ابنتها وحيدة.

لم يبقَ لها سوى قلبٍ لا ينكسر ودمعة لا تجف.

بعد حرب المخيمات عام 1988، كانت (أم غازي) تسكن قرب منزلي في شاتيلا. وكانت تزورني يومياً لتطمئن عليّ. وإذا لم تجدني قد عدت من المدرسة، كانت تنتظرني في دكان يوسف مجذوب (أبو جمال)، تجلس بصمتٍ متعب، تتأمّل الطريق، وتتنهد بنبرة أثقلها الغياب. وما إن تراني حتى يلين وجهها، فتعود إلى بيتها بخطوات مطمئنّة، كأنها أمّ تضع حجراً من القلق عن قلبها.

كانت (أم غازي) جبلاً لا ينهار، وهي صبر أيوب وقد صار امرأة تمشي في أزقة مخيم شاتيلا، وهي أمّ الشهداء التي حملت أوجاعها وحدها، دون أن تنحني.

كلما جلست معي، كانت تعود إلى حكايات الطفولة:
إلى بلد الشيخ-قضاء حيفا…
إلى الينابيع…
إلى الزهور التي كانت تقطفها وتخبّئها لأمّها…
إلى ضحكةٍ لم ينجُ منها سوى الصدى.

كانت تحنّ إلى فلسطين كمن يحنّ إلى أمّ ما زالت تنتظر خلف الباب.
وكان حلم العودة يزور عينيها كل ليلة، فتبتسم بحياء، ثم تعود إلى صمتها الطويل.

لكنّ العودة لم تأتِ.
ورحلت (أم غازي) عام 1998 في مخيم شاتيلا، وقد ظلّ حلمها معلّقاً في السماء، كطائرٍ ورديّ لم يجد طريقه إليها.

في يومها الأخير، شيّعناها إلى مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية عند مستديرة شاتيلا.
كانت السماء رمادية، كأنها تشارك المخيّم حزنه.
ومضينا خلف نعشها إلى مثواها الأخير، كأننا نودّع أمّاً ثانية، أمّاً حملت فلسطين في قلبها، وحملت المخيّم على كتفيها، وظلت واقفة رغم السقوط الكبير.

رحلت أم غازي…
لكن ظلّها ما زال يسير في أزقة المخيّم،
وصوتها ما زال يرتجف في الحنين،
وتلك الزهور التي كانت تجمعها طفلةً في بلد الشيخ
لا تزال تتفتّح في ذاكرتنا
كلما ذكرناها.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجالٌ يحملون الشمس على أكتافهم… حكايةُ نخوةِ رجالٍ من غزّة!
- حين غابت زهرة البيلسان… واشتدّ الحزن في صدورنا!
- على كتفيّ ذبل الضوء… وودّعت زهرة البيلسان العالم!
- باسل الأعرج: الحاضر الذي لا يغيب!
- كيف فقدنا زهرة البيلسان…؟ تساؤلات على رصيف الغياب!
- غزة تصرخ… والعرب والمسلمون يغرقون في صمت العار!
- القيادة التي لا تمثل أحداً: لماذا حان وقت الثورة على مؤسسات ...
- حين يجمعُنا الدَّهرُ صُدفةً… لِيُفرِّقنا الفراقُ إلى الأَبد!
- غزة… صلاةٌ فوق الركام وحياةٌ لا تنطفئ!
- انهيارات في جيش الاحتلال بعد 7 أكتوبر: سقوط الأسطورة أمام ال ...
- سماح إدريس… ذاكرة لقاء، ومرارة الغياب
- وفاء بهاني: ابنة الشهيد التي حوّلت الإعلام إلى معركة فلسطين
- صرخة لم تُدفن: ماذا يعني أن تكون نزار بنات؟
- حوار الطرشان في فلسطين… وغزة وحدها تقول الحقيقة!
- جورج حبش… سيرةُ قائدٍ عصاميٍّ في زمنٍ يزدحمُ بالمُرتزقةِ!
- فلسطين.. حين يعلو الشعب على الرايات!
- ياسر عرفات... القائد الذي خانته البنادق التي صنعها!
- حينَ يبكِي التُّرابُ: مرثِيّةُ وطنٍ أَثقلتهُ الحُرُوبُ وتخلّ ...
- في غزة... هزيمةٌ مُذلّةٌ للمجتمع الدولي وحقوق الإنسان!
- غزة… وسام الحياة في زمن الخذلان!


المزيد.....




- شاهد ما كشفته صور ومقاطع فيديو نُشرت من جزيرة إبستين
- ماثيو بلازي يحوّل محطة مترو مهجورة في نيويورك إلى منصة لعرض- ...
- شاهد كيف يتحول نزلاء أحد السجون في أفريقيا إلى محامين
- تداول فيديو لـ-استعادة قوات حكومية السيطرة على معسكر في اليم ...
- إسرائيل تؤكد هوية جثمان رهينة تايلاندي .. وقتلى في قصف على غ ...
- كيف سيبدو العالم في ظل احترار بدرجتين مئويتين؟
- ?التصلب المتعدد.. هذه العوامل تؤثر على مسار المرض
- إسرائيل تتخفى في ثوب جديد ودول العالم تخشى المشاركة
- لاجئو سوريا بالأردن بين العودة إلى وطن مدمر أو البقاء في فقر ...
- -تحت التوتة-.. مشروع شبابي داخل أسوار القدس القديمة


المزيد.....

- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - أُم غازي… آخرُ زهرةٍ من بلد الشّيخ