أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس موسى الكعبي - ان لم تستطع ان تسخر من الجنون، فلن تنجو منه














المزيد.....

ان لم تستطع ان تسخر من الجنون، فلن تنجو منه


عباس موسى الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 20:51
المحور: الادب والفن
    


نجا الروائي كورت فونيغوت ذات مرة من قصف مدينة دريسدن الالمانية بالقنابل الحارقة. كان مختبئًا في مسلخ، وقضى بقية حياته محاولًا شرح معنى أن يعيش المرء في جحيم ويبتسم ويضحك في الوقت ذاته. كان عمره 22 عامًا، جنديًا أمريكيًا أسره الألمان خلال الحرب العالمية الثانية.
في شباط 1945، أسقطت طائرات الحلفاء أكثر من 3900 طن من المتفجرات والمواد الحارقة على دريسدن، وهي مدينة ليس فيها هدف عسكري حقيقي، مليئة بالمدنيين وأسرى الحرب. حُبس فونيغوت وحفنة من أسرى الحرب الآخرين في خزانة لحوم تحت الأرض تحمل اسم (المسلخ الخامس) بعد ان تحولت المدينة بفعل عاصفة الحرائق إلى جحيم.
وحينما خرجوا بعد أيام، كانت المدينة قد اختفت. يقول: "اختفى كل شيء إلا النار ورائحة الجثث. كنا الوحيدين المتبقين لدفن الموتى". كان شابًا، مصدومًا، وفاقدًا للإحساس - ومع ذلك، أصبح هذا الرعب أساسًا لواحدة من أغرب وأطرف وأكثر الروايات تدميرًا على الإطلاق. رواية "المسلخ الخامس" الخفية ليست مجرد حكاية نجاة، بل كيف رفض أن تحوّله المأساة إلى شخص قاسٍ. عاد إلى منزله، وعمل في عدة وظائف، ساعيا إلى فهم عالم يفتقر إلى النظام الأخلاقي.
عندما نُشرت رواية "المسلخ الخامس" عام 1969، أي بعد حوالي 25 عامًا من القصف، كانت رواية صادمة لكل من قرئها. جزءًا منها كان مذكرات حرب، وآخر هجاءً عن السفر عبر الزمن، ومن ثم صرخة ألم وحزن دفين. أصبحت العبارة التي ترددت أصداؤها في الكتاب "هكذا تسير الأمور"، طريقته في مواجهة الموت دون الاستسلام له. ففي كل مرة يموت فيها شخص ما، يهز الراوي كتفيه ويقول: هكذا تسير الأمور. لم يكن الأمر برودة دم، بل تحديًا. بيد ان تمرد الكاتب لم يكن أدبيًا فحسب، وانما بات أحد أعلى الأصوات الأخلاقية في أمريكا ضد الحرب، والجشع، وما أسماه "قدرتنا المفجعة على الغباء".
بدا كأستاذ جامعي بشعر أشعث وعينين حزينتين، لكن حسه الفكاهي كان قاتلًا. وصرخ ذات مرة: "أقول لكم، نحن هنا على الأرض لنعبث، فليس للحياة معنى. لا تدع أحدًا يخبرك بخلاف ذلك". المفارقة هي أن الشهرة لم تُسعده أبدًا، وتحدث عن ذلك: "يعتقد الناس أنني مسل وفكه، لكنني في الحقيقة انسان ناقم". خلف هذه الطرافة، كان هناك رجل مسكون بما شاهده واختبره. يخبرنا: "كونوا لطفاء. لا توجد حكاية أفضل من ذلك". في سنواته الأخيرة، كان لا يزال غاضبًا، لا يزال مرحًا، لا يزال يصرخ بوجه ذات العبث الذي شهده في شبابه في ذلك المخبأ. وفي إحدى مقابلاته تحدث: "لقد ذهبتُ إلى الجحيم. عير ان الأمر الأكثر لفتًا للانتباه هناك، هو انني وجدت ذات الشعور المعتاد".
عمل على تحويل الرعب إلى فكاهة، والفوضى إلى شفقة، والموت إلى مزحة مؤلمة. خرج من أنقاض دريسدن حاملاً حقيقة واحدة لا تزال تبدو مشعة حتى اليوم: إذا لم تستطع أن تسخر من الجنون، فلن تنجو منه أبدًا.



#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية الجارية.. صرخة في وجه الاستبداد الثيوقراطي..
- حلم مرسيدس المستحيل..
- هل سمعت بالكاتبة لو أندرياس-سالومي؟
- سيمون دو بوفوار والنسوية الحديثة
- رواية “هبّ الله”- سرد المأساة وإعادة تشكّل الهوية المفقودة
- رصاصة في عنق جورج أورويل
- هشاشة العلاقات البشرية لدى كافكا
- الإيمان عند أنطوني نوريس غروفز في مطلع القرن التاسع عشر
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (8)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (7)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (6)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (5)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (4)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (3)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (2)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة
- ما أشبه اليوم بالبارحة
- وين شايفك؟
- هل سمعت بالروائي خايمي بايلي ليتس
- مع قانون حظر المشروبات الروحية في العراق


المزيد.....




- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
- مهرجان مراكش: الممثلة جودي فوستر تعتبر السينما العربية غائبة ...
- مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يصدر دليل المخرجات السينمائي ...
- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران
- المغربية ليلى العلمي.. -أميركية أخرى- تمزج الإنجليزية بالعرب ...
- ثقافة المقاومة: كيف نبني روح الصمود في مواجهة التحديات؟
- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...
- روبيو: المفاوضات مع الممثلين الأوكرانيين في فلوريدا مثمرة
- احتفاء مغربي بالسينما المصرية في مهرجان مراكش
- مسرحية -الجدار- تحصد جائزة -التانيت الفضي- وأفضل سينوغرافيا ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس موسى الكعبي - ان لم تستطع ان تسخر من الجنون، فلن تنجو منه