أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس موسى الكعبي - سيمون دو بوفوار والنسوية الحديثة














المزيد.....

سيمون دو بوفوار والنسوية الحديثة


عباس موسى الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 20:55
المحور: الادب والفن
    


حصلت على المركز الثاني في أهم امتحان الفلسفة في فرنسا، وطلب منها الرجل الذي تفوق عليها أن تقضي بقية حياتها معه. في عام 1929، اجتازت سيمون دي بوفوار امتحان الأغريغاسيون (التراكمي)، وهو امتحان شهير بصعوبته في فرنسا للتدريس في مجال الفلسفة. كانت تبلغ من العمر 21 عامًا، وهي أصغر شخص يحاول اجتيازه على الإطلاق. حصلت على المرتبة الثانية على مستوى البلاد بأكملها. أما الرجل الذي حصل على المركز الأول فكان جان بول سارتر. كان عمره آنذاك 24 عامًا، وكان قد رسب في الامتحان مرة واحدة. وعندما التقيا لمناقشة الفلسفة، أخبرها سارتر أنها تمتلك عقلًا عبقريًا. وأخبرته أنها ترى أن تفكيره لا يكتمل بدون تحدياتها. في غضون أسابيع، تقدم لها - ليس للزواج، بل لشيء أكثر جذرية: شراكة قائمة على الحرية الفكرية والشخصية المطلقة.
اتفقا على ما أسمياه "الحب الجوهري" مع مساحة لـ "الحب العرضي" - وهي علاقة منفتحة تمامًا حيث لا يمتلك أي منهما الآخر، ولا يحد من الآخر، وتكون الصراحة بشأن العلاقات الغرامية إلزامية. الملاحظ انه في عام ١٩٢٩، لم يكن هذا السلوك بمثابة أمر غير تقليدي، بل كان فضيحة مدوية. لكن سيمون دي بوفوار لم تعش وفقًا لما ترسمه التقاليد. وبينما اشتهر سارتر كوجه للوجودية، كانت بوفوار تقوم بالعمل الأكثر جذرية. فقد قامت بتدريس الفلسفة، وكتبت الروايات، وسافرت خارج فرنسا، وبدأت بطرح أسئلة لم يطرحها أحد: لماذا تُعرّف النساء دائمًا من خلال علاقتهن بالرجال؟ ولماذا يُعتبر "الرجل" هو الإنسان الافتراضي، بينما تُعتبر "المرأة" هي الآخر؟
في عام ١٩٤٩، نشرت كتاب "الجنس الآخر" - وهو بحث فلسفي ضخم من مجلدين حول اضطهاد المرأة. استغرق كتابته عامين، وعندما صدر، أحدث ضجة كبيرة. افتتح الكتاب بعبارة مثيرة: "لا تولد المرأة امرأة، بل تصبح كذلك". وجادلت بأن الأنوثة ليست قدرًا بيولوجيًا، بل هي بناء اجتماعي. كل ما يُقال للنساء إن من صفاتهن الطبيعية هي السلبية والاهتمام والرعاية وغلبة العاطفة والميل الى الأمور المنزلية، هو في الواقع شيء يتم تعليمه وفرضه وممارسته. فالجندر (نوع الجنس) هو شيء يصنعه المجتمع، وليس شيء متأصل فينا.
وضعت الكنيسة الكاثوليكية الكتاب على قائمة الكتب المحظورة. وصفه النقاد بأنه "إباحي" و"إهانة للأمومة". حتى أن بعض النسويات رفضنه باعتباره متطرفًا للغاية. لكن ملايين النساء قرأنه وفكرن: إنها محقة. أصبح كتاب "الجنس الآخر" الأساس الفلسفي للنسوية الحديثة. اعتبرته بيتي فريدان مصدر إلهامها لكتاب "السحر الأنثوي". ووصفته غلوريا ستاينم بأنه كتاب غير حياتها. بنيت الموجة الثانية من الحركة النسوية في الستينيات والسبعينيات مباشرة على أفكار بوفوار. لكن بوفوار لم تكتفِ بكتابة نظريات عن الحرية، بل عاشتها بعفوية وصدق. لم تتزوج هي وسارتر قط، ولم يعيشا معًا، لكنهما بقيا شريكين لمدة 51 عامًا. أقام سارتر علاقات غرامية مع أخريات، وكذلك فعلت سيمون دو بوفوار، وكتبا عن تلك العلاقات. وفي بعض الأحيان، كانا يتشاركان العشاق، مما تسبب في كوارث أخلاقية ندمت عليها دو بوفوار لاحقًا. كانت علاقتها بطالب يبلغ من العمر 17 عامًا في الأربعينيات من القرن الماضي إساءة حقيقية لاستخدام السلطة، وهي إساءة لم تعترف بها أبدًا. كانت ذكية، غير انها لم تكن مثالية، وكانت ثورية، لكنها مليئة بالعيوب. ومع ذلك، واصلت الكتابة. نشرت رواية "المثقفون" في عام 1954، وهي رواية عن المثقفين في فترة ما بعد الحرب، وحازت على جائزة غونكور، أعلى جائزة أدبية في فرنسا. كتبت مذكراتها التي تسرد حياتها غير التقليدية بأمانة لا تتزعزع. سافرت إلى الصين وكوبا والاتحاد السوفيتي، وكتبت عن السياسة والشيخوخة والموت وما يعنيه أن تكون حراً. في السبعينيات، وقعت على "بيان الـ 343"، وهو إعلان عام صادر عن نساء فرنسيات يعترفن بإجرائهن عمليات إجهاض غير قانونية، ويطالبن بحقوق الإنجاب. كانت تبلغ من العمر 63 عامًا، وكان بإمكانها أن تكتفي بما حققته. لكنها بدلًا من ذلك، خاطرت بالملاحقة القضائية للدفاع عن الجيل القادم.
عندما توفي سارتر في عام 1980، كانت بوفوار محطمة. كتبت "وداعًا: وداعًا لسارتر"، وهو سرد صادق للغاية عن سنواته الأخيرة. قال النقاد إن الكتاب كان صريحًا تماما وقاسيًا للغاية. لم تهتم بذلك. كانت الصراحة، بالنسبة لها، أهم من الكياسة.
وبعد ست سنوات، في 14 نيسان/ ابريل 1986، توفيت سيمون دي بوفوار في باريس عن عمر ناهز 78 عامًا. دُفنت بجانب سارتر في مقبرة مونبارناس. حضر جنازتها الآلاف من النشطاء والكتاب والفلاسفة والنساء العاديات اللواتي قرأن كتاب "الجنس الآخر" وشعرن بأنهن أقل عزلة. لم يقتصر إرثها على كتاب "الجنس الآخر"، على الرغم من أن ذلك وحده كان كافيًا، بل كان المثال الذي ضربته: أن النساء يمكن أن يكنّ مثقفات، وأن العلاقات لا يستلزم أن تتبع نصوصًا محددة، وأنه يمكنك رفض خطط المجتمع وكتابة حياتك بنفسك. لقد أثبتت أنه ليس عليك الاختيار بين الحب والاستقلال، بين الفكر والعاطفة، بين كونك امرأة وكونك إنسانة كاملة. احتلت سيمون دي بوفوار المرتبة الثانية في ذلك الامتحان عام 1929. لكن في العقود التي تلت ذلك، احتلت المرتبة الأولى في شيء أكثر أهمية: إظهار أن النساء لا يتعين عليهن أن يصبحن ما يمليه عليهن العالم، وانما أن يصبحن أنفسهنّ.. ذواتهنّ الكاملة.



#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية “هبّ الله”- سرد المأساة وإعادة تشكّل الهوية المفقودة
- رصاصة في عنق جورج أورويل
- هشاشة العلاقات البشرية لدى كافكا
- الإيمان عند أنطوني نوريس غروفز في مطلع القرن التاسع عشر
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (8)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (7)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (6)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (5)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (4)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (3)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (2)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة
- ما أشبه اليوم بالبارحة
- وين شايفك؟
- هل سمعت بالروائي خايمي بايلي ليتس
- مع قانون حظر المشروبات الروحية في العراق
- عبد الرزاق قرنح
- هذا ليس إنجازا ياهذا..
- ثورة العشرين- وجهة نظر الطرف الآخر..
- شيزوفرينيا وطن..


المزيد.....




- تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي ...
- إطلاق ملتقى تورنتو الدولي لفن اليوميات وفلسطين ضيفة الشرف
- افتتاح المتحف المصري الكبير بعد عقدين من الزمن في أرضٍ لا يُ ...
- ماذا حدث عندما ظهر هذا النجم الهوليوودي فجأة بحفل زفاف مستوح ...
- (غموض الأبواب والإشارات السوداء)
- تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي ...
- المتحف المصري الكبير.. هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم ...
- سميرة توفيق في أبوظبي: الفن الأصيل ورمز الوفاء للمبدعين العر ...
- -الخارجية- ترحب بانضمام الخليل إلى شبكة اليونسكو للمدن الإبد ...
- جمعية الصحفيين والكتاب العرب في إسبانيا تمنح ‏جائزتها السنوي ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس موسى الكعبي - سيمون دو بوفوار والنسوية الحديثة