أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس موسى الكعبي - علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (4)















المزيد.....

علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (4)


عباس موسى الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 8468 - 2025 / 9 / 17 - 04:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بقلم. بارت أوغه - جامعة خنت
ترجمة: عباس موسى الكعبي

التخصص في القرن التاسع عشر

مع استمرار دور أدب الرحلات في إنتاج المعرفة داخل الأوساط الأكاديمية، أصبح التركيز على التنقيبات الأثرية أكثر وضوحًا منذ أربعينيات القرن التاسع عشر فصاعدًا. فقد انطلقت هذه المرحلة من أعمال الحفر المكثفة التي جرت في نينوى وبابل، ثم امتدت إلى أعمال المسح والحفر في مناطق واسعة من بلاد الرافدين. واستمرت العلاقة الوثيقة بين الرحلات والحفريات الاثارية طوال الجزء الأكبر من القرن، إلا أن أهمية المتخصصين أخذت تتصاعد مع مرور الوقت. ومن أبرز المستكشفين الأوائل: جيمس سلك بكنغهام، وكِينِت لوفتس، وهنري بلوس لينش، وأوستن هنري لايارد، وفيليكس جونز، الذين جمعوا بين الرحلات الاستكشافية والابحاث الأثرية والتاريخية، وهو ما أمكن تحقيقه أحيانًا من خلال العلاقات مع الهيئات الاقتصادية والسياسية الأوروبية في الشرق الأوسط. وقد احتفظت رحلاتهم الأثرية إلى الأراضي الواقعة بين دجلة والفرات أو في منطقة شط الكار بطابعها الاستكشافي، إذ لم تكن المعلومات عن تلك المناطق متاحة آنذاك.
ما تزال كتابات هؤلاء المستكشفين الأثريّين الأوائل تُظهِر بعض السمات الشكلية الموروثة من مدونات الرحلات السابقة، غير أنّ أقسامها الأثرية والوصفية أخذت تتسع طولاً وتفصيلاً، وتدّعي قدراً أكبر من الموضوعية المفترضة. وغالباً ما كانت النصوص تُصاغ في هيئة سرد زمني متتابع، يتضمن تحديد أزمنة السفر ومحطّاته، ووصف المعالم والشعوب، والرحلات الترفيهية الجانبية، والحكايات الشعبية، وما شابه ذلك. كما أنّها لا تخلو أحياناً من إشارات إلى سرديات الرحّالة السابقين، كوسيلة لخلق تواصل واعي مع الأسلاف، وفي كثير من الأحيان بغية إثبات تفوّق اكتشافات الكاتب الشخصية. كما أظهر هذا الاهتمام الواضح بمدونات الرحلات السابقة كيف أنها كانت تُشكل المصدر الوحيد للمعلومات التي كانت تقرأ على نطاق واسع، ويُستشهد بها، أو تُصحَّح على ضوء المشاهدة المباشرة في الميدان. وقد أُشرنا سابقاً إلى تضمين سرد الرحلات في كتاب "ريتش"، وكذلك إلى اهتمام "كير بورتر" بكتابة الرحلات. ومن الأمثلة الواضحة على استمرار هذا التقليد السردي أنّ رحلات واستكشافات أوستن هنري لايارد المنشورة التي جمعت بين مواضيع مألوفة في أدب الرحلات وتقارير التنقيبات الأثرية الأكثر تخصّصاً، قد لاقت نجاحاً جماهيرياً في مجتمع أوروبي حظي فيه أدب الرحلات لأكثر من قرنين من الزمان بشعبية واسعة. وعلى النقيض من ذلك، فإن التقارير الفرنسية الأكثر نخبويةً والأشدّ علميةً لعمليات التنقيب التي قام بها "بوتا"، فشلت في جذب القراء، ولم تثر اهتماماً يُذكر (وإن كان ذلك راجعاً أيضاً إلى حجمها الضخم وارتفاع تكاليفها).
ومع مرور القرن، ترسّخت هيمنة الأسلوب الحيادي التجريدي البعيد عن الذاتية على حساب الطابع الشخصي للرحلة وأدبها. ورغم أن هذا المسار بدأ منذ القرن السادس عشر، إلا أنه بلغ ذروته مع صعود النزعة الوضعية والفصل بين التخصصات العلمية الأكاديمية في القرن التاسع عشر، مما عزّز الرغبة في تقديم أوصاف محايدة ومستقلة عن جيولوجيا المنطقة وجغرافيتها وآثارها وتاريخها وإثنوغرافيتها (وصف شعوبها). ومن خلال هذه العملية، خسر أدب الرحلات معظم أهميته بالنسبة للدراسة العلمية عموماً، وللابحاث الأثرية خصوصاً. وجدير بالملاحظة، على سبيل المثال، أنّ القناة ذاتها التي أُشير إليها سابقاً في عمل "هوفر" التاريخي، ظهرت لاحقاً في كتاب جورج رولنسون الموسوم "الممالك الخمس العظمى للعالم الشرقي القديم" (لندن: 1879)، لكن بطريقة سطحية، ومن دون أي إشارة إلى ملاحظات الرحّالة.
مع مرور الزمن، أخذ علم الآثار يرسّخ ذاته باعتباره علماً وضعيّاً تجريبياً؛ إذ اعتُقد أنّ البقايا المادية للماضي تحمل حقيقة واحدة ثابتة، كفيلة بكشف جانب محدّد من الماضي الإنساني. وقد ارتبط هذا العلم ارتباطاً وثيقاً بالجغرافية، إذ تشاركا الاعتماد على الأدلة المادية والنهج "الطبيعي ـ العلمي"، أي التجريبي. وخلال القرن التاسع عشر، اعتُبرت عملية جمع اللُّقى الأثرية بمثابة المعيار الأساسي للمعرفة العلمية. وهذا المنظور أدّى تدريجياً إلى فصل علم الآثار عن التاريخ وتاريخ الفن. ومع تطوّره لاحقاً، كان لا بدّ لعلم الآثار أن يبتكر نظرياته ومناهجه وفلسفته الخاصة (مع أنّ مسألة وجود فلسفة خاصة بالآثار أو استحالتها ظلّت، بحد ذاتها، موضع جدل).
وفي المقابل، أخذت التخصصات التاريخية تنأى بنفسها عن المجالات الأثرية: فبينما كانت الاهتمامات الاثرية في فترات سابقة تغذّي الكثير من الدراسات التاريخية، عاد التاريخ في القرن التاسع عشر ليتمحور أساساً حول الدراسات القائمة على النصوص. أما المادة التاريخية فقد ظلّت ذات قيمة ثانوية، تُستخدم غالباً كمصدر مساعد للمعلومات عن المواقع، لا سيّما فيما يتعلّق بتاريخها بعد الهجر أو بتحديد موقعها الجغرافي. ومع ذلك، استمرّت الصلة بين التخصّصين "التاريخي والآثاري" على مستوى أقل وضوحاً، إذ ظلّت الحفريات الأثرية وسيلة حيوية لجمع المواد النصيّة.
عبر هذه التحولات، التي يمكن اليوم ردّ بداياتها إلى ما بعد منتصف القرن الثامن عشر، برز عالم الآثار الرافديني ليحلّ محلّ الرحّالة المغامر. إن الكمّ الكبير من المعلومات الجديدة التي أتاحتها الحفريات والبحوث المسمارية، فضلاً عن تركيز الاهتمام، حتى عهد قريب، على المراحل الأبعد من تاريخ المنطقة، قد قلّل من أهمية أدب الرحلات بوصفه مصدراً معرفياً ذا صلة. وبحلول أوائل القرن العشرين، كان علم الآثار قد قطع بدرجة كبيرة صلته بالرحلات، سواء على المستوى الأكاديمي أم المفاهيمي. ومع أنّ تقارير الحفريات ظلّت، أحياناً، تستعين بالرحلات كمقدّمات تمهيدية عن تاريخ الموقع بعد هجره، إلا أنّ تلك الإشارات كانت في معظم الأحيان ذات وظيفة توضيحية أو تصويرية وليست وظيفة علمية. وفي مدوّنات الرحلات ذاتها، انحصر حضورها في إشارات هامشية قليلة. أمّا أدب الرحلات، الذي استمر في الجمع بين التسلية والتثقيف، فقد ظلّ يؤدي وظيفة مهمة في نشر المعارف والصور والمُثل العليا عن الشرق، لكنّه لم يعد ذا شأن يُذكر في مجال الدراسات الأكاديمية للمنطقة أو لتاريخها.
يتبع..



#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (3)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (2)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة
- ما أشبه اليوم بالبارحة
- وين شايفك؟
- هل سمعت بالروائي خايمي بايلي ليتس
- مع قانون حظر المشروبات الروحية في العراق
- عبد الرزاق قرنح
- هذا ليس إنجازا ياهذا..
- ثورة العشرين- وجهة نظر الطرف الآخر..
- شيزوفرينيا وطن..
- حينما ينهب الماضي، يدفع الجميع الثمن
- الاكتشافات الجديدة في العراق تعيد النظر بتأريخ بلاد ما بين ا ...
- ابك ايها الغريب..
- العراق: قلب الشرق الاوسط .. ح 12
- العراق: قلب الشرق الاوسط 1925 .. ح 11
- العراق: قلب الشرق الاوسط .. ح 10
- العراق: قلب الشرق الاوسط .. ح 9
- العراق: قلب الشرق الاوسط .. ح 8
- العراق: قلب الشرق الاوسط .. ح 7


المزيد.....




- تنظيم مسلح جديد في خان يونس يطرح نفسه بديلًا لحماس.. من هي ج ...
- نعيم قاسم يدعو السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع حزب الله: لحوا ...
- محكمة العدل الدولية تعلن تلقيها شكوى من مالي ضد الجزائر
- أيام على السابع من أكتوبر
- رئيس ملاوي ومنافسه يتنازعان الفوز بالرئاسة وسط توتر سياسي
- ترامب يمتنع عن المصادقة على مساعدة عسكرية لتايوان
- 5 نساء يتقدمن في العمر بسرعة والعلم يوضح السبب
- -رحاليستا- الليبي يتحدث لترندينغ عن رحلته في صنع المحتوى وزي ...
- إفتهان المشهري .. اغتيال مسؤولة يمنية رميا بالرصاص في وضح ال ...
- محمد قبنض.. اختطاف منتج مسلسل باب الحارة السوري من دمشق والد ...


المزيد.....

- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس موسى الكعبي - علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (4)