أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس موسى الكعبي - حلم مرسيدس المستحيل..














المزيد.....

حلم مرسيدس المستحيل..


عباس موسى الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


باعت مجفف شعرها لإرسال روايته بالبريد، ثم شاهدتها وهي تفوز بجائزة نوبل.
كان غابرييل غارسيا ماركيز في الثالثة عشرة من عمره عندما رأى "مرسيدس بارشا" في حفل مدرسي راقص في كولومبيا. كانت جميلة وذات شخصية قوية. التفت إلى أصدقائه وأعلن بخيال مراهق: "سأتزوج تلك الفتاة". كان طالبًا حاصلًا على منحة دراسية، وينحدر من عائلة فقيرة مُكافحة. أما هي فكانت ابنة صيدلاني، تنحدر من عائلة راقية.
مرت ثمانية عشر عامًا بعد هذا الحادث. تنقل من مدينة إلى أخرى، باحثًا عن وظائف صحفية وأحلام أدبية، مُفلسًا كالعادة، يكتب ويفكر دائمًا في الفتاة التي وعد بالزواج منها.
في عام ١٩٥٨، بعد أن أثبت نفسه كصحفي جاد، عاد وطلب يدها. وافقت. وتزوجا، وأنجبا ولدين، وكانت حياتهما زاهية وغنية بكل شيء إلا المال. كتب غارسيا ماركيز ونشر روايات ونال إشادة النقاد، لكن دخله كان ضئيلاً. أنفقت مرسيدس كل ما لديها، وأدارت شؤون المنزل، وآمنت بموهبة زوجها.
وفي عام ١٩٦٥، بينما كان يقود سيارته إلى مدينة أكابولكو، حدث أمرٌ صاعق. فقد تبادرت إلى ذهنه حبكة رواية كاملة، مكتملة، تتشكل من سبعة أجيال من عائلة بوينديا، في تلك البلدة التي تُدعى ماكوندو. حبٌّ وحربٌ وعزلةٌ لمدة قرن من الزمان.
أدار السيارة وسار مباشرةً إلى منزله. وأخبر زوجته: "يجب أن أكتب هذه الرواية. وسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا، وسنصرف ما تبقى لنا من مال." نظرت إليه بثبات قائلة: "اكتب روايتك، ولا تقلق."
اختفى غارسيا ماركيز في مكتبه لمدة ثمانية عشر شهرًا. كان مسكونًا بقصة ماكوندو. وعلى إثر ذلك، ترك الصحافة، واصبح عاطلا عن العمل. وتبخرت مدخراتهما. تولت مرسيدس إدارة عائلتهما. تعاملت مع مُلاك العقارات والدائنين وشركات الخدمات. وباعت سيارتهما، وهي أغلى ما يملكان. حمته من كل ظرف مالي طارئ، ليركز اهتمامه على الكتابة. طلبت من أبنائها الصمت عندما يعمل الاب. ورفضت أن تدع قسوة الواقع تحطم حلمهما المؤجل.
ظن الأصدقاء أنه مجنون. وتوسلوا إليه أن يتوقف عن الكتابة ويحصل على وظيفة حقيقية. لماذا يُضيع وقته في كتابة رواية، وأطفاله بحاجة إلى أحذية؟
لكن مرسيدس لم تتراجع ابدا.
ففي عام ١٩٦٦، اكتملت المخطوطة، بما يقرب من ٥٠٠ صفحة. "مئة عام من العزلة" – تلك القصة التي حملها في أعماقه، أصبحت الآن حقيقة واقعة، مطبوعة، جاهزة للإرسال إلى الناشر في العاصمة بوينس آيرس.
وقفا في شقتهما يحملان العمل النهائي، منهكين، لكن منتصرين. ثم حاولا إرسال الرواية عبر البريد. كان البريد الدولي من مدينة مكسيكو إلى الأرجنتين مُكلفًا. فالمخطوطة كانت ثقيلة الوزن. حسبا كل ما تبقى لديهما من مال في الشقة. لم يكن كافيا. لم تتردد مرسيدس، فتجولت في منزلها تجمع كل ما لم يبيعوه بعد، مجوهرات، راديو، أجهزة مطبخ، ومجفف شعرها الذي كانت تعتز به. باعت كل شيء. أخذا المال إلى مكتب البريد، وغلّفا المخطوطة، تلك الصفحات الخمسمائة التي تُمثّل ثمانية عشر شهرًا من العمل وسنوات من الفقر، ودفعا أجرة البريد، وسلما مستقبلهما بالكامل إلى موظف البريد. وخرجت مرسيدس من مكتب البريد، مفلسة تمامًا، لم يتبقَّ لديها فلس واحد، والتفتت إلى زوجها قائلة: "الآن، الطامة الكبرى ألا تنال الرواية اعجاب الناشر." لقد راهنا بكل شيء على كلمات ترقد حاليا في صندوق البريد.
وفي حزيران 1967، نُشرت رواية "مئة عام من العزلة".
في غضون أسابيع، نفدت الطبعة الأولى على الفور، ثم الثانية، ثم الثالثة. وتُرجمت الرواية إلى عشرات اللغات. وصفها النقاد بالتحفة الفنية. ولم يتوقف القراء عن الحديث عن آل بوينديا، وعن ماكوندو، وعن هذا الكتاب الساحر، المفجع، والمذهل.
بيعت أكثر من 50 مليون نسخة. وتُدرّس في عدد من جامعات العالم. وفي عام 1982، وبفضل هذه الرواية، فاز غابرييل غارسيا ماركيز بجائزة نوبل في الأدب.
انتهى الفقر فجأة. اشتريا منزلًا جميلًا في مدينة مكسيكو. زارا العالم. لم يعد يقلق بشأن المال. لكن غارسيا ماركيز لم ينس أبدًا ما كلفه ذلك، أو الشخص الذي دفع ثمنه. فطوال حياته، وفي كل مقابلة، كان يُشيد بزوجته مرسيدس باعتبارها "المؤلفة الحقيقية" لرواية "مئة عام من العزلة". قال إنها هيأت له الظروف التي سمحت له بكتابتها. ووصفها بأنها أقوى شخص عرفه في حياته. ظلا متزوجين لمدة 56 عامًا، حتى وفاته في عام 2014. وتوفيت مرسيدس في عام 2020 عن عمر يناهز 87 عامًا.
بدأت قصة حبهما بإعلان صبي في الثالثة عشرة من عمره زواجه من فتاة لم تُعره اهتمامًا. وتعرضت لاختبار صعب بعد ثمانية عشر عامًا من الانتظار، وثمانية عشر شهرًا من الفقر المدقع، ولحظة في مكتب بريد حيث يجري استبدال كل ما يملكانه بطوابع بريدية. نالت القصة شهرة عالمية، وجائزة نوبل، لأن مرسيدس بارشا آمنت بحلم كاتب مفلس في حين لم يؤمن به أحد آخر على الإطلاق.
اما نحن، حصلنا على رواية "مئة عام من العزلة" لأن امرأة واحدة كانت مستعدة لبيع مجفف شعرها والمراهنة على حلم زوجها المستحيل.



#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سمعت بالكاتبة لو أندرياس-سالومي؟
- سيمون دو بوفوار والنسوية الحديثة
- رواية “هبّ الله”- سرد المأساة وإعادة تشكّل الهوية المفقودة
- رصاصة في عنق جورج أورويل
- هشاشة العلاقات البشرية لدى كافكا
- الإيمان عند أنطوني نوريس غروفز في مطلع القرن التاسع عشر
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (8)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (7)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (6)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (5)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (4)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (3)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (2)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة
- ما أشبه اليوم بالبارحة
- وين شايفك؟
- هل سمعت بالروائي خايمي بايلي ليتس
- مع قانون حظر المشروبات الروحية في العراق
- عبد الرزاق قرنح
- هذا ليس إنجازا ياهذا..


المزيد.....




- إيليا أبو ماضي: شاعر التفاؤل وصاحب الطلاسم
- نور الدين بن عياد: تونس تودع فنان الفكاهة والبساطة، من هو؟ و ...
- إيران: العلماء الناقدون غير مرحب بهم ولا مرغوب فيهم
- إجراءات جديدة لتسهيل تصوير الأفلام الأجنبية في مصر
- عرض خاص لفيلم -أطياف ذلك الضوء- عن الشاعر سلطان العويس
- اختفاء أقارب الفنان الغيني المعارض يثير قلق الأمم المتحدة
- اختفاء أقارب الفنان الغيني المعارض يثير قلق الأمم المتحدة
- بهجت رزق: لابد من تسوية بين الثقافة والسياسة لتجنب الصراعات ...
- من -آنا كارينينا- إلى -الجريمة والعقاب-.. الأدب الروسي يفتح ...
- من صدمة الحرب إلى شاشة السينما... بوسنيان سويسريان يرويان قص ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس موسى الكعبي - حلم مرسيدس المستحيل..