أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس موسى الكعبي - حكاية الجارية.. صرخة في وجه الاستبداد الثيوقراطي..














المزيد.....

حكاية الجارية.. صرخة في وجه الاستبداد الثيوقراطي..


عباس موسى الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 14:02
المحور: الادب والفن
    


تصدر الحكومة تشريعات تُقيّد حقوق الإنجاب، وتحظر الكتب من المكتبات، وتُراقب دورات النساء الشهرية عبر التطبيقات، وتُقترح قوانين لتتبع حالات الحمل ومعاقبة حالات الإجهاض. ويناقش السياسيون علانيةً العودة إلى "القيم التقليدية" حيث يتمحور دور المرأة الأساسي حول الإنجاب، وتكتسب المنظمات الدينية سيطرةً متزايدة على الرعاية الصحية والتعليم، وتُتيح تكنولوجيا المراقبة التجسس على الأجساد بطرق لم تكن الأجيال السابقة لتتخيلها. يرصد المراقبون هذه التطورات بقلق متزايد، مُدركين أساليب تبدو مُصممة لتقييد استقلالية المرأة بشكل منهجي، بدعوى ان تلك الاجراءات تهدف لحماية الأسرة والأطفال، بل والمجتمع ذاته. يُشدد هذا الخطاب على المصير البيولوجي، ويُصوّر الخصوبة كمورد وطني، ويُعامل أجساد النساء كأرضٍ مُتنازع عليها، حيث للدولة مصلحة مشروعة في التحكم في مردودها ونتائجها. وثّقت الكاتبة مارغريت آتوود في روايتها "حكاية الجارية"، الصادرة عام ١٩٨٥، هذا المسار بدقة عبر جمهورية جلعاد، وهي ديكتاتورية ثيوقراطية تستعبد النساء وتعاملهن بمثابة أغنام لغرض التكاثر، مدعيةً استعادة النظام الأخلاقي المفقود. وتتقلص الفجوة بين خيال الكاتبة والواقع الحالي مع كل دورة إخبارية تُثبت أن الديستوبيا التي تخيلتها لم تكن تنبؤًا، بل إدراكًا للأنماط، مُظهرةً ما يحدث عندما يلتقي ذعر الخصوبة بالأصولية الدينية والحكومة الاستبدادية التي تُعامل النساء كموارد لا كبشر.
تقدم الكاتبة إلى القراء شخصية البطلة "أوفريد"، الجارية التي هدفها الوحيد في جمهورية جلعاد هو إنجاب أطفال لصالح الطبقة الحاكمة من خلال طقوس اغتصاب شهرية تُبررها سوابق توراتية تاريخية. فيتم تجريدها من كل شيء يتعلق بهويتها، إذ يستبدل اسمها باسم مالكها، وتختزل ملابسها بزي أحمر يُميز وظيفتها، وتراقب تحركاتها باستمرار من قِبل زوجات مستاءات منها، وعمات اخريات يجبرنها على الامتثال إلى القواعد الصارمة بالعنف والتلقين.
تُبني الكاتبة روايتها عبر ذكريات البطلة عن الأزمنة السابقة حينما كانت لديها وظيفة وابنة وزوج، ثم تدمج تلك الذكريات بواقعها الحالي المتمثل في انتظار الطقوس الشهرية ومحاولة البقاء على قيد الحياة في نظامٍ مُصمم لمحو شخصيتها تمامًا. تكمن العبقرية في الطريقة التي تُظهر بها الكاتبة أن جمهورية جلعاد لم تنشأ من خلال ثورة مفاجئة، بل من خلال قيود فرضت بصورة تدريجية عبر تجميد مصادر عيشهنّ، مرورا بإنهاء وظائفهن، ثم تقييد حركاتهن. وكل خطوة كانت تُبرَّر بالتقاليد أو بالطوارئ، حتى بات التحكم الاستبدادي أمرًا طبيعيًا.
العنصر الأكثر إثارةً للقلق في الرواية ليس تطرفها الكابوسي، بل كيف بنت الكاتبة جمهورية جلعاد بالكامل من سوابق تاريخية وممارسات معاصرة، مع التأكيد على أنها لم تخترع شيئًا لم يحدث في تاريخ البشرية القبيح.
يشير نظام الجواري إلى التسري، كما في التوراة، والعمات اللواتي يفرضن الطاعة يُحاكين تعاون النساء مع الأنظمة الأبوية، وعمليات القتل العلنية المعروفة باسم "الخلاص" لها مقاربات تاريخية عديدة، كما أن ذعر الخصوبة الذي حفّز إنشاء جمهورية جلعاد يعكس مخاوف حقيقية بشأن انخفاض معدل المواليد المُستخدم ضد استقلالية المرأة.
كتبت آتوود هذه الرواية خلال فترة الرئيس الأمريكي "ريغان" التي شهدت ردود فعل عنيفة ضد النسوية. هذه الرواية تدفع القارئ نحو الاستدلال بأن حقوق المرأة ليست إنجازات دائمة، بل حريات مؤقتة تتطلب دفاعًا مستمرًا ضد القوى التي تعتبر استقلالية المرأة تهديدًا للنظام الاجتماعي، مُظهرةً مدى سرعة سلب تلك الحقوق عندما تُشكل المرأة أزمة لدعاة الذكورية.
تكشف خاتمة الرواية انهيار هذه المنظومة القيمية، لكن هذه النهاية لا تقدم سوى عزاء بارد عندما توضح الكاتبة أن الظروف التي خلقت جمهورية جلعاد تظل متاحة كلما تقرر المجتمعات الذكورية أن أجساد النساء حينما تصبح مجرد موارد وتسري تكون أكثر أهمية من كونها تنتمي إلى الحضن الإنساني.



#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم مرسيدس المستحيل..
- هل سمعت بالكاتبة لو أندرياس-سالومي؟
- سيمون دو بوفوار والنسوية الحديثة
- رواية “هبّ الله”- سرد المأساة وإعادة تشكّل الهوية المفقودة
- رصاصة في عنق جورج أورويل
- هشاشة العلاقات البشرية لدى كافكا
- الإيمان عند أنطوني نوريس غروفز في مطلع القرن التاسع عشر
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (8)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (7)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (6)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (5)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (4)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (3)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة (2)
- علم الآثار الرافديني وأدب الرحلات: علاقات متحوِّلة
- ما أشبه اليوم بالبارحة
- وين شايفك؟
- هل سمعت بالروائي خايمي بايلي ليتس
- مع قانون حظر المشروبات الروحية في العراق
- عبد الرزاق قرنح


المزيد.....




- وفاة أسطورة السينما الهندية.. دارمندرا
- موسيقى وشخصيات كرتونية.. محاولات لمداواة جراح أطفال السودان ...
- مسرحي تونسي: المسرح اجتماعي وتحرري ومقاوم بالضرورة
- الفنانة تيفين تتعرض لموجة كراهية وتحرش لمشاركتها في نقاش عن ...
- وفاة الممثل الألماني أودو كير الذي تألق في هوليوود عن عمر نا ...
- -بينك وبين الكتاب-.. معرض الشارقة يجمع 2350 دار نشر من 100 د ...
- وفاة أيقونة السينما الهندية دارميندرا عن 89 عاماً
- تحولات السينما العراقية في الجمعية العراقية لدعم الثقافة
- وفاة جيمي كليف أسطورة موسيقى -الريغي- عن عمر ناهز 81 عامًا
- فيلم -الملحد- يعرض في دور السينما المصرية بقرار قضائي مصري و ...


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس موسى الكعبي - حكاية الجارية.. صرخة في وجه الاستبداد الثيوقراطي..