أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد الطيب - دروع الإبداع… حين صار الوهم أعلى من الحقيقة














المزيد.....

دروع الإبداع… حين صار الوهم أعلى من الحقيقة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 12:33
المحور: كتابات ساخرة
    


في السنوات الأخيرة ظهر صنف جديد من التجارة الرخيصة: تجارة الدروع. نعم، صارت لدينا سوق سوداء للتميّز، سوق لا تحتاج فيها إلى موهبة، ولا جهد، ولا تاريخ… يكفي أن تحجز مقعدًا في الصف الأول، تلبس بدلة لامعة، وتبتسم للكاميرا، وستحصل على درع “إبداع” حتى لو كنت لا تميز بين الفاعل والمفعول، وبين القصيدة والإعلان التجاري.
لقد تحوّل الدرع — تلك القطعة البائسة من الزجاج — إلى صك غفران حديث، يمنحك لقب “مبدع” حتى لو كان آخر شيء أبدعته هو كتابة منشور فيسبوك مليء بالأخطاء. صار الدرع شهادة تزوير مبطنة، تمنحها جهات لا تعرف من الإبداع إلا حجم الخط على الواجهة، ولا من التميّز إلا عدد الصور المنشورة على مواقع التواصل.
أصبح تكريم اليوم مجرد “تسويق للغرور”. لا أحد يكرّمك لأنك استحققت… بل لأنهم يحتاجون صورة، يحتاجون جمهورًا، يحتاجون عددًا يكمل ديكور الفعالية. الكل يريد أن يرفع يده للسلام على المنصّة، وأن يأخذ لحظة مجد زائف يتباهى بها على الآخرين. وهكذا صار التميّز لعبة أطفال، وتحوّل الإبداع إلى قشرة لامعة تغطي فراغًا مخجلًا.
الأدهى من ذلك أن بعض حفلات التكريم لا تبحث عن الموهوبين… بل تبحث عن الممولين، تبحث عن “جيوب” تُصعد إلى المنصّة قبل المواهب. والنتيجة؟ قائمة طويلة من الأسماء المكرَّمة، بلا أثر، بلا عمل، بلا بصمة… مجرد ديكور بشري يعكس سطحية عصر كامل فقد القدرة على التمييز بين من يصنع القيمة… ومن يصنع الضجيج.
وهكذا تحوّل الدرع من رمز شرف إلى أداة إهانة. صار المبدع الحقيقي يخجل من الصعود، خشية أن يوضع اسمه بجوار أسماء لا تملك من الإبداع سوى رغبة جامحة في التصفيق. صار التكريم عقابًا، لا مكافأة. وصار الإبداع كلمة مسروقة من قاموس العظماء، تتداولها أفواه لم تنتج سوى الغبار والثرثرة.
والسخرية الكبرى .. الجميع صار “متميزًا”. الجميع صار “رائدًا”. الجميع صار “شخصية مؤثرة”.
حتى فقدت الكلمات معناها، وانهارت قيمتها، وصار الامتياز أرخص من منشور إعلاني.
هل تعلم أين تكمن الفضيحة؟ في أن بعض من يتسلمون هذه الدروع يعيشون لحظة انتفاخ نرجسي، يظنون فيها أنهم اعتلوا جبل الإبداع… بينما الحقيقة أنهم اعتلوا منصة صغيرة، بنور ضعيف، أمام جمهور مشغول بالهاتف، ليحصلوا على درع لا يساوي ثمن قطعة الزجاج التي صنع منها.
المشهد اليوم لا يحتاج إلى إصلاح… بل إلى صدمة كهربائية تعيد الوعي. إلى كنس كامل لهذا الركام. إلى لحظة نقول فيها بوضوح: ليس كل من صُوِّر مبدعًا. وليس كل من صُفِّق له متميزًا. وليس كل من حمل درعًا يستحق أن يُذكر اسمه.
أما الإبداع الحقيقي… فهو يسير بلا ضجيج، بلا منصّات، بلا كاميرات… يترك أثرًا لا يحتاج إلى درع. لأن الأثر وحده يكفي.
والذين جمعوا الدروع كما تُجمع علب المشروبات؟ سيكتشفون يومًا أن كل تلك القطع اللامعة… لا تستطيع أن تضيء ظلمة فراغهم.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريح الثقة لا يُشفى
- لا تمنح الحقيقة كاملة .. انهم لن يفهموك !!
- بين الثائر والطاغي شعرة
- لقد كانت معركة عظيمة كلفتني قلبًا بأكمله
- ظل الآخر
- قلب مسافر عاشق
- رحيل في منتصف الطريق
- السيادة.. ليست علماً يرفرف ولا نشيداً يصدح
- خرابٌ تحت قبّة الجامعة: حين يتحوّل الجهل إلى لقبٍ أكاديمي
- عندما تتحوّل الكتابة إلى مطرقة لا ترحم
- الكتابة واشكالية المتلقي
- في المسافة بين إنسانيتهم… و ( انسانيتنا )
- حين يفقد الوطن كرامته
- من قال إن الزمن يشفي؟
- امرأة بين السطور
- حين تتحول العقول الى سجون
- في جامعاتنا .. ثقافة مشتعلة خلف أبواب مغلقة
- تقاسيم أخيرة في جنازة الذكريات
- حين يكون الصمت بيتي الأول
- العراق بين وفرة الموارد وتعطّل الإرادة


المزيد.....




- هكذا أطلّت الممثلات العالميات في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- أول متحف عربي مكرّس لتخليد إرث الفنان مقبول فدا حسين
- المسرحيون يعلنون القطيعة: عصيان مفتوح في وجه دولة خانت ثقافت ...
- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
- مهرجان مراكش: الممثلة جودي فوستر تعتبر السينما العربية غائبة ...
- مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يصدر دليل المخرجات السينمائي ...
- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران
- المغربية ليلى العلمي.. -أميركية أخرى- تمزج الإنجليزية بالعرب ...
- ثقافة المقاومة: كيف نبني روح الصمود في مواجهة التحديات؟
- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد الطيب - دروع الإبداع… حين صار الوهم أعلى من الحقيقة