أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - إفطار في نيويورك وصداه في بغداد














المزيد.....

إفطار في نيويورك وصداه في بغداد


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 22:47
المحور: قضايا ثقافية
    


استيقظتُ صباحًا، واستيقظتْ معي نيويورك، منهاتن الساحرة، على وقعِ خطوات أهلها في باكرة ربيعية، وأرصفةٍ تلامس القلب مع كل نسمة، وسط تنوّع بشري قلّ نظيره.
خرجتُ من غرفتي الفندقية متّجهًا نحو كافتيريا صغيرة، بسيطة وأنيقة في آن واحد ، تطلّ على شارع 42 الشهير، حيث تنهض محطة نيويورك المركزية بقامتها المعمارية المهيبة منذ افتتاحها في العام 1913 على طراز البوزار الفخم.

دخلتُ ذلك المطعم الصغير المكتظ بهدوءٍ جميل، يلتقي فيه العمّال والموظفون قبل انطلاقهم إلى أعمالهم.
طلبتُ بيض “عين الشمس” مع الخبز الأسمر وفنجان قهوة بالحليب ، وشعرتُ بخفة عجيبة ،شعور بالحرية وبساطة العيش ، وشيء من التخلّي عن قيود الإفطار البروتوكولي لفنادق منهاتن اللامعة. كان المشهد بأكمله جزءًا من لوحة بشرية رائعة لمدينة ترتفع على بحر من الأبنية الشاهقة التي لا يشبهها في العالم شيء.

مرت سنوات ليست بعيدة، واستيقظتُ اليوم على مائدة إفطاري في صباح خريفي من بغداد، فخطر في بالي مشهدٌ رمزي سريع جمع بين عالمين:
نيويورك وبغداد.
تذكرتُ من فوري برج ترامب المهيب، وتذكرتُ سكّان المدينة الذين يميل أغلبهم إلى البساطة، يتقدمهم اليوم العمدة الشاب زهران ممداني من جيل الـ Z، الذي انتصر لليسار والإنسانية في مدينة معقدة معماريًا واقتصاديًا، وهي في قلب مرتكز رأسمالي لا ينام. وتذكرتُ ذلك الصباح النيويوركي في كافتيريا صغيرة على شارع 42، تتدلّى على جدرانها صور “قطة نيويورك البيضاء (مارلين مونرو ) إلى جانب ظلّ زوجها الكاتب المسرحي الكبير ( أرثر ميلر ) الذي ازدانت نصوصه بمسارح برودواي في نيويورك ، بكتاباته:موت بائع متجول إلى مشهد من الجسر ، والبوتقة.
لكن كل ذلك تراجع حين أُتيحت لي قبل أشهر فرصة تناول إفطاري في كافتيريا بسيطة في حي الصدرية ببغداد.
هناك، ظهرت صورة مارلين مونرو باللون الابيض والاسود من ذاكرة نيويورك في مخيلتي الشرقية، ثم تلاشت أمام صوت بغداد العتيق: أحاديث الزبائن، قوري الشاي، أطباق الإفطار التي تتوزع على الطاولات بسرعة ودفء. عندها قلت في سري:
الحياة في شارع 42 النيويوركي، والصدرية البغدادية، تصنع الذوق نفسه، والحرية ذاتها، في مناخ إنساني مشترك أساسه قطعة خبز أسمر.
تاملت ضوء من الشمس المنعكس أمام إستكان شاي الصدرية، و ظهرت حينها وجوه تنبع من بساطة خالصة، بملامح افتتان بالحياة رغم مرارتها.
وما بين مجتمع بغداد ومدينة نيويورك تشكلت مفارقة جميلة: عالمان مختلفان في كل شيء، لكنهما يلتقيان على طاولة إفطار واحدة.
في نهاية المطاف، تبقى المعاني ثابتة:
الخبز الأسمر يظل رمزًا للوطن،
والبيض “عين الشمس” رمزًا للأمل،
والقهوة رمزًا لمرارة الحياة التي تُرتشف بابتسامة واحدة.

فالمدن تتغيّر، لكن الإنسان هو المشترك الأكبر في كل الخرائط ، يحمل صباحه أينما ذهب، ويأكل خبزه بالملامح نفسها مهما تغيّر شكل المائدة.
(انتهى )



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السعر وصراخ الحرية : زوربا من جديد
- ذاكرة الجوع وابتكارات البقاء: سردية من بكين
- ثلاثية تتناسل في معارك الشرق: التواطؤ… السلطة… التبرير
- عاصفة عيد ميلادي: الخريف الضائع
- الطبيب حميد تاج الدين رجالٌ عظامٌ من بلادي
- خطاب الصمت في الفضاء الرقمي السائل
- منظر دجلة بين طفولتي وكهولتي: الخوف والخجل
- علم النفس التربوي يوم تعثّرت أيديولوجياته في ذاكرة طفولتي
- رغيف الخبز: الأم والوطن والطفولة (من ذاكرة الجمر والقمح)
- قصر النهاية: حين مررنا بالسجن ولم نعد إلى بابل
- الشاي… نباتُ الصين العظيم من قرن الإذلال إلى الحرب التجارية ...
- اقتصاد الدموع : حين يصبح الحنين عملةً رمزية.
- خليجان يحرسهما قمر واحد – من أزمنة لا تموت رحلة تأملية بين ف ...
- السفرة المؤجَّلة: أزمنة لا تموت
- تحت ظلال شجرة النارنج: مدرسة زهاء حديد في بغداد
- جدلية الظل والمصالحة مع الذات : القرين الخفي مرآة ديستوفسكي ...
- بكاء الأمهات على بوابة سجن متخلف..
- البنادق مقابل اللوبستر البحري: مقاربة في الاقتصاد السياسي لم ...
- وزارة الخزانة الأميركية .. قوة إمبراطورية وأسطورة ورقة نقدية ...
- تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي


المزيد.....




- مؤسسة -غزة الإنسانية- المثيرة للجدل تُنهي عملياتها في القطاع ...
- الناشط البيئي السوري عرفان حيدر يتحدث لترندينغ عن الحياة الب ...
- كريستيانو رونالدو يشعل المدرجات بمقصّية أسطورية
- بانا العبد الفائزة بجائزة السلام الدولية للأطفال تتحدث لترند ...
- بركان إثيوبي خامد منذ العصر الجليدي ينفجر ويرسل رماده إلى ال ...
- الإمارات تتهم قائد الجيش بعرقلة مقترح وقف إطلاق النار في الس ...
- ألمانيا تفتتح أسواق عيد الميلاد وسط إجراءات أمنية مشددة
- رماد بركان في إثيوبيا يصل اليمن ويهدد عُمان والهند وباكستان ...
- ميرتس لـDW: -بإمكان الصين ممارسة ضغط أكبر في حرب أوكرانيا-
- -مؤسسة غزة الإنسانية- تعلن إنهاء عمليات توزيع المساعدات في ا ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - إفطار في نيويورك وصداه في بغداد