مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 04:17
المحور:
سيرة ذاتية
ظل عيد ميلادي يتقلب في ظلال الغموض طوال سبعة وسبعين عامًا، محددًا رسميًا في الأول من تموز 1948، دون أن يعرف أحد يوم ولادتي الحقيقي. جاء تسجيله وفق رغبات دائرة النفوس، قبل التحاقي بتلك الروضة التي قلّ نظيرها في مطلع خمسينيات القرن الماضي، حيث كان الروتين الرسمي أقدر على اختيار التاريخ من الذاكرة، وليس القدر.
لطالما شغلني هذا السؤال الصغير: كيف يحتفل المرء بيوم ميلاده الحقيقي حين يُفرض عليه تاريخ بلا ذاكرة؟
سألت والدتي، الأم العراقية الصارمة التي كابدت تربية خمسة أبناء دون الاهتمام بالطقوس، في يوم كان فيه الجو حارًا:
“أماه، هل ولدت في صيف قائظ؟”
أجابت بابتسامة خافتة:
“كلا… كانت السماء تمطر، والرياح الباردة تهز الشبابيك، والبرق يلمع في كل جانب.”
ثم توقفت، تذكرت أن ولادتي حظيت آنذاك باهتمام مبالغ فيه، كما لو أنها احتفلت بميلاد أميرٍ في قصر بعيد.
ضحكتُ: «هو الأول، وأنا الأخير… بين عائلتين، عراقية من الطبقة الوسطى، وأخرى بريطانية أرستقراطية صنعت الاستعمار».
ابتسمت والدتي، وكأنها تعيد ترتيب الحكاية في قلبها.
سنوات بعد ذلك، في مكتبة جامعة أوتاوا، وقع نظري على كتاب في تاريخ الأسرة المالكة البريطانية. بفضول من نوع آخر، بحثت عن ولادة الأمير تشارلز، فوجدت:
14 نوفمبر 1948، قصر باكنغهام، لندن.
الملك تشارلز الثالث، الابن الأكبر للملكة إليزابيث الثانية، الذي اعتلى العرش في 8 أيلول 2022 بعد وفاة والدته.
هنا أيقنت سرًا صغيرًا: ولدت في يوم خريفي ممطر، لا في أول تموز.
لكن المصادفة أن يومي يتقاطع مع يوم ميلاد ملكٍ في إمبراطورية ضخمة، بينما أنا أحتفل في حديقة صغيرة من الحب والمودة، بين أمي وذكرياتي، وفي مدينة عراقية شهدت واحدة من أعظم المعارك ضد البريطانيين قبل سنوات قليلة من ولادتي.
رغم كل الفروقات، يبقى يوم ميلادنا واحدًا، يومٌ صغير في الورق، لكنه يحمل بين طياته تاريخين متوازيين، قصتين لا تلتقيان إلا في مفارقة القدر.
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟