حين تتحول القرى إلى أحياء سكنية والاقتصاد إلى “واجهة بلا آلة”

هيثم ضمره

الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 14:20
المحور: المجتمع المدني
    

يعاني العالم اليوم من نقص السيولة، لا بسبب غياب المال فحسب، بل لأن الناس أصبحت تملك أصولًا غير قابلة للتحويل. وهذه هي المشكلة الجوهرية التي نخنق بها اقتصادنا الأردني من حيث لا ندري:
نصرف على الشكل، ونهمل الأصل؛ نستهلك ما لا ننتج، ونتباهى بما لا يدرّ أي قيمة.

خذ مثالًا بسيطًا: محل حلاقة صغير.
صاحب المحل ينفق آلاف الدنانير على ديكور “إنستغرامي” لا يصلح إلا للعرض، بينما الكرسي، الماكينة، والمغسلة هي الثروة الحقيقية لأنها قابلة للبيع والتحويل إلى سيولة عند الحاجة.
لكننا، بعقلية الاقتصاد الخدماتي، نختار الواجهة أولًا… ثم نستغرب لماذا المشروع يفشل.

هذه العقلية امتدت من المحل الصغير حتى القرية بأكملها.

الريف الأردني يفقد وظيفته

القرية الأردنية، التي كانت يومًا خزان الإنتاج الغذائي ومصدر اللبن والقمح والحلال، تحولت تدريجيًا إلى حي إسمنتي كبير:
• بيوت بلا حلال
• فناء بلا زراعة
• استهلاك بلا إنتاج
• حركة بلا دورة اقتصادية

والأغرب أن الأردني من أعلى الشعوب استهلاكًا للحوم الأغنام عربيًا، ومع ذلك معظم بيوتنا لا تضم حتى ماعزة واحدة.

السؤال الذي نخشى طرحه: لماذا لا توجد ماعز أو اثنتان في كل بيت ريفي؟

في دول العالم، نمط الاستهلاك يتبع ما هو متوفر في البيئة.
شرق آسيا تنتج الأرز… إذًا فطورهم وغداؤهم وعشاؤهم أرز.
شمال أوروبا تنتج الحليب… إذًا غذاؤهم قائم عليه.

أما نحن فنستهلك الأغلى والأندر، ولا ننتج ما بين أيدينا.
والغريب أن تربية الماعز والخراف ليست عبئًا؛ بل دورة اقتصادية صغيرة داخل البيت:
• تأكل من مخلفات المنزل
• تنتج حليبًا يوميًا يمكن بيعه
• تتكاثر كل عام
• وتشكل أصلًا قابلًا للتحويل عند الشدة

هي مدرسة اقتصادية كاملة… في حوش صغير.

النمط الاستهلاكي يقتل اقتصادنا

مشكلتنا ليست فقط في غلاء المعيشة أو ضعف الرواتب، بل في أننا شعب يستهلك أكثر مما ينتج، ويشتري ما يمكنه صنعه، ويعتمد على المستورد بدل المنزلي، ثم يتساءل: لماذا الدولار يشحّ في السوق الأردنية؟

أبسط دورة حياة للحلال ممكن أن تخفف الضغط على الاستيراد، وتفتح باب التصدير، وتدخل “العملة الخضراء” بدل خروجها.
لكن الريف تخلى عن هويته الإنتاجية… وبدأ يتشبه بالمدن.

هل نحتاج إلى إلزام؟

قد يبدو كلامًا قاسيًا، لكن السؤال مطروح:
ما فائدة القرية إذا لم تنتج؟
وما معنى المساحة والأرض دون دورة حياة غذائية؟
ليس المطلوب طرد الناس، بل إعادة تعريف الريف:
القرية وُجدت لتنتج، لا لتكون مدينة ثانية.

نحو نهضة ريفية حقيقية

مستقبل الاقتصاد الأردني لن يأتي من المولات، ولا من المطاعم، ولا من الشوارع الفاخرة… بل من:
• بيت فيه ماعز وخروف
• حوش فيه زرع
• قرية تعود إلى الإنتاج
• وأصول حقيقية قابلة للتحويل عند الحاجة

التحول يبدأ من أبسط شيء:
إعادة الاعتبار للبيت المنتج بدل البيت المستهلك.

#هيثم_ضمره (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل