هيثم ضمره
الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 10:27
المحور:
الادب والفن
من زاوية بعيدة على أطراف الخريطة،
حيث تنحني الأرض لتتنفّس وحدتها،
أكتب إليكم.
هنا، في كندا، تبدو الطبيعة وكأنها تسبق الإنسان بخطوة؛
الأرانب أكثر من البشر، رمادية كغيوم صغيرة تتحرّك فوق الثلج،
والسناجب نقاط سوداء متناثرة على ورقة خضراء هائلة،
والغزلان ليست إلا هواجس عابرة تركض بين الأشجار.
جئنا خلفها مثل ظلّ يتبع الضوء.
وكأن هذه الحيوانات كانت تهمس فيما بينها: «نحن نهرب من البشر»…
فإذا بنا نصل إليها قبل أن تكمل جملتها،
نحمل حقائبنا وأحلامنا ووجوهنا الغريبة،
ونحتلّ هدوءها.
في بلادنا كنّا نفهم لغة القطط بلا قاموس؛
المياو القصيرة تحيّة،
الممدودة جوع،
المبحوحة وجع أو شوق.
كنّا نعرف متى تتدلّل القطة، ومتى تتأهّب للقتال، ومتى تطلب الحنان.
كأننا وُلدنا ومعنا قاموس القطط في صدورنا.
أما هنا، في أرض الأرانب الرمادية،
أقف أمامها كما أقف أمام وجوه الناس:
الأرنب يحرك أنفه وأذنيه ويعضّ الهواء بصمت،
والناس يتكلمون لغة أعرف كلماتها لكن لا أفهم نغمتها.
أحيانًا يعلو صوت أحدهم فلا أدري: أهو غضب أم حماسة؟
وأحيانًا يهمس آخر فأحتار: أهو لطف أم برود؟
لا أدري: هل الأرانب تعلّمت من سكّان هذه البلاد الصمت والهدوء والحركات الصغيرة،
أم أن سكّانها أخذوا من الأرانب هذا الطبع؟
في كل الأحوال أشعر أنّي أتعلم من جديد لغة لا تُنطق بالحروف،
بل بالنبرات والنظرات وحركة الأذن.
كما كنت في طفولتي أفسّر مياو القطط،
أحاول الآن أن أقرأ أذن الأرنب الرمادي وملامح البشر هنا،
أصغي إلى صمتٍ واسع كأنّه لغة أخرى،
وأتعلّم ببطء كيف أكون جزءاً من هذا البياض.
#هيثم_ضمره (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟