هيثم ضمره
الحوار المتمدن-العدد: 8443 - 2025 / 8 / 23 - 09:21
المحور:
الادب والفن
بعد أن ضاقت بي السبل في وطني الأردن، وغادرتُه مجروحًا بقرارات جاءت من فوق، حطّت بي الطائرة أولًا في جورجيا ثم في أوكرانيا. هناك، على الحدود مع مولدوفا، وجدت قرى هادئة وناسًا طيبين، يعملون بصدق ولا يعرفون الكذب. أحببتهم وصاهرتهم، ورُزقت طفلين. لجأت إلى الزراعة لأطعم عائلتي وأعيد لحياتي بعض المعنى.
لكن الحرب جاءت على حين غفلة، مع بداية موسم الحصاد. وبما أنني صرت أحمل الجنسية الأوكرانية، فُرض عليّ أن أحمل السلاح. كانوا يريدونني أن أقاتل الروس. لكن بأي لغة؟ فأنا لا أجيد الأوكرانية، ولساني روسيّ. بأي قلب؟ وأنا الذي لا أستطيع ذبح خرافي بنفسي وأرسلها إلى المسلخ كي لا أرى الدم.
حين استدعوني للتجنيد، سألتني الضابطة:
– لماذا لم تلتحق بالجبهة؟
أجبتها: – لأنني لا أعرف كيف أقتل. حتى الخراف لا أذبحها.
ضحكت، ثم قالت:
– وماذا تعرف إذن؟
– أعرف أن أزرع.
– ومن يحرث أرضك؟
– أنا.
– ومن يقود التراكتور؟
– أنا.
ابتسمت وقالت:
– التراكتور يشبه الدبابة… إذن أنت قائد دبابة.
هكذا سلّموني دبابة، وألبسوني الزي العسكري. جلستُ في جوفها لأول مرة، مظلمة كالقبر، إلا من ثقوب صغيرة، كأنها ثقوب أمل ترى منها شمسًا بعيدة.
قادوني إلى الجبهة، لكنني انعطفت نحو حقلي. أنزلت آلة الحراثة خلف الدبابة، وبدأت أفلح الأرض. كنت محاطًا بأصدقائي، وكانت الحرب تقترب، لكنني زرعت بذوري، ورأيت في التراب حياة جديدة.
لم أقتل روسيًا واحدًا.
لقد حاربت بطريقتي: بالدبابة التي حرثت الحقل.
#هيثم_ضمره (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟