هيثم ضمره
الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 09:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثير من القادمين من الشرق الأوسط أو القوقاز إلى كندا يكتشفون سريعًا أن هذا البلد ليس المكان المناسب لمحبي المشاجرات والمناكفات. فالمشهد الكندي التقليدي في “الخناقات” أقرب إلى كوميديا سوداء: خصمان يتجادلان، أحدهما يمد يده إلى خاصرته فتظنه يخرج سلاحًا، لكنه يسحب هاتفه ويوجهه نحو خصمه موثّقًا، فيرد الآخر بهاتف أكبر حجمًا وسط صراخ محدود ثم انصراف هادئ. لا تدخلات، لا دماء، بل توثيق وانتظار حكم القانون.
هذا السلوك ليس صدفة، بل انعكاس لثقافة قانونية راسخة: الناس يثقون في أن القضاء سينصفهم إذا امتلكوا الدليل. حتى في دول أخرى بدأت هذه الثقافة بالظهور؛ ففي مصر، مثلًا، وثّق شاب اعتداءً عليه بدل أن يردّ بعنف، في إشارة إلى تحوّل تدريجي نحو الثقة بالمؤسسات القضائية.
لكن على مستوى العلاقات الدولية، ما زال هذا التحوّل بطيئًا. الضربة الأخيرة التي استهدفت قطر مثّلت انتهاكًا صارخًا لسيادتها وتهديدًا لحياة مدنيين ومقيمين ومستخدمي أجوائها. مهما كانت المبررات، يظلّ هذا السلوك خروجًا على الأعراف والأخلاق السياسية ويكشف ضعف أدوات القانون الدولي في حماية الدول الصغيرة والوسطاء.
احترام القانون الدولي ليس موقفًا عاطفيًا أو قوميًا، بل ضرورة لنظام عالمي مستقر. قطر كانت تلعب دور الوسيط في أزمات تؤرّق العالم، ومع ذلك تُعاقب بالاعتداء عليها. وفي الوقت نفسه، تواصل حكومة نتنياهو سياسات تجهض الوسطاء وتقوّض فرص السلام، وهو ما يفاقم صورة إسرائيل دوليًا ويزيد من تعاطف العالم مع القضية الفلسطينية التي دفع أصحابها دماءهم ثمنًا لها.
إنّ ما يحدث في كندا على مستوى الأفراد ـــ ثقة بالقانون وتوثيق بدل العنف ـــ هو ما يحتاجه العالم على مستوى الدول. إذا انتقلنا من “مبارزات السلاح” إلى “مبارزات القانون” يمكن للقانون الدولي أن يكون إطارًا حقيقيًا لحماية السلم والأمن العالميين.
#هيثم_ضمره (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟