هيثم ضمره
الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 09:55
المحور:
الادب والفن
في إحدى السنوات، كنت أعمل في مزرعتي بأرمينيا، وكان معي شاب مصري بسيط يساعدني في العمل.
ولأنني أحب الشعب المصري وأقدّر روحه الطيبة، لم أتعامل معه من موقع “صاحب الشغل”، بل من موقع الرفيق في الطريق، فالمصري بطبيعته يعرف حدوده، ويُحسن المزاح دون أن يتجاوز، ويحتفظ بكرامته حتى في أبسط المواقف.
وفي أحد الأيام، بينما كنا نسير بين خطوط الزراعة، مدّ يده إلى جيبه وأخرج بيضة، ثم ناولني إياها وقال بابتسامة عفوية:
“اتفضل يا باشا”.
لم أفهم في البداية ما الذي يجري، لكنه مدّ يده من الجيب الآخر، وأخرج بيضة ثانية، ضربها بحجر، قشرها، ثم أكلها بسرعة مع لقمة خبز وشربة ماء، قبل أن يعود إلى عمله بابتسامة هادئة، وهو يقول ببساطة:
“أصلّي ما فطرتش”.
ذلك المشهد القصير علّمني أكثر مما علّمتني كتب الحياة.
علّمني معنى الرضا، ومعنى أن تكون قنوعًا دون ضعف، ومكافحًا دون شكوى.
في تلك اللحظة، أدركت أن المصريين لا يعيشون فقط في الجغرافيا، بل في فلسفة الحياة نفسها.
هم يعرفون كيف يبدأون من الصفر، وكيف يبتسمون حتى في التعب، وكيف يحافظون على كرامتهم في كل الظروف.
ومنذ ذلك اليوم، كلما سافرت ورأيت مصريًا في مطار أو مصنع أو جامعة، تذكرت تلك البيضة وتلك اللقمة.
في المطارات المصرية، ترى لوحة بشرية متكاملة:
أطباء، مهندسون، عمال، طلاب، فنيون…
كلهم أبناء ثقافة واحدة تعلّمت عبر الأجيال أن الهجرة ليست هروبًا، بل محاولة جديدة للحياة.
المصري يعرف متى يسافر، وإلى أين، وماذا يأخذ معه، وكيف يبدأ من جديد حتى لو لم يكن يتقن اللغة.
لديه ذكاء فطري يجعله يتأقلم مع أي أرض، ويصنع فيها نجاحًا صغيرًا يتحول بمرور الوقت إلى قصة كبيرة.
مصر ليست مجرد دولة؛
مصر مدرسة كبرى للوطن العربي.
من الفن إلى الزراعة، من الطب إلى الحرف اليدوية،
لا يمكن لأي مشروع عربي أن ينجح إن لم يمر عبر التجربة المصرية،
لأن فيها روح الإصرار، وحكمة البساطة، ونبض الناس الحقيقيين.
لهذا أقولها من القلب:
تحية للشعب المصري…
وتحية لكل يد مصرية علّمتنا كيف نحب العمل بصمت،
وكيف نحافظ على الكرامة حتى في لحظة الجوع.
#هيثم_ضمره (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟