هيثم ضمره
الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 20:40
المحور:
المجتمع المدني
في زمنٍ مضى، كان من يريد أن يعبّر عن ضيقه أو عتبه، يختار كلماته بعناية في مجلسٍ ضيّق، أو يرسل رسالةً تحمل ما في قلبه من عتاب.
أما اليوم، فصار العتاب علنياً، والشكوى عامة، والوجع منشورًا.
هكذا وُلد ما يمكن أن نسمّيه: “النواح الإلكتروني”.
لم يعد المثل الشعبي “الحكي إلك واسمعي يا جارة” مجرّد استعارة قديمة،
بل تحوّل إلى أسلوب حياة رقمية.
نكتب “بوستًا” نُلمّح فيه لشخصٍ بعينه دون أن نذكر اسمه،
ننشر “ستوري” غامضة لعلّه يفهم الإشارة،
ونغرّد بحروفٍ مكسورةٍ على أمل أن تصل إلى من لم نعد نجرؤ على مواجهته.
هذا النواح الجديد لا يَصدر من قلبٍ يريد الفهم، بل من نفسٍ تبحث عن جمهورٍ يسمع لا عن شخصٍ يُصلح.
نحن لم نعد نعبّر لنُشفى، بل لنُشاهَد.
ولعلّ أخطر ما في هذه الحالة أن الشكوى لم تعد طريقًا نحو الحل، بل أصبحت أسلوبًا للوجود في الفضاء الرقمي.
في الماضي، كان الإنسان إذا تألم، لجأ إلى الصمت أو إلى صديقٍ يسمعه،
أما اليوم، فقد صار أول ما نفعله حين نتألم،
أن نفتح الكاميرا ونكتب: “في ناس بتطعنك وانت بتحبها”.
ثم نغلق الهاتف معتقدين أننا تخلّصنا من الألم،
بينما كل ما فعلناه هو أننا أضفنا وجعًا جديدًا… اسمه التعليقات.
وسائل التواصل الاجتماعي لم تغيّر ما في نفوسنا،
لكنها كشفت هشاشتنا أمام الآخرين.
أظهرت كم نحن بحاجة إلى الانتباه، إلى التعاطف، إلى “القلب” و”الريتويت”،
حتى صار التفاعل بديلًا عن التفاهم،
والتعليق عزاءً مؤقتًا عن الإصغاء الحقيقي.
لقد جعلتنا هذه المنصات نعيش في ضجيجٍ من البوح،
لكن دون دفء الحوار.
نشتكي كثيرًا، نعاتب كثيرًا، نلمّح كثيرًا،
لكننا لا نواجه، ولا نُصلح، ولا نُسامح.
النواح الإلكتروني ليس مجرد عادةٍ جديدة،
بل مرآةٌ لزمنٍ فقد فيه الناس مهارة المواجهة،
واستبدلوا الصدق بالمحتوى، والعتاب بالإشارة،
والقرب بالمتابعة.
وربما…
حين نصمت قليلًا عن النشر، ونختار أن نتحدث وجهًا لوجه،
سندرك أن الوجع لا يحتاج جمهورًا،
بل إنسانًا واحدًا فقط… يسمعك بصدق.
#هيثم_ضمره (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟