هيثم ضمره
الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 08:16
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لم تكن إيرينا زاروتسكا سوى زهرة خرجت من ركام أوكرانيا تبحث عن شمس جديدة. في حقيبتها الصغيرة جمعت ما تبقّى من أحلامها، وقطعت طرقات طويلة ملأى بالغبار والدموع، بين حافلة وأخرى، حتى وصلت إلى بولندا. هناك كان المطار بوابة خلاصها، وحين أقلعت الطائرة نحو الولايات المتحدة، أغمضت عينيها ونامت كما ينام الأطفال بعد بكاء طويل. كانت تظن أن الرحلة انتهت، وأن الحرب خلفها، وأن أمامها عمراً جديداً.
بين البيتزا والحلم
في شارلوت بولاية كارولاينا الشمالية، وجدت عملاً متواضعاً في مطعم بيتزا قريب من منزلها. لم تكن تملك ثروة، لكنها كانت تبني حياة من الطين، لبنة فوق لبنة، وتزرع الأمل مثل من يسقي نبتة صغيرة كل صباح. كانت تؤمن أن الغد أفضل، وأن الأرض الجديدة ستعطيها فرصة للسلام والكرامة.
الطعنة الأخيرة
لكن القدر خبأ لها غدراً يشبه الحروب التي هربت منها. في مساء 22 أغسطس 2025، جلست في القطار الخفيف عائدة من عملها، منهكة كما اعتادت أن تكون بعد يوم طويل. خلفها جلس رجل غريب، يحمل داخله ظلاماً ثقيلاً. فجأة، ومن دون كلمة، أخرج سكيناً وطعنها ثلاث مرات. واحدة في رقبتها… كأنها سهم أطفأ صوتها قبل أن تصرخ. لم تدافع، لم تحتج. فقط أعادت استسلامها القديم، ذلك الذي عرفته في زمن الحرب: صمت، وانحناء، وانطفاء بطيء.
موت الحلم
نزفت إيرينا على أرضية القطار دقائق قليلة، كأنها آخر صفحات كتابٍ لم يكتمل. حولها وقف الركاب مذهولين، وصورتها في لحظة الرحيل اختزلت حكاية كاملة: فتاة تركت الدبابات لتلقى خنجراً في بلد السلام. رحلت بصمت، كما رحل معها حلمها، بل حلم جيل كامل يظن أن أمريكا بوابة النجاة، فإذا بها تتحول إلى مقبرة الشباب.
رمز أبدي
إيرينا لم تكن مجرد فتاة أوكرانية تبيع البيتزا. كانت مرآة لجراح الحرب، وشاهداً على أن العنف لا يعرف حدوداً. كانت ملاكاً صغيراً أراد فقط أن يطبخ، أن يضحك، أن يعيش، لكنه وجد نفسه ضحية جديدة في عالم يزداد قسوة. رحلت، لكن صورتها ستبقى شهادة دامغة: أن حتى الملاك، حين يهرب من جحيم الحرب، قد تلاحقه الطعنة في مكان لم يكن يتوقعه.
#هيثم_ضمره (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟