أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (تأبَّطَ البريكانُ قِردَهُ وامتطى فراشةً وشقَّ العُبابَ)














المزيد.....

(تأبَّطَ البريكانُ قِردَهُ وامتطى فراشةً وشقَّ العُبابَ)


سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 15:04
المحور: الادب والفن
    


عَدَدْتُ مائدتي وَهَيَّأْتُ الكؤوسْ
متى يَجِيءُ الزائرُ المجهولُ؟
" محمود البريكان"

التقدمة:
في هذا النص، يخرج البريكان من ظلاله الأخيرة، لا كشاعرٍ مقتولٍ في غرفة، بل ككائنٍ أسطوريٍّ يجرُّ ظله ويغامر في المجهول.
إنه لا يمتطي فراشةً فحسب، بل يمتطي استعارةً عن هشاشة الوجود، وعن رحلةٍ لا يصل فيها أحدٌ إلى أحد، حيث القردُ ليس قردًا، بل مرآةٌ للوعي الذبيح، و«الفراشة» ليست فراشةً، بل أثرُ روحٍ تعبر من هواءٍ إلى هواءٍ.
اللغة هنا ليست أداةً، بل متاهة، والعالم ليس مكانًا، بل صدًى يتلفت.
1
فَضَضْتُ الفانوسَ
وانسلخ الضوءُ كما تنسلخُ خرافةٌ من ليلها.
قُمْرةُ القبطانِ رشَّتْ على وجهي
حُشودًا من انتظارٍ أعمى،
وفي منزلِ المرايا
كنتُ أهيمُ بحرفٍ من نارٍ
يتلوّى في مهبٍّ تعرّجَ بين درابينِ الزبير،
باحثًا عن رحلةٍ
علقتْ في مخيلتي هلاكًا،
وفي طرفِ القمر
كان القردُ يحلم بالغابةِ النائية
كما يحلم المنفيُّ بأصلٍ لم يعُدْ له.
2
قردٌ…
قردان…
خمسةُ قرود…
ثمانيةٌ…
أيقوناتٌ تتجاورُ كما تتجاورُ الأرواحُ في برزخٍ بلا زمن.
الدلوُ والموزةُ…
عوالمُ متداخلةٌ،
مفتوحةٌ مغلقةٌ،
مثل صدري.
قبل توقّفِ الزمنِ الأخير
خَلَتِ الموانئُ واضطرب المدُّ،
تعجْعجتِ القرودُ،
وأغدقتِ العجقةُ،
وانطفأتْ العيونُ عن الإبصار.
قواربُ الأشباحِ أرفأت،
والبحرُ سُجّر،
وتشاجرتْ على الرصيف
النجومُ والأنواء.
الريحُ تعكسُ رعشةً
تحملها الصخورُ،
والطيورُ بين سورٍ وسورٍ
تتبعها النسورُ
كما يتبع الموتُ خطاه.
3
باقٍ من العمرِ في القلبِ
عوسجةُ غربةٍ،
وقرودُ الدرب،
وتعويذةُ الرب،
ودرْجُ البهجة.
في الشورجة مالَ بالقلقِ نصفُ الطريقِ،
ومن قصفةِ ياسمينِ قصرِ الخضراءِ
لمعةُ الأصفرِ على الحواف.
ومن رائحةِ العشقِ البصريّ
أكليلُ نعشي.
يباعدنا المدى
ويقاربنا الندى؛
ليس بيننا سوى
باقةٍ،
مائدةٍ،
قصيدةٍ،
كأسٍ،
وزوّادةٍ ممتلئةٍ برائحةِ الندِّ،
وفسحةٍ ضيقةٍ كالسجن في الهواء.
جبانةٌ عريقةٌ تشيعُ عجائزَ الحكايات،
وطروسٌ تتضوعُ أراجيز.
لمعتِ المرآةُ، فلا تفزع:
أوقدتُ القناديلَ الصغارَ
من بقية زيتٍ كان يضيء،
لكنّ الانتظار طال…
وطال…
وطال.
4
جذبه بصيصُ نورٍ
كفراشةٍ من دخان،
تحومُ خارجَ السورِ.
المدارُ سينغلق،
والساعةُ السوداءُ ستُشلّ،
والريحُ صولجانُ غيابٍ،
والنسورُ خلف الطيورِ
تنتظرُ سقطةً واحدة.
كلما تناءتْ المسافةُ
تعمّق الحساب،
وشقَّ طيفُ ربابٍ
تخومَ القلب.
الفراشةُ لا تقرأ:
الحوائجُ خرائطُ،
والخرائطُ حوائطُ،
والحوائطُ علاماتٌ.
سقطتْ…
هاويةٌ معتمةٌ
ارتدَّ لها صدى الارتطام،
وصمتٌ… صمتٌ عميقٌ…
فصاح الغريق:
عرفتُ للتو… عرفتُ.
5
فخفتُ إليه
ونفقٌ من حديد
يؤدي إلى نفقٍ من حديد،
وحُلْمٌ من صفيح
يصطكُّ في جسدي.
6
حُزني
آهاتُ أشلاءِ كاميليا
تذروها هبةُ دخان.
أعتمرُ جرحَ القرنفل،
وأغتسلُ بوهجِ وطنٍ هشّ،
توه في المملحةِ،
بين أثلةِ السندبادِ وشجيرةِ الحناء.
سقطت الفوانيسُ دون صوت،
وتربّعتِ الرياحُ
سيدةً على الفراغ.
أكتبُ بظلي،
وأمحوه بذرق النجوم،
وأتركُ كلماتي
تطوفُ حول خرائبِ الشناشيل
كهسهسةِ أطفالٍ بلا بيت.
أراكَ، أيها الفراغ،
كقدحٍ من غباشِ بويب،
وردةٍ مهرها قدسي،
كهذي البلادِ…
بلادٌ تكتبُنا أكثر مما نكتبُها.
7
صفوفٌ من الدفوفِ على الرفوف: دفّ دفّ
صفوفٌ من الكفوفِ على الجروف: كفّ كفّ
صفوفٌ من الطفوفِ: طفّ طفّ
يا عراق…
كنتَ وما زلتَ
منزلةً تتكررُ بلا انتهاء،
والليلُ فيك عسعسَ
ولم يبرح.
8
لا تنفعُ غيمةٌ لا تسقي،
ولا دمعةٌ لا تغسل،
ولا كلمةٌ لا تُقال،
ولا ظلٌّ لا يتبع صاحبَه.
9
وعاها البريكان،
ضجّت أبواقُ الغزاة،
وقاتل الطواحينَ بقصيدةٍ
ينحتُ جذورَ الملحِ
في الحقولِ والجداولِ والفصول.
أستنطقَ الموتى،
ورأى ما كان ثم يكون.
وجهُهُ صمتٌ من رماد،
وقميصُهُ غباشُ السراب.
قال:
تسيئون فهمي إنْ رأيتم حزني فقط.
كان الرجلُ ظلَّه،
وكان الظلُّ شاعرَه،
وكان الشاعرُ ظِلَّه،
وكانت وجهةُ نظره
هي وجهةُ نظرِ ظله،
ووجهةُ نظرِ ظلِّه وجهةُ نظره.
نشدتُ الفرح،
لكن حملي ثقيل.
10
أصلح ظلَّهُ ملكَ ظلِّه،
وازدحم به، وازدحم به ظلّه.
من عتمةٍ تعلكُ الشعرَ
شيّد مبكاهُ:
حائطُ رمادٍ
يُعلّقُ عليهِ شبحًا
هو وظلّه.
بقي الشعر متعلقًا به،
وظلُّ الشعر معلقًا بظله،
وبقيا هما والقصيدة
معلَّقين كدمعةٍ في عين،
كشمعةٍ في ريح،
كنورسٍ ضيّع الطريق.

هوامش سيميائية :
1. القرد: رمز الوعي الهارب، المراوغ، والعقل الذي لا يستقر.
2. الفراشة: تجسيد الروح الرقيقة، والرحلة بين عالمين.
3. البريكان: يُستعاد هنا ككيان أسطوري، لا كسيرةٍ تراجيدية.
4. الدوائر والزمن: فكرة «المدار المنغلق» تحيل إلى العود الأبدي النيتشوي.
5. الطفوف: استعادة لرمزية الدم المقدس في الوعي العراقي.
6. الظل: الذات المشطوبة، والوعي الثاني.



#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (أرائِك الياسمين)
- (مَناجاةُ سالِكٍ يَتَخَلَّلُهُ النَّفَسُ الأوَّل) (عافَنِي ا ...
- (نصٌّ على تخوم الرؤيا)
- (سِفْرُ السِّدْرَةِ) (محو وصحو)
- (جفنات غائمة وطيور هائمة)
- (وَجْهُ الوَطَنِ )
- (وَجْهُ الوَطَنِ)
- ( مَسَافَاتُ النُّورِ الْخَفِيِّ ) (العبور إلى المجهول)
- (مِرْآةُ القَندِيلِ: من الغيابِ إلى دهشةِ العرشِ)
- (الرَّمادُ والرُّمّانُ)
- )قراءة جديدة لقصيدة سابقة (
- (مَجازُ الطِّين)
- (صَهِيلُ النُّبُوءةِ)
- (لا تُشْعِلْ مِلْحَكَ في الطِّين)
- (سِفْرُ التَّبَدُّدِ)
- (مارْشٌ، رَصاصَةٌ، أُفْعى، أَفْيونٌ)
- (تجَلٍّ في المِرآة) (وَصَيْدُ عُرْيِ الرُّوحِ)
- (القلق شعرية بين الرمز والتلقي والسيمياء - قراءة في قصيدة شل ...
- (رَغبةٌ تُراوِغُ شكلَها)
- (ماءُ الْآهِ)


المزيد.....




- محمد إقبال: الشاعر والمفكر الهندي الذي غنت له أم كلثوم
- فلسطين تتصدر المشهد في مهرجان الدوحة السينمائي 2025.. 97 فيل ...
- رسائل وأمنيات مخبّأة في قلب بروكسل تركها بناة المدينة
- بعد وفاة بطلته ديان كيتون.. العمل على إنتاج جزء ثانٍ من Fami ...
- البرلمان يقر تشديد شروط تعليم اللغة السويدية للمهاجرين
- انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب بشعار -عاصمة الثقافة.. وطن ...
- -عين شمس- و-بغداد- تتصدران الجامعات العربية في -الأثر البحثي ...
- في ترجمة هي الأولى وغير مسبوقة: ‎الشاعر والمترجم عبد الله عي ...
- الوكيل؛ فيلم وثائقي يروي حياة السيد عيسي الطباطبائي
- تهديدات بن غفير.. استراتيجية ممنهجة لتقويض السلطة والتمثيل ا ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (تأبَّطَ البريكانُ قِردَهُ وامتطى فراشةً وشقَّ العُبابَ)