أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - منذر علي - الصفقة بين التاجر الأميركي والسياسي السعودي في زمن الانحطاط العربي!














المزيد.....

الصفقة بين التاجر الأميركي والسياسي السعودي في زمن الانحطاط العربي!


منذر علي

الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 08:04
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


ليس في الأمر ما يدعو إلى الدهشة. فحين يعلن السياسي السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عزمه على استثمار تريليون دولار في الولايات المتحدة، ويعده التاجر الأميركي دونالد ترامب بمناقشة صفقة طائرات الـF–35، وبـ" تحالف استراتيجي"، يضمن الأمن والاستقرار، لا نتحدث عن حدث اقتصادي أو تفاهم دبلوماسي، بل عن مشهد من مسرحية طويلة عنوانها: كيف يشتري الضعيف الوهمَ من القويّ، وكيف يبيع التاجر الحلمَ للدائن؟

في هذه المسرحية، لا توجد حدود واضحة بين الزبون والحارس. فواشنطن — بمهارة السوق وبداهة المقامر — تبيع للسعودية ما صدّرتْه إليها من خوف، ثم تعيد تغليفه على هيئة "ضمانات أمنية" و"تحالفات استراتيجية". أما الرياض، فإنها، من موقع المشترِي المطمئن، تعتقد أنَّ الأمان يمكن استيراده كما تُستورد السلع الفاخرة، وأنَّ الحماية يمكن أن تُشترى بالنيّات الطيبة ورزم الدولارات.

وإذا كان ترامب قد أتقن، أكثر من أي سياسي أميركي، فنّ تحويل السياسة إلى صفقة عقارية، فإنه يجد في الشريك السعودي زبونًا مثاليًا: مليء الجيوب، قليل الأسئلة، مسكون بهاجس التفوق الرمزي. فباسم بناء "التحالف"، تُمنح واشنطن شرعية أخلاقية جديدة في الشرق الأوسط، وتُقدّم السعودية نفسها لا كحاضنة للحرمين الشريفين، بل كمستثمر متلهّف في أسواق “الكفار"، يستمد شرعيته من رضاهم.

في ظاهر المشهد، يبدو أنَّ "المسلمين" يودعون أموالهم في الخزائن الأميركية، وأنَّ "الكفار" يبادلونهم ضمانات بعدم المساس بالمقدسات! لكن باطن الصورة أكثر فجاجة: الإمبريالية الغربية ما زالت تمارس وظيفتها القديمة، تنهب موارد الأمم البائسة برضا حكامها، وتبيع لهم الخوف كي تشتري الولاء. أمّا هؤلاء الحكام، فيرون في الإذعان ذكاءً، وفي الافتتان بالهيمنة دليل حداثة.

فـ "التحالف الاستراتيجي" الذي يَعِدُ به ترامب ليس اتفاقًا بين دولتين متكافئتين، بل عقد إدارة يُلزم أحد الطرفين بدفع الأتاوة سنويًا مقابل الشعور بالأهمية. و"الاستثمار" الملياري ليس إلا إعادة تدوير للنفط في خزائن وول ستريت، حيث يتحول المال العربي إلى وقودٍ جديد لآلة الهيمنة. وحتى صفقة طائرات الـ F–35 ليست سوى مجاز ساخر: يشتري الحاكم طائراتٍ لا تحلّق إلا بإذن من بائعها، ليؤكد سيادته بوسائلَ تظل خاضعةً لسلطة من صنعها.

ومن ناحية أخرى، لا يُخفى الطابع النفسي لهذا التبادل غير المتكافئ. فترامب، التاجر الذي يرى العالم شركاتٍ وأسواقًا، يبتسم كمن باع صحراءً جديدة في مزادٍ دولي، بينما الأمير الشاب يبتسم بدوره مبتَهجًا بالشراء — فالصفقة، في النهاية، تشتري له وهمًا يلمّع صورته في الداخل، وتمنحه شرعية الوكيل لا شرعية الحاكم.

وفي هذا الزمن العربي المعلّق بين أيديولوجيا الثراء وسردية الاستتباع، يصبح الهوان جزءًا من الديكور السياسي. فالقوة لم تعد امتلاك السلاح، بل القدرة على الدفع، والاستقلال لم يعد سيادة القرار، بل تنويع مصادر الوصاية. ليست هناك مؤامرة بقدر ما هناك نكتة فاحشة تمارسها الأمم "المتحضّرة" على شعوبٍ لا تزال تصدّق أن من يسرقها يحميها.

يا له من زمنٍ كئيب – زمنٍ يُستورد فيه الأمن، وتُصدّر فيه الكرامة، وتتحول الحماية إلى سلعةٍ قابلةٍ للتقسيط. زمنٍ يضحك فيه التاجر الأميركي حتى البكاء، ويصفّق فيه السياسي العربي حتى العار. ومع ذلك، لا يزال المشهد يُقدَّم إلينا بعباراتٍ أنيقة: "تحالف استراتيجي"، "استثمار تريليوني"، "رؤية جديدة". لكنها، في جوهرها، رؤية قديمة جدًّا: الرؤية التي ترى في الانبطاح دبلوماسية، وفي الإنفاق الوطني قنطرةً إلى الرضا الإمبراطوري.

ربما كان دوستويفسكي سيجد في هذه الصفقة رواية أخرى عن الجريمة والعقاب، لكنّ الجريمة هنا تُرتكب بالابتسامة، والعقابُ يُنفّذُ بصمت. أما نحن — الشعوبَ المأخوذةَ بالدهشة — فلا يسعنا سوى أن نصفّق بحذرٍ حتى لا نزعج الممولين، أو نثرثر في المقاهي عن "عقلانية السياسة" التي جعلت من التبعية شكلًا من أشكال الحداثة.

يا له من زمنٍ كئيب فعلًا — زمنٍ يبيع فيه العربُ كرامتهم بالتجزئة، ويشتري الأميركيّ ضمائرهم بالجملة.



#منذر_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف العربي المأجور واليهودي الحر: قراءة في خطاب الخيانة و ...
- انتصار الإنسان في قلب الرأسمالية: قراءة في تجرِبة زهران ممدا ...
- الإمارات: دولة الحرب الوظيفية في خدمة الصهيونية والإمبريالية ...
- مؤتمر ترامب للسلام في شرم الشيخ هندسة ماكرة لصراع جديد!
- دونالد ترامب وصناعة الخراب: قراءة في أخلاق القوة والتواطؤ!
- رسالة مفتوحة إلى الأخ عبد الملك الحوثي: نداء للتبصر والمسؤول ...
- رسالة مفتوحة إلى مجلس القيادة الرئاسي اليمني: نداء للتبصر وا ...
- الاعتراف البريطاني بفلسطين: خطوة صائبة لكنها غير كافية!
- قمة الدوحة بين الجدية العربية والعبثية العبرية!
- الصهاينة في عدن: مشهد عبثي في مهد الثورة التحررية!
- العدوان الصهيوني على الدوحة وصنعاء وازدواجية الموقف العربي!
- التافهون الخونة لهم صرختاهم البغيضة أيضًا!
- اليمن في مرمى المشروع الصهيوني!
- هل يجوز نزع سلاح المقاومة اللبنانية؟
- رِهان الحكام العرب على سراب الصهيونية!
- رحيل صنع الله إبراهيم… صوت الذاكرة والاحتجاج!
- الوطنية بين وهم الانتماء وأدلجة الولاء: أيهمَا الأصل وأيهمَا ...
- إسرائيل تفترس سوريا وتعيد هندسة العالم العربي!
- ألا يستحق زعماؤنا جائزة نوبل... للسلام؟
- إيران: إرادة لا تُقهر بين النصر الرمزي وتحديات الهيمنة!


المزيد.....




- السعودية.. فيديو رد محمد بن سلمان على من راهن بارتدائه بدلة ...
- ميشيل يوه تخطف الأنظار بفستان -ضخم- في نيويورك
- مصر.. علاء مبارك يبرز -ردا ذكيا- من محمد بن سلمان أمام ترامب ...
- شاهد رد فعل فلسطينيين من غزة على تصويت مجلس الأمن على خطة تر ...
- -لم يفعلها من قبل لأحد-.. فيديو أسلوب استقبال ترامب لمحمد بن ...
- لماذا تثير خطة ترامب لبيع طائرات F-35 للسعودية جدلا واسعا؟
- فيديو لمقاتل برازيلي يبكي في أوكرانيا.. ما الحقيقة؟
- حقيقة فيديو لـ-حريق حافلة معتمرين هنود- قرب المدينة المنورة ...
- ترامب يكشف -مجلسا دوليا- غير مسبوق لغزة
- ماذا يعني تصنيف السعودية -حليفا رئيسيا- خارج الناتو؟


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - منذر علي - الصفقة بين التاجر الأميركي والسياسي السعودي في زمن الانحطاط العربي!