حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 20:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ الأثر (Contagion) كشفرة كينونية: تجاوز الدقة التقنية في السحر المحاكي إلى تأسيس التطابق الوجودي عبر شبكة الترابطات
إن مفهوم الأثر (Contagion)، أو السحر الإنتقالي، يمثل حجر الزاوية في فهم آليات الإتصال الكينوني السحري، ويقدم تفسيراً فلسفياً لسبب عدم إحتياج السحر المحاكي إلى دقة تقنية متناهية. هذا المفهوم ينطلق من فرضية أن أي شيئين كانا متصلين مادياً في الماضي، يظلان متصلين جوهرياً على المستوى الوجودي، حتى بعد إنفصالهما الفيزيائي. بعبارة أخرى، يصبح الإتصال المادي السابق بمثابة بصمة كينونية دائمة، تسمح بإنشاء جسر طاقي ورمزي بينهما، مما يلغي الحاجة إلى الإعتماد الكلي على المحاكاة الشكلية الدقيقة للهدف. يُعدّ الأثر بمثابة المُكَوِّن المادي الحاسم الذي يمنح المحاكاة الرمزية قوتها وتوجيهها. فبينما تعمل الدمية أو الصورة كـمفتاح رمزي عام يحدد هوية الهدف سواء كان ذكر/أنثى، بالغ/طفل، فإن قصاصة الشعر، أو قطعة الملابس، أو حتى التراب من موطئ قدم الهدف، تعمل كـشفرة كينونية فريدة تضمن أن الطاقة الموجهة عبر الطقس تصل إلى الهدف المقصود بذاته، وتؤسس رابطاً شخصياً لا يمكن فصله أو نسخه. هذا الرابط الانتقالي هو ما يضمن دقة التوجيه في الممارسة السحرية، حيث يصبح التركيز على دمج الأثر في الدمية أو الطقس أهم بكثير من دقة نحت تفاصيل وجه الدمية أو قياسات الجسم، لأن قوة الإتصال تكمن في الجوهر المنقول مادياً، لا في الصورة المصطنعة. من منظور أنطولوجي عميق، يمكن النظر إلى الأثر كدليل مادي على أن الوجود ليس مجموعة من الكيانات المنفصلة، بل نسيج متصل ومترابط. عندما ينفصل جزء مادي مثل الشعر عن الجسم الأساسي، فإنه لا ينفصل كلياً عن شبكة الطاقة الكلية للهدف. بل يبقى هذا الجزء يحمل التردد الوجودي الأصلي للجسم الذي إنفصل عنه، ويظل يهتز على نفس الوتيرة الطاقية. بالتالي، فإن التعامل السحري مع هذا الأثر يُعادل التعامل مع الهدف نفسه على مستوى الوجود غير المرئي. يُصبح الأثر بمثابة مكثف طاقي ينقل النية من الساحر إلى الهدف عبر قناة متأسسة ومضمونة سلفاً بالإتصال المادي القديم، مما يجعل الدقة التقنية للمحاكاة مجرد عامل ثانوي يعزز النية، ولكنه ليس الشرط الأساسي لفاعلية الإتصال الكينوني. هكذا، يتضح أن الممارسة السحرية لا تسعى إلى تحقيق التطابق المادي بالمعنى العلمي، بل تسعى إلى تأسيس التطابق الوجودي عبر قناتين متكاملتين؛ الأولى هي الرمز (المحاكاة) التي تحدد الهدف عموماً، و الثانية هي الأثر (الإنتقال) التي تخصصه وتؤكد الإتصال به على مستوى الجوهر الكينوني. هذا المزيج من الرمز والأثر يحرر الساحر من قيود الدقة التقنية المملة، و يحول تركيزه نحو الجانب الأعمق والأكثر فاعلية؛ قوة النية، ودقة الطقس، والقدرة على تفعيل الروابط الخفية في شبكة الوجود. هذا التأكيد على الأثر يؤكد أن السحر هو علم للترابطات والجوهر، وليس مجرد محاولة ساذجة لمحاكاة الواقع المادي.
_ إقتصاد الطاقة الكينونية في الطقس السحري: تحليل فلسفي لإشكالية التوليد الذاتي للطاقة عبر مبدأ التغذية الراجعة والتحول من المصدر إلى المُبرمِج التقني
تُعدّ إشكالية التوليد الذاتي للطاقة الروحانية في الطقوس السحرية واحدة من أعمق المسائل الفلسفية التي تواجه ممارسات السحر العليا، و هي ترتبط مباشرة بمفهوم إقتصاد الطاقة الكينونية. فالتقليد السحري، بشقيه الشرقي و الغربي، يفترض في الغالب أن الطاقة اللازمة لتفعيل التغيير (الطقس) يجب أن تُستمد من مصدر خارجي أو داخلي نشط: إما من الكينونة البشرية للساحر كالإستنزاف الذاتي للجهد و التركيز والإرادة، وإما من مصادر خارجية كإستمداد الطاقة من قوى طبيعية، كائنات روحانية، أو التضحية. السؤال عن إمكانية تصميم الطقس تقنياً ليولد طاقته ذاتياً هو محاولة لتجاوز هذا المأزق الأنطولوجي، و الوصول إلى نظام سحري يعمل بمبدأ الحركة الأبدية للطاقة الروحانية، و هو ما يمكن تحليله من منظور فلسفي عميق يركز على إعادة تعريف مفهوم القناة والمُفَعِّل بدلاً من المُنتِج والمُستَهْلَك. إن الفكرة القائلة بأن الطقس يمكن أن يُصمم تقنياً ليولد طاقته ذاتياً تتطلب إعادة نظر جذرية في مفهوم الكينونة البشرية كـبطارية تقليدية في السحر. في النماذج السحرية القديمة، يُنظر إلى الساحر على أنه مصدر الطاقة (المُعطي)، وبالتالي فإن التفعيل السحري الناجح يؤدي حتمًا إلى إستنزاف طاقي (إستهلاك الكينونة). لكن إذا نظرنا إلى الطقس كـنظام تحويلي أو مُحفّز كينوني، وليس كـمُستهلك للطاقة، فإن الإشكالية تتغير. يصبح التوليد الذاتي ممكناً إذا إستطاع الطقس أن يلتقط الطاقة الموجودة بالفعل في النسيج الكوني (شبكة الوجود) وأن يُعيد تدويرها وتكثيفها بدلاً من إنشائها من العدم الذي يتناقض مع مبدأ بقاء الطاقة. في هذه الحالة، يتوقف الساحر عن كونه المصدر ليصبح القناة المُنظِمة أو المُبرمِج التقني الذي يضمن جريان الطاقة وتوجيهها من مصدر كوني غير محدود إلى الهدف المراد، دون أن يستنفذ ذاته في عملية التوليد. النموذج التقني لتوليد الطاقة الذاتية يتطلب أن يكون تصميم الطقس مبنياً على مبدأ التغذية الراجعة الإيجابية (Positive Feedback Loop). وهذا يتحقق عبر ثلاثة محاور فلسفية متداخلة: أولاً، الإستثمار الرمزي المرتجع حيث يتم تصميم الطقس ليكون نتيجته (التحقق السحري) مصدرًا للطاقة يستمر في تغذية الطقس نفسه أو الطقوس اللاحقة، مما يخلق سلسلة متصلة لا تنضب. ثانياً، الإستمداد من مصادر محايدة كإستغلال قوى فلكية أو هندسية كالأوفاق والأشكال المقدسة التي تُعتبر خزانات طاقية كامنة في الكون، لا يتطلب تفعيلها إستنزافاً بشرياً كبيراً بقدر ما يتطلب دقة تقنية في التوقيت والترتيب (سر التداخل). ثالثاً، التحويل الوجودي للوعي حيث يُصبح الطقس أداة لرفع مستوى وعي الساحر ذاته، و هذا الوعي المرتفع هو بذاته مصدر للطاقة لا يستنزف الجسد المادي أو النفس، بل يُثريه. في هذه الحالة، فإن الطاقة المستمدة من الطقس لا تعود لتستنزف الكينونة، بل لتجعلها أكثر إمتلاءً وقدرة على التوجيه. بالتالي، يمكن القول فلسفياً إن التوليد الذاتي للطاقة في الطقس السحري ممكن تقنياً إذا أمكن تحويل الطقس من عملية إحتراق طاقي إلى عملية تحفيز وتدوير طاقي. المفتاح لا يكمن في إبتكار طاقة من العدم، بل في إتقان فن توجيه وتكثيف الطاقة الكونية الخاملة عبر تصميم طقسي شديد الدقة و التعقيد يستمد قوته من التناغم الوجودي الكلي بدلاً من القوة الفردية المحدودة للساحر. هذا النمط من الممارسة يرتقي بالسحر من مجرد مجهود فردي إلى نظام هندسي روحي يعمل وفقاً لقوانين الكون، ليصبح الساحر مهندس الطاقة الذي يصمم نظامًا لا يعمل بالجهد، بل بالنظام و التناغم.
_ الرمز كـمُعدّل موجي تقني: الهندسة الطاقية في السحر و تأسيس التوافق الطنيني (Resonance) لضبط التردد الكينوني للهدف
إن النظر إلى العنصر الرمزي المستخدم في الطقوس السحرية كاللون، المادة، أو الكلمات المقدسة كـمُعدّل موجي تقني يمثل مقاربة فلسفية حديثة وعميقة تتوافق تمامًا مع النظريات الأنطولوجية للسحر التي تنظر إلى الوجود كشبكة من الإهتزازات والترددات الطاقية. هذه المقاربة تتجاوز التفسير التقليدي للرمز كصورة أو دلالة، لتجعله أداة حاسمة للدقة التقنية الروحانية تضبط وتُصّفف تردد تأثير السحر ليطابق التردد الجوهري الكينوني للهدف المقصود. إنها عملية تحويلية تحول الطقس من مجرد فعل إيماني إلى هندسة طاقية دقيقة. التحليل الفلسفي العميق يبدأ من فرضية أن كينونة الهدف ليست كياناً مادياً ثابتاً فحسب، بل هي حقل طاقي فريد أو مجموعة من الترددات الإهتزازية التي تُحدد خصائصه الجوهرية كالوعي، الصحة، العواطف، المصير. كل فرد وكل شيء في الكون يمتلك توقيعاً ترددياً خاصاً به. وبما أن السحر هو عملية إحداث تغيير في الواقع، فإن فعاليته تعتمد على قدرته على إختراق وتعديل هذا التوقيع الترددي. هنا يأتي دور العنصر الرمزي كـموالف أو Tuner لهذا الإختراق. يعمل العنصر الرمزي سواء كان اللون الأحمر المرتبط بالقوة، أو إسم إلهي مرتبط بالشفاء، أو مادة معدنية معينة كمفتاح يحدد الطبيعة النوعية للتردد السحري المُرسَل. فبدون هذا المُعدّل، ستكون الطاقة السحرية المُطلقة طاقة خام أو عشوائية ذات طيف واسع، مما يجعلها غير فعالة أو ذات تأثيرات جانبية غير مرغوب فيها. الرمز يضيق هذا الطيف، ويُركّز الطاقة في موجة ضيقة ومحددة تتناسب تماماً مع الحاجة أو الهدف. على سبيل المثال، إذا كان الهدف هو جلب الوفرة التي يُعتقد أنها تهتز على تردد الزهرة/المشتري، فإن إستخدام الرمز المناسب كاللون الأخضر أو الأصفر، أو العدد 6 يضمن أن الطقس لا يرسل طاقة عامة، بل يرسل موجة مالية على شكل وفرة محددة تتطابق مع تردد الوفرة الكوني. إن الغاية من إستخدام العنصر الرمزي كـمُعدّل موجي هي تحقيق التوافق الطنيني (Resonance) بين تردد النية (Intentional Frequency) وتردد الهدف الكينوني (Ontological Frequency). عندما يتم إختيار الرمز بشكل صحيح تقنياً، فإنه يضمن أن طاقة السحر تتردد مع التردد الأصلي للهدف، مما يضخم تأثيرها ويجعله نافذاً. الأمر يشبه ضبط محطة راديو: لا يمكنك سماع المحطة إلا عندما تتوافق موجة الإستقبال (الرمز) تماماً مع موجة الإرسال (النية)، فتحدث ظاهرة التضخيم الرمزي، وتصبح الطاقة الموجهة قادرة على التغلغل في نسيج كينونة الهدف وتعديل ترددها الأساسي نحو الحالة المرغوبة. العنصر الرمزي لا يقتصر على كونه لغة للتواصل بين الساحر و الكون؛ بل هو هندسة طاقية. فكما أن المهندس يختار نوع المواد كالصلب، الخرسانة، الخشب لضبط خصائص إهتزاز المبنى ومقاومته، فإن الساحر يختار الرموز لتضبط خصائص إهتزاز الطقس. هذه الدقة الرمزية هي ما يمنح السحر الكفاءة التقنية. فبدلاً من إهدار كميات هائلة من الطاقة سواء كان مصدرها من الكينونة البشرية أو الخارجية في محاولة دفع الواقع للتغيير (النموذج القديم)، يسمح التعديل الموجي للعنصر الرمزي بإستخدام كمية أقل من الطاقة لتحقيق أقصى تأثير، لأن الطاقة المُرْسَلة أصبحت الآن مُصوّبة ترددياً وموجهة بدقة لا متناهية نحو نقطة الضعف أو القوة في كينونة الهدف. في الختام، يمكن القول فلسفياً إن العنصر الرمزي هو بالفعل المُعدّل الموجي التقني الذي يضمن أن السحر ليس مجرد ممارسة عشوائية، بل هو علم دقيق للترددات الكينونية. الرمز يضمن أن الفعل السحري يعمل وفقاً لقوانين الرنين الكوني، مُحوِّلاً النية المجردة إلى طاقة مُشفّرة تستطيع التفاعل مباشرة مع البنية الإهتزازية للوجود.
_ المجال الطاقي المشترك: تكنولوجيا الكينونة الجماعية و تأثيرها المُضاعف على الوعي السحري
تُعدّ فكرة المجال الطاقي المشترك (Shared Energetic Field) في سياق الممارسة السحرية الجماعية بمثابة تقنية فلسفية عميقة تتجاوز حدود السحر الفردي، مُشكّلةً ما يُمكن تسميته بـتكنولوجيا الكينونة الجماعية. هذا المجال المشترك ليس مجرد مجموع الطاقات الفردية للمشاركين، بل هو كيان ناشئ (Emergent Entity) يمتلك خصائص وقوة تفوق بكثير قدرة أي فرد على حدة، ما يؤدي إلى تأثيرات مُضاعفة ونوعية على كينونة الأفراد المشاركين وعملية السحر ذاتها. يكمن الإختلاف الجوهري بين السحر الفردي والجماعي في التحول الكينوني الذي يطرأ على المشاركين. في السحر الفردي، تظل الكينونة مركزة على الذات، حيث يستخدم الساحر وعيه وطاقته وإرادته الخاصة لإحداث التغيير. أما في الممارسة الجماعية، فإن الأفراد، من خلال تقنيات التناغم مثل التنفس الموحد، الترانيم الإيقاعية، أو التركيز المشترك على رمز محدد، يُذيبون جزئياً الحدود الصلبة لذواتهم المنفصلة. هذه العملية لا تُنتج فقط تراكماً كمياً للطاقة، بل تخلق كياناً وعياً جماعياً مؤقتاً هو المجال الطاقي المشترك. هذا الـنحن السحري يكتسب كفاءة إرادية (Volitional Efficacy) تفوق مجموع إرادات الأفراد. إنها ظاهرة تماثل مفهوم الكفاءة الفائقة (Super-efficiency) حيث يصبح التنسيق و التشابك سبباً في قوة لا يمكن تحقيقها بشكل متفرق. يتطلب هذا التحول تضحية ذاتية مؤقتة، حيث يتخلى الفرد عن جزء من كينونته المنفردة لصالح كينونة جماعية مؤقتة، ما يسمح بتوجيه قوة المانا أو الطاقة الكونية وفقاً للمفاهيم السحرية بكميات هائلة وبدرجة عالية من التماسك (Coherence). تعتمد فعالية السحر الجماعي بشكل كبير على مبدأ الرنين أو التردد المشترك (Shared Resonance´-or-Frequency). عندما تتناغم الطاقات و القصد والإرادات الفردية ضمن حيز محدد الذي غالبًا ما يُدعى بالدائرة السحرية أو الحيز المُقدس، فإن المجال المشترك يعمل كـ مضخّم (Amplifier) هائل للقصد الأصلي. كلما كان التناغم أعمق و النية موحدة بشكل أكبر، زادت قوة موجة الشكل (Thought form) السحرية المُطلَقة. هذا التضخيم لا يؤثر فقط على العالم الخارجي (الهدف السحري)، بل يرتدّ بقوة على البنية الكينونية للمشاركين. يتمثل التأثير الإرتدادي في تطهير وتسريع التحول حيث تعمل القوة الهائلة للمجال المشترك كقوة تنقية أو مسرّعة للتحول الشخصي. يتلقى كل فرد صدى القصد المشترك بشكل مكثف جداً، مما قد يؤدي إلى تفكيك سريع للعقد النفسية أو الأنماط السلوكية المقاوِمة للتغيير، وهو ما قد يستغرقه السحر الفردي وقتاً أطول بكثير. يخرج المشارك من التجربة وهو يحمل بصمة الإندماج الكينوني مع الآخرين. هذه البصمة قد تُعيد صياغة إحساسه بذاته، مُضيفةً بُعداً جماعياً أو قبلياً (Tribal) إلى كينونته، حيث يصبح الفرد أكثر وعياً بأنه جزء من شبكة طاقية أكبر، مما يعزز من شعوره بـالمسؤولية الكينونية المشتركة. يتيح المجال المشترك وصولاً أسهل إلى حالات الوعي المتغيرة أو الوعي الفائق (Super-consciousness) مقارنةً بالسحر الفردي. يصبح الإندماج الطاقي بمثابة عتبة دخول أسهل إلى اللاوعي الجمعي (Collective Unconscious)، حيث يمكن إستمداد طاقات أو معلومات أعمق وأكثر بدائية (Archetypal) تُشكل البنية الكينونية للواقع. تثير تكنولوجيا المجال الطاقي المشترك إشكالية فلسفية عميقة تتعلق بمسألة السيطرة والأخلاق الكينونية. في السحر الفردي، تظل السيطرة والمسؤولية مركزة بشكل كامل على الساحر الفرد، الذي يتحمل وحده العواقب الكينونية لعمله (قانون الكارما أو الإرتداد). أما في السحر الجماعي، فتصبح المسؤولية مُشتتة ومُجمّعة. من ناحية، يُعدّ المجال الطاقي المشترك عميلاً كينونياً جديداً و مستقلاً نسبياً، يمتلك قوة يمكن أن تتجاوز إرادة أي من الأفراد. هذا يُطلق مسألة إرادة الكل و كيف يمكن توجيهها دون الوقوع في شرك الإستبداد الطاقي أو الإنسياق الجمعي الذي قد يؤدي إلى عواقب كينونية غير مرغوبة لجميع المشاركين. من ناحية أخرى، يُصبح كل فرد مُعرضاً لتلقي آثار أي تلوث طاقي أو قصد سلبي قد يجلبه عضو واحد إلى المجال المشترك، مما يجعل كينونة الفرد عرضة للتأثر السلبي من الآخرين بطريقة لا تحدث بنفس الحدة في الممارسة المنفردة. في الختام، تُعدّ الممارسة الجماعية لـ المجال الطاقي المشترك بمثابة نقلة نوعية من سحر الذات إلى سحر الـنحن. هي عملية تقنية و فلسفية تتطلب تخلياً عن الفردية للحظة، من أجل الوصول إلى قوة مُضاعفة و وعي أعمق يُعيد تشكيل البنية الكينونية للمشاركين بشكل جذري، مؤكداً على أنَّ الكينونة ليست كياناً منعزلاً، بل هي شبكة مُتشابكة من الطاقات والقُصود التي يمكن تضخيمها وتوجيهها ضمن تكنولوجيا الوعي الجماعي.
_ المادة كـمُكثِّف تقني: التحول الكينوني من الجماد إلى الأداة السحرية
تُعدّ المادة في سياق السحر، لا سيما المعادن و الأعشاب و الأحجار الكريمة، أكثر من مجرد أدوات، بل هي مُكثّفات تقنية (Technical Condensers) للقوة السحرية؛ أي إنها وسائط تعمل على إمتصاص، تخزين، وتوجيه الطاقة و القصد الروحي بكفاءة أعلى مما تستطيعه الكينونة البشرية بمفردها. التحليل الفلسفي العميق لهذه الظاهرة يكمن في فكرة أن المادة ليست خاملة كينونياً، بل هي جزء من نسيج كوني حي، يختلف عن الكينونة البشرية في طبيعة كثافتها ومعدل ترددها، ما يمنحها خصائص فريدة للعمل كموسعات للوعي السحري. يكمن السر الأول في قدرة المادة على العمل كمُكثّف في الكثافة الكينونية (Ontological Density) لتركيبها. المعادن، على سبيل المثال، تتميز ببنية بلورية منتظمة ومُحكمة (Lattice Structure)، والأحجار الكريمة بتركيبها الجزيئي الثابت والمستقر. هذه الكثافة والإنتظام لا يمثلان جمودًا، بل يمثلان قدرة هائلة على التخزين الكينوني؛ فالمادة، بسبب بطىء معدل تغيرها وطول عمرها الجيولوجي أو النباتي، قادرة على حفظ بصمات الطاقة و القصد (Im--print--s of Energy and Intention) لمدة أطول وبثبات أكبر من الذاكرة أو العاطفة البشرية سريعة الزوال. في هذا الإطار، تعمل المادة كـوعاء ذاكرة (Memory Vessel) أو مُسجّل زمني للطاقة السحرية. عندما يشحن الساحر المادة بقصده وإرادته، فإن البنية البلورية أو التركيب العضوي للعشب يُجمِّد هذه الطاقة داخله، مانعًا إياها من التبديد في المحيط بسرعة. هذا يعكس مبدأ التخزين التقني للقوة السحرية، حيث يتم تحويل الطاقة المتقلبة للنية البشرية إلى شكل مادي مُستقر يمكن إستخدامه لاحقًا كـمصدر دفع (Thrust Source) لإتمام العمل السحري. هذا يختلف عن السحر الفردي الذي يعتمد فقط على البطارية الكينونية للساحر في لحظة العمل. الخاصية الثانية والأكثر أهمية هي التوافق الإهتزازي (Vibrational Concordance) للمادة مع ترددات كونية أو طبيعية معينة. كل مادة طبيعية في الفلسفة السحرية تُعتبر مُشبعة بطاقة كوكبية، عنصرية، أو أرواحية مُحددة مثل الذهب المرتبط بالشمس، والنحاس بالزهرة، أو أعشاب معينة مرتبطة بأرواح الغابة أو الماء. هذا التشبع يمنحها القدرة على العمل كـموجّه أو مُصفّي (Conductor´-or-Filter) للطاقة السحرية. عندما يستخدم الساحر مادة معينة في عمله، فإنه لا يستخدمها لقوتها الذاتية فحسب، بل لقدرتها على الرنين مع و جذب الطاقة الكونية التي تحمل نفس التردد. فالمادة، بكونها ذات تردد ثابت، تعمل كـمُحوّل (Transformer) للطاقة. تمتص الطاقة البشرية الخام (القصد والإرادة). تُصفّيها وتُغنيها بترددها الكوني المتأصل. تُطلقها بشكل مكثف ومُركّز و موجه نحو الهدف. هذه العملية ترفع من نقاوة و نوعية القوة السحرية المُطلَقة، مما يجعل العمل أكثر فعالية. هذا هو الجانب التقني للمكثف؛ إنه يضمن أن الطاقة الموجهة نحو هدف سحري معين مثل الشفاء أو الجذب تكون ذات توافق ترددي عالٍ مع طبيعة الهدف، وهو ما لا يستطيع القصد البشري النقي دائمًا تحقيقه بنفس الدقة. فلسفيًا، لا تعمل المادة كمُكثّف إلا من خلال العلاقة الكينونية التي يُقيمها الساحر معها. المادة لا تُشغل نفسها ذاتيًا؛ بل تتطلب الإدخال الكينوني (Ontological Input) من الساحر. يتم هذا عبر طقوس الشحن والتكريس (Charging and Consecration)، حيث يتم إيقاظ الطاقة الكامنة في المادة وربطها بإرادة الساحر. هذه العلاقة تتجسد في إطار التجسيد الرمزي (Symbolic Incarnation)؛ المادة تصبح تجسيدًا ماديًا حاملاً لقوة روحية. فمثلاً، العشب المُخصص للشفاء لا يعمل فقط بمكوناته الكيميائية، بل بما أصبح يمثله كـتردد شفائي مُجسَّد. هذا الربط الكينوني بين الوعي البشري و المادة الجامدة ظاهريًا هو ما يُفعِّل المادة لتصبح أداة تقنية. إنها عملية إحياء كينوني (Ontological Animation)، حيث تُضخ الروح البشرية المتمثلة في القصد والإرادة في المادة، فتتحول من كيان طبيعي إلى كيان سحري أو جهاز تقني سحري. وهكذا، تصبح المادة جسرًا بين عالم الروح النقي وعالم الشكل المادي، مما يمنح الساحر قوة تتجاوز حدوده الجسدية والعاطفية اللحظية.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟