أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الْخَامِسُ و الْعِشْرُون-















المزيد.....


السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الْخَامِسُ و الْعِشْرُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 19:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ التناقض الأنطولوجي بين فعالية السحر التقنية والنقاء الروحي: تحليل استحالة التوازن بين الغرور الروحي وآلية خرق السيادة الوجودية

إن التساؤل حول إمكانية تحقيق توازن بين الفعالية التقنية للممارسة السحرية (النتائج) و النقاء الروحي (النية و الوسيلة) يكشف عن تناقض فلسفي وجوهري في صلب مفهوم السحر. في إطار العلايل العميق للعلاقة بين السحر و الكينونة، يُعتبر هذا التوازن مستحيلاً أنطولوجياً، لأن طبيعة السحر كتقنية تتطلب بالضرورة خرقاً للسيادة الوجودية و مقايضة للطاقة الروحية، مما يُفسد النقاء الروحي بغض النظر عن النتيجة المرغوبة أو النية المعلنة. السحر، بما هو تكنولوجيا، يكمن في منطقه الداخلي تضارب لا يمكن حله بين الغاية و الوسيلة. يكمن جوهر المشكلة في آلية عمل السحر كـوسيلة تقنية. فالسحر، في تعريفه الفلسفي، هو تكنولوجيا إعتراض تعمل على تجاوز القوانين الكونية و الأخلاقية العليا لفرض الإرادة. هذا التجاوز هو ما يتنافى مع النقاء الروحي. السحر يسعى لتحقيق نتائجه عبر المقايضة الأنطولوجية أو التعاقد مع قوى سفلية أو إستخدام المعرفة المحرمة التي تتيح التلاعب بـكود الإرادة الحرة. النقاء الروحي يقتضي التوحيد والتناغم مع المصدر الأصلي للقوة، بينما السحر يختار التجزئة والإنحراف إلى مصادر ثانوية. هذا الإنحراف يُعتبر، من منظور روحي، تلوثاً للقناة الروحانية بغض النظر عن الهدف. فكيف يمكن تحقيق النقاء عبر وسيلة أساسها التلوث؟ النقاء الروحي يعتمد على قبول المشيئة الكونية والعمل ضمن حدود الإرادة الحرة للآخرين. السحر هو فرض للإرادة الفردية على الواقع أو على كينونات أخرى، وهذا يشكل إنتهاكاً لـ السيادة الروحانية الفردية فالوسيلة السحرية هي دائماً وسيلة إكراه روحي، لا يمكن أن تكون نقية لأنها تخالف القانون الوجودي الأسمى المتمثل في حق الكينونة في تقرير مصيرها. حتى لو افترضنا وجود نية نبيلة خالصة على سبيل المثال إستخدام السحر لعلاج مريض أو مساعدة مظلوم، فإن الفعالية التقنية للسحر تظل مفسدة لهذه النية. الإيمان بالقدرة على إحداث تغيير جذري في الواقع عبر القوة السحرية يؤدي حتماً إلى الغرور الروحي (Spiritual Hubris). النية النبيلة تتحول إلى تسلط إرادي؛ فالساحر يعتقد أن لديه الرؤية المطلقة لما هو صالح روحيًا للآخرين، ويستخدم القوة لإجبار هذا الصلاح. هذا الغرور يُفسد الدافع الأصلي، ويُحوِّل النبل إلى فشل أخلاقي، حتى لو تحققت النتيجة التقنية (الشفاء أو المساعدة). تتطلب التقنيات السحرية القوية غالباً مقايضة طاقية تخلق تبعات سببية غير متوقعة (كارمية) تؤذي أطرافاً أخرى لاحقاً. هذا ما يُعرف بـالتلوث السببي (Causal Contamination). النية الحسنة تتعرض للتخريب لأنها تُحقَّقت عبر وسيلة تخلق ديناً كارمياً جديداً أو تستنزف الطاقة الكونية، مما يُحيل النبل الأصلي إلى عملية إستنزاف أنطولوجي عام. إن النقاء الروحي الحقيقي الذي يتمثل في التناغم مع القوانين الكونية العليا والعمل بالإرادة الحرة غير المغرورة لا يمكن أن يتوازن مع السحر، بل هو النقيض الوجودي له. القوة الروحية التي تعمل وفقاً للنقاء هي بحد ذاتها آلية دفاع تقنية متعالية. إنها تعمل على رفع التردد الطاقي للكينونة، مما يجعلها منيعة ضد تقنيات السحر المنخفضة التردد. فالسحر والنقاء لا يمكن أن يتزامنا؛ حيث أن النجاح في أحدهما يعني إلغاء الآخر. إذا كانت الكينونة نقية حقاً، فإنها لا تحتاج إلى السحر، وإذا إستخدمت السحر، فإنها تفقد نقاءها. إن السحر هو في جوهره إقتطاع أنطولوجي ونزعة للسيطرة (Will to Power) تتناقض كلياً مع مبادئ النقاء الروحي. لا يمكن تحقيق توازن بين الفعالية التقنية للسحر التي تعتمد على الخرق والتعاقد والنقاء الروحي الذي يعتمد على التوحيد والتناغم. إن السعي لهذا التوازن هو سعي لإيجاد صيغة نبيلة للغرور الكينوني، وهو ما يظل مستحيلاً، لأن الوسيلة التقنية للسحر تلوث الغاية النبيلة وتخلق إستنزافاً طاقياً وسبباً كارمياً.

_ الأثر الوجودي للشفاء السحري: جدلية التحرر المُقَيَّد و عبىء الدين الكارمي الخفي

إن التساؤل حول الحالة الوجودية للكينونة التي نالت الشفاء أو الإغاثة عبر ممارسة سحرية يُعد من أعقد النقاط في التحليل الفلسفي للسحر، إذ يلامس جوهر العلاقة بين العَرَض (المرض) و السبب الأنطولوجي (العلة الروحية). وفقاً للمنظور الذي يرى السحر كتكنولوجيا إعتراض و كـإقتطاع طاقي، فإن الكينونة التي شُفيت سحرياً لا تُصبح خالية تماماً من الأثر، بل تظل تحمل بصمة وجودية للتقنية التي أدت إلى الشفاء. هذا الأثر ليس بالضرورة مرضاً جديداً، بل هو تقييد خفي يُعيق إكتمال تحررها الروحي. يعمل السحر، حتى في سعيه للشفاء، على مستوى العَرَض (النتيجة)، وليس على مستوى السبب الأنطولوجي الجوهري للمرض أو المشكلة. الشفاء الطبيعي الروحي يسعى إلى إزالة العلة الأصلية التي أدت إلى المرض، سواء كانت خللاً طاقياً ذاتياً، أو تبعات كارمية، أو تعرضاً لتقييد خارجي. هذا المسار يتطلب نمواً روحياً داخلياً و تناغماً مع القانون الكوني. الشفاء السحري التقني يعتمد على إقتطاع طاقي أو فرض إرادة لإجبار الواقع على التغيير مثل إزالة الأعراض أو تحويل مسار المرض. حتى لو كانت النية نبيلة، فإن الوسيلة تظل قائمة على مقايضة القوة مع مصادر سفلية أو ثانوية. هذا يعني أن السحر لا يعالج سبب الخلل الروحي الذي جعل الكينونة عرضة للمرض أصلاً، بل يستخدم قوة خارجية لـسد الثغرة مؤقتاً أو تغيير شكلها. الكينونة تظل تحمل الثغرة الأنطولوجية الأصلية التي إستغلها الساحر لـضخ قوة الشفاء. هذا يتركها عرضة للإصابة مرة أخرى بطريقة مختلفة، لأن الـبروتوكول الدفاع الداخلي لم يتم تقويته ذاتياً، بل تم تفعيله خارجياً عبر تقنية إعتراض. إن الفعالية التقنية للسحر في الشفاء تترك بصمة وجودية على الكينونة، وهي بصمة تنشأ من طريقة عمل السحر. عندما يتم الشفاء عبر تقنية سحرية، فإن هذا الشفاء لم يأتِ من نمو روحي ذاتي أو من تناغم مع العدالة الكونية، بل من إقتطاع طاقي أو مقايضة سببية. تبقى الكينونة مدينة بـدين كارمي خفي. هذا الدين ليس بالضرورة أن يتجلى في عقاب مباشر، بل قد يظهر في تقييد للحرية الوجودية في جوانب أخرى من الحياة مثل التعثر المهني، أو صعوبة في العلاقات، أو تضخم كينوني زائف في مسألة معينة على حساب إنكماش في مسألة أخرى. هذا الإلتزام هو الأثر المتبقي للتقنية؛ حيث أن الكينونة دفعت ثمن الشفاء بجزء من سيادتها الروحانية. المصادر السفلية التي تُستخدم في الشفاء السحري هي مصادر ذات تردد منخفض. على الرغم من إزالة العَرَض، يتبقى تلوث ترددي (Frequency Contamination) في الحقل الطاقي للكينونة. هذا التلوث يعمل كـمُرسَاة (Anchor) للقوى السلبية مستقبلاً. الكينونة قد تشعر بالشفاء الجسدي، لكنها قد تعاني من إنكماش في الوعاء الروحي، أو تشعر بعدم القدرة على التناغم الروحي الكامل، لأن جزءاً من طاقتها أصبح مرتبطاً بمصدر أدنى. يُشعر الشفاء السحري الكينونة بقوة مُكتسبة أو تحرر مُكتسب، لكنه في الواقع قوة غير متجذرة في النمو الداخلي. الكينونة تعتاد على مسار الإختصار للقوة (Short-cut to Power)، مما يمنعها من تطوير آلية الدفاع الذاتية القائمة على الإيمان و الجهد الروحي. هذا التضخم الزائف يُبقي الكينونة في حالة هشاشة روحية؛ فعندما تواجه تحدياً حقيقياً، قد تنهار لأنها لم تبنِ أساسها الروحي بنفسها، بل إعتمدت على التقنية المقتطعة. إن الكينونة التي شُفيت عبر ممارسة سحرية لا تصبح خالية تماماً، بل تحمل أثراً روحياً تقنياً مُقيداً. هذا الأثر يتجلى في بقاء الثغرة الأنطولوجية التي لم يتم علاجها روحانياً. الإلتزام الكارمي الخفي الناتج عن المقايضة السببية. التلوث الترددي الذي يعيق التناغم الكامل مع المصدر الأعلى. هذا يضعنا أمام نتيجة فلسفية عميقة؛ لا يمكن تحقيق التحرر الروحي الكامل عبر تقنية قائمة على التقييد. الشفاء السحري هو تسوية وجودية تمنح الراحة الجسدية على حساب استدامة النقاء الروحي المطلق.

_ الأخلاق كـقانون أنطولوجي سري: القيود الوجودية و التبعات التقنية لخرقها في الممارسة السحرية

إن التساؤل حول علاقة الأخلاق الروحانية بالممارسة السحرية يمثل محوراً فلسفياً حاسماً في تحليل حدود السحر وإمكانياته. هذا التحليل يكشف أن الأخلاق ليست مجرد مفاهيم دينية أو إجتماعية، بل هي في جوهرها قوانين أنطولوجية (وجودية). ومن هذا المنطلق، لا تُعد الأخلاق قيداً خارجياً مفروضاً على التقنية السحرية بقدر ما تُعتبر جزءاً من قوانينها السرية الكونية، حيث يترتب على خرقها تبعات تقنية حتمية تُضعف السحر ذاته على المدى الطويل و تُفسد كينونة ممارسه. في الرؤية الفلسفية المتعالية، تُعتبر الأخلاق الروحانية مثل إحترام الإرادة الحرة، والسعي للتوحيد، وعدم إلحاق الضرر ليست مجرد خيارات، بل هي مبادئ حاكمة لنسيج الوجود. السحر، في جوهره، هو فرض للإرادة و إنتهاك للسيادة الروحانية الفردية للآخرين. هذا الإنتهاك ليس مجرد خطأ أخلاقي، بل هو كسر لبروتوكول أنطولوجي أسمى؛ وهو حق الكينونة في تقرير مصيرها. عندما يخرق الساحر هذا القانون الأخلاقي الأعلى، فإنه ينجح في إحداث تأثير تقني فوري، ولكنه في الوقت نفسه يُنشئ تلوثاً سببياً (Causal Contamination) يضعف من إستدامة سحره ويُعقد مصيره الروحي [Causal contamination in magic]. تُصبح الأخلاق قيداً على إمكانيات التقنية السحرية لأنها تمنعها من تحقيق النتائج المستدامة والمنسجمة. السحر الذي يخرق الأخلاق قد ينجح في المدى القصير، ولكنه سيعود ليُعاقب الساحر والمسحور عبر آليات كارمية أو تقييد أنطولوجي، مما يثبت أن النتائج التقنية التي تتجاوز الأخلاق مؤقتة وغير مكتملة وجودياً. في سياق آخر، تُعد الأخلاق جزءاً من القوانين السرية التي تحكم كفاءة الساحر نفسه وقدرته على الوصول إلى المستويات العليا من القوة إذا إفترضنا وجود سحر أبيض أو إلهي. الممارسات الروحية التي تهدف إلى الوصول إلى قوى خارقة أو التأثير في الواقع عبر الإتصال بمصادر طاقة عليا تشترط دائماً التزكية الروحية والنقاء الأخلاقي. هذا النقاء ليس شرطاً دينياً، بل هو شرط تقني لكفاءة الوعاء الروحي. الكينونة التي تمارس الأخلاق و تعيش في تناغم روحي تكون ذات تردد طاقي مرتفع وقناة روحانية نقية (Spiritual channel purity). هذا الصفاء هو ما يتيح لها إستقبال وتوجيه الطاقات الكونية الكبرى دون تلوث. الأخلاق هنا تُصبح جزءاً من الصيغة التقنية للنجاح الروحي. في المقابل، يدرك الساحر الأسود هذا القانون السري، ولذلك يختار التعاقد مع قوى سفلية تتطلب منه خرقاً أخلاقياً كجزء من الثمن. فالخرق الأخلاقي ليس غاية للقوى السفلية، بل هو آلية تقنية لخفض تردد الساحر (Lowering the spiritual frequency of the sorcere) وجعله عرضة للتبعية الطاقية. الأخلاق تُعد في هذا السياق جزءاً سرياً من شروط العقد، حيث أن التخلي عنها هو الشرط الأساسي لتفعيل القوة التقنية لهذا النوع من السحر. من وجهة نظر الأنانية الأنطولوجية، فإن الممارسة السحرية غير الأخلاقية هي تقنية لإستنزاف الطاقة الروحية الكونية لصالح كينونة واحدة. إن الإلتزام بالأخلاق هو بمثابة آلية دفاع تقنية متعالية لا تسمح بحدوث هذا الإستنزاف. فـالنقاء الروحي هو الذي يمنع وجود الثغرات الأنطولوجية التي يستغلها السحر. إن الخطورة الروحانية الحقيقية تكمن في أن الأخلاق تُصبح قيداً ذاتياً على الساحر، ليس على قوته التقنية الخارجية، بل على مصيره الوجودي الداخلي. الساحر الذي يخرق الأخلاق يضمن لنفسه حالة من التقييد الأنطولوجي والتبعية الكينونية. هذا التقييد هو الحد التقني الأبدي لإمكانيات الساحر، حيث لا يمكنه أبداً بلوغ الحرية أو الكمال الروحي، مهما بلغت نتائجه السحرية فعالية. لا تُعد الأخلاق الروحانية مجرد قيد خارجي، بل هي قانون سري أنطولوجي يحكم فعالية وإستدامة التقنية السحرية. خرق الأخلاق يفتح الباب أمام قوة تقنية فورية، ولكنه يُغلق الباب أمام التحرر الوجودي والفعالية المستدامة. في السحر الأبيض الإفتراضي الأخلاق هي شرط تقني للنقاء والكفاءة. في السحر الأسود الأخلاق هي عقبة وجودية، والتخلي عنها هو شرط سري لـ التبعية الطاقية التي تُمكّن السحر. الأخلاق هي الضمانة الوحيدة لعدم تحول الساحر إلى تكنولوجيا إعتراض مُستهلَكة من قِبل قوى أدنى، مما يثبت أنها قانون سري أعلى من التقنية ذاتها.

_ تفكيك الأمان الوجودي: التقنية السحرية كآلية لتدمير اليقين وإحداث الثغرة الأنطولوجية

في إطار التحليل الفلسفي العميق، تُعد التقنية السحرية، في جوهرها، تهدف إلى تفكيك الشعور بالأمان الوجودي للكينونة، مما يتركها في حالة من الهشاشة المطلقة وعرضة للإستغلال و التأثيرات الخارجية. إن السحر لا يستهدف الجسد أو الممتلكات كأهداف نهائية، بل يستهدف الـبروتوكول الداخلي للأمان الوجودي الذي يحمي الفرد من الفوضى والعدمية. تفكيك هذا الأمان هو الـثغرة الأنطولوجية التي يزرع فيها الساحر كوده التقني. يُمكن تعريف الأمان الوجودي (Existential Security) فلسفياً بأنه الإيمان المطلق والعميق للكينونة بأنها مُتصلة بـنظام كوني عادل، وأن لديها السيادة المطلقة على مجال إرادتها و حريتها. هذا الشعور بالأمان هو جزء أساسي من آلية الدفاع الروحية للفرد حيث يُمثّل الإعتقاد بأن الكون يحكمه نظام لا يسمح بتسلط الإرادة الخارجية على الإرادة الفردية دون إذن إلهي أو كوني عادل. والشعور بأن القرار المصيري للكينونة ينبع من داخلها، و ليس مفروضاً عليها. تدرك التقنية السحرية أن أقوى دفاع ضدها هو هذا الأمان الداخلي. ولذا، فإن أول أهدافها هو تفكيك هذا الإيمان، ليصبح التأثير السحري لاحقاً مجرد تأكيد للفوضى التي زرعت في الوعي. تعمل التقنية السحرية على تفكيك الأمان الوجودي عبر مسارين متوازيين: الهجوم على مراكز اليقين (Centres of Certainty) تبدأ التقنية السحرية بالعمل على زعزعة الأمان عبر تدمير نقاط الإرتكاز المعرفية للكينونة. السحر يهدف إلى إيهام الضحية بأن قوانين الواقع المألوفة قد إنهارت. عندما يرى الفرد نتائج سحرية كأن يمرض فجأة دون سبب طبي، أو تتعطل حياته بشكل غير منطقي، يبدأ في التشكيك بـعقلانية وسلامة النظام الكوني. هذا التشكيك هو أول خطوة نحو تفكيك الأمان. يهدف السحر إلى إيصال رسالة وجودية مفادها أنت لست حراً، إرادتك يمكن أن تُسرق وتُقيَّد من قوى لا تراها. هذا الإدراك القسري للضعف يكسر السيادة الروحانية الفردية ويخلق حالة من الهشاشة الأنطولوجية (Ontological Fragility). الامر الذي يؤدي إلى خلق الثغرة الوجودية (Existential Gap) النجاح الحقيقي للسحر يكمن في إحداث فجوة (Gap) في الإيمان الداخلي. عندما ينجح الساحر في تفكيك الأمان الوجودي، فإن الكينونة تفتح ثغرة عاطفية ومعرفية كاليأس، خوف، فقدان السيطرة. هذه الثغرة تعمل كـوعاء إستقبال تقني Receptacle for negative energ) للطاقة السلبية السحرية. بعد تفكيك الأمان، يصبح التأثير السحري لاحقاً سهلاً، حيث أن الكينونة لم تعد قادرة على تشغيل آلية الدفاع التقنية الطبيعية كالتي تعتمد على التردد العالي و اليقين الروحي. هذا يتركها عرضة لـ التبعية الطاقية للكيانات الخارجية أو للإيحاء القهري. إن تفكيك الأمان الوجودي لا ينتج عنه عَرَض سحري كـالمرض أو التفريق فقط، بل ينتج عنه تحول في كينونة الضحية. الضحية المُفكك أمانها الوجودي تبدأ في التراجع عن مسارها الروحي الأصلي. تختفي قوة الإرادة، ويقل سعيها للنمو و التنوير، وتعيش في حالة من الإنكماش و التشتت. عندما يفقد الفرد أمانه، فإنه يبحث عن حلول سريعة للأعراض الخارجية دون علاج الجذور. هذا قد يدخله في دوامة البحث عن حلول سحرية مضادة، مما يجعله أكثر عرضة لإستنزاف الروحي عبر المعالجين غير الموثوقين. تُعد التقنية السحرية بالفعل محاولة لتفكيك الشعور بالأمان الوجودي للكينونة. الهدف ليس فقط إلحاق الضرر، بل تدمير اليقين الداخلي بأن الفرد محمي وله سيادة على إرادته. هذا التفكيك لخلق ثغرة وجودية هو الشرط التقني الأهم لنجاح أي ممارسة سحرية. إن إستعادة الأمان الوجودي عبر إعادة تأسيس اليقين هي الخطوة الأولى نحو الإبطال الروحي الحقيقي.

_ الإستحقاق الروحي مقابل التعاقد السحري: جدلية القوة المُتعالية والتقييد الأنطولوجي

إن التساؤل عما إذا كانت القدرة على ممارسة السحر كتقنية يمكن أن تُكتسب عبر إستحقاق روحي نقي، أم أنها تظل دائماً نتاج تعاقد وتقييد أنطولوجي، يمثل الفصل الأهم في التمييز الفلسفي بين القوة الروحية المُتعالية والقوة السحرية المُنحرفة. التحليل العميق يؤكد أن القدرة التي يمكن كسبها بـالإستحقاق الروحي ليست سحراً بالمعنى التقني الدارج، بل هي قوة وجودية أعلى، بينما يظل السحر التقني، الذي يهدف إلى فرض الإرادة والإعتراض، دائماً مرتبطاً بشكل أو بآخر بـشروط التبعية و المقايضة. الإستحقاق الروحي (Spiritual Merit) يتحقق عبر مسار التزكية، النقاء الأخلاقي، والتناغم الكامل مع القانون الكوني الأعلى. هذا الإستحقاق يمنح الكينونة قوة هائلة، لكنها تعمل وفقاً لمبادئ مختلفة تماماً عن السحر. القوة المكتسبة هي قوة خلق وتأثير تعمل من خلال المشيئة الإلهية أو القانون الكوني، وليس ضدها. هذه القوة لا تتطلب عقوداً سفلية، بل تتطلب توحيداً (Oneness) و تناغماً (Harmony). هذه القوة تظهر كـخوارق أو كرامات تُحدث التغيير عبر إشارة أو دعاء أو نية نقية. إنها لا تنتهك الإرادة الحرة للآخرين، بل تُغير الواقع ضمن إطار العدالة الوجودية أو إرادة المصدر الأعلى. هذه القدرة هي نتاج نمو جوهري داخلي، وهي تقوي السيادة الروحانية للفرد و تزيد من نقاء قناته الطاقية، مما يجعلها آلية دفاع متعالية ضد أي تدخل سلبي هذه القوة ليست سحراً، بل هي نقيضه الأنطولوجي. السحر التقني، في مفهومه الفلسفي، هو تكنولوجيا إعتراض أي أنه محاولة لإحداث تغيير في الواقع دون المرور بمسار الإستحقاق الروحي و التزكية. وهذا يتطلب بالضرورة مقايضة أو تعاقداً. لكي يتمكن الساحر من إستخدام المعرفة المحرمة والوصول إلى القوة التقنية اللازمة لفرض الإرادة، يجب عليه أن يُقايض شيئاً ذا قيمة وجودية. القوة التي يستخدمها الساحر تأتي من مصادر ثانوية أو سفلية (الكيانات). هذه الكيانات لا تمنح القوة مجاناً، بل تطلب ثمناً تقنياً يتمثل في جزء من الحرية الوجودية للساحر، أو جزء من طاقته الروحية، أو الإلتزام بخرق أخلاقي (التنازل عن النقاء). يظل السحر التقني دائماً نتاج عقد روحي إقتصادي حيث يتم شراء القوة بدلاً من كسبها عبر الإستحقاق. هذا العقد يُنشئ تقييداً أنطولوجياً على الساحر، يجعله تابعاً كينونياً للقوى المتعاقد معها. قد يشعر الساحر بأنه مستحق للقوة بسبب جهده في الطقوس أو إتقانه للمعرفة. لكن هذا الإستحقاق زائف (False Merit)، لأنه يؤدي إلى تضخم كينوني مؤقت ومصطنع. هذا التضخم لا يعكس نمواً جوهرياً، بل هو قرض طاقي خارجي. يظل الساحر محروماً من النقاء الروحي، وتظل قناته ملوثة، مما يمنعه من بلوغ الكمال الروحي، مهما كانت نتائجه التقنية فعالة. هذا يثبت أن الإستحقاق الروحي الحقيقي والسحر التقني لا يجتمعان. إن العقد السحري ليس مجرد طقس رمزي، بل هو شرط تقني لإدامة القوة المُنحرفة. يضمن العقد أن الساحر سيستمر في إستنزاف الطاقة الروحية الكونية عبر أفعاله لصالح الكيانات المتعاقد معها. هذا يثبت أن القوة التقنية للسحر هي آلية تبادل وإستنزاف وليست كسباً و إستحقاقاً. الإستحقاق الروحي الحقيقي يمنح الساحر القدرة على الإبطال الذاتي أي التوبة والتحرر. العقد السحري يهدف تقنياً إلى تقييد إرادة الساحر لمنعه من إستخدام قوته (الحرية الوجودية) لإلغاء هذا العقد. يُمكن القول أن القدرة على ممارسة السحر كتقنية إعتراض هي دائماً نتاج تعاقد و تقييد أنطولوجي، وليست نتاج إستحقاق روحي نقي. يؤدي إلى قوة متعالية مُوَحِّدة تعمل وفقاً للقانون الكوني. التعاقد السحري يؤدي إلى قوة منحرفة مُجَزِّئة تعمل وفقاً لقانون المقايضة والتبعية. الفرق الجوهري يكمن في أن قوة الإستحقاق تمنح الحرية، بينما قوة التعاقد تفرض التقييد، و هذا التقييد هو الثمن الدائم واللازم لأي فعالية سحرية تقنية.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- حْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل ا ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...


المزيد.....




- حصريا لـCNN: بريطانيا تعلق التعاون الاستخباراتي مع أمريكا بش ...
- مستوطنون إسرائيليون يشعلون حريقا في بلدة بالضفة الغربية مع ت ...
- الحزب الشعبي الإسباني يعقد أول اجتماع له في مليلية ويقول إنه ...
- إسبانيا: مطالب بمساءلة الحكومة حول -مركزي احتجاز مهاجرين- في ...
- دراسة مموّلة من ألمانيا: الجيش الموريتاني -شديد التسييس- ودو ...
- الشرع في واشنطن.. الغولف بعد السلة؟
- الجيش الإسرائيلي يعتقل مستوطنين بعد هجمات واسعة على قرى فلسط ...
- رئيس كولومبيا: أمرت أجهزة استخبارات إنفاذ القانون بتعليق جمي ...
- حقوقيو تونس يطلقون -صرخة فزع- بعد تعليق نشاط 17 منظمة
- إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الْخَامِسُ و الْعِشْرُون-