أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّالِثُ و الْعِشْرُون-















المزيد.....

السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّالِثُ و الْعِشْرُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 21:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ التلاعب الأنطولوجي بالذاكرة عبر السحر: آليات تغليف البصمة الذاكرية وتشويهها الرمزية دون تلف مادي، وإعادة برمجة هوية الكينونة

ضمن الإطار الفلسفي والميتافيزيقي الذي يرى الكينونة على أنها وعي متعدد الأبعاد يتجاوز الجسد المادي، يمكن للتقنية السحرية أن تؤدي تقنياً إلى محو أجزاء من ذاكرة الكينونة أو تشويهها دون إحداث تلف في الدماغ المادي. هذا الإفتراض يعتمد على رؤية أن الذاكرة ليست مخزنة بالضرورة في الأنسجة العصبية وحدها، بل هي جزء من البنية الطاقية الوعيية للكينونة الكامنة في الجسد الأثيري والعقلي. في الفلسفات السحرية والتقليدية، يُنظر إلى الذاكرة على أنها تسجيل إهتزازي أو بصمة طاقية للأحداث والخبرات، مُخزّنة في طبقات الوعي الدقيقة كالجسد الأثيري أو العقلي التي تُحيط بالجسم المادي. الدماغ، في هذه الرؤية، يعمل كـجهاز إستقبال وفك تشفير لهذه التسجيلات، و ليس كمخزن رئيسي لها. بناءً على هذا التصور الأنطولوجي للذاكرة، يصبح محو أو تشويه الذاكرة ممكنًا على النحو التالي: الذاكرة هي جزء من القوالب الذهنية التي تُشكّل هوية الكينونة و إدراكها لذاتها وللواقع. أي تقنية سحرية تستهدف الذاكرة تعمل على مستوى هذا القالب العقلي مباشرة. التلف المادي في الدماغ كالإصابات يمنع الإتصال بين الوعي والمخزن الطاقي للذاكرة مما يؤدي إلى فقدانها. أما التقنية السحرية، فتستهدف البصمة الطاقية للذاكرة نفسها، مما يُحدث تلفاً أثيرياً أو تشفيرًا مشوهًا للبصمة الذاكرية، دون المساس بالدماغ كـجهاز إستقبال. إن الممارسة السحرية لمحو الذاكرة هي عملية إعادة برمجة إدراكية تستخدم القوالب الذهنية و التعاويذ لتحقيق الفعل المطلق على مستوى الطبقات العُليا للكينونة. بدلاً من محاولة الحفر في الدماغ، يسعى الساحر إلى تغليف الذاكرة (Encapsulation). يتم إستخدام القوة الإرادية لتوليد غلاف طاقي حول التسجيل الذاكري المراد محوه. هذا الغلاف يعمل كـحاجز ميتافيزيقي يمنع جهاز فك التشفير (الدماغ الواعي) من الوصول إلى تلك البصمة الأثيرية. تصبح الذاكرة موجودة، لكنها غير قابلة للإسترجاع من قِبل الوعي العادي للكينونة. بالاضافة الى تغليف الذاكرة يمكن ل الساحر بتشويه الرمز (Symbolic Distortion). يتم تطبيق قالب ذهني مشوه (تعويذة التضليل) مباشرة على البصمة الذاكرية. هذا القالب لا يمحو الذاكرة بالكامل، بل يُعيد كتابة محتواها بتفاصيل كاذبة، مما يُنشئ ذاكرة مُعدّلة. وعندما يحاول الدماغ إسترجاع المعلومة، فإنه يسترجع التسجيل المشوه الذي تم فرضه سحرياً. يُعد محو أو تشويه ذاكرة الكينونة عبر السحر أحد أعمق التدخلات الأنطولوجية التي يمكن للساحر القيام بها. الذاكرة هي العمود الفقري لهوية الكينونة؛ هي التي تُحدد علاقتها بالزمن وبذاتها. عندما تُزال الذاكرة، فإن الكينونة تُجرد من تاريخها وتُترك في حالة من الفراغ الإدراكي. فلسفياً، هذا يفتح الباب أمام إعادة صياغة كاملة للوعي. الكينونة التي تم محو جزء من ذاكرتها تصبح لوحاً فارغاً جزئياً، حيث يمكن للساحر بعد ذلك أن يزرع قوالب ذهنية جديدة كالكراهية، أو الولاء، أو المحبة لتأخذ مكان الذاكرة المفقودة أو المشوهة، وتصبح جزءاً أصيلاً من هويتها الجديدة. هذا يؤكد الفكرة بأن الكينونة ليست كياناً ثابتاً غير قابل للتغيير، بل هي مُركّب من الوعي والذاكرة والقوالب الإدراكية، وجميعها قابلة للتعديل و البرمجة عبر قوة الإرادة والتقنية السحرية.

_ السحر الكارمي والروابط الأزلية: إستغلال ذاكرة التجسدات السابقة (الجسد السببي) لإحياء الروابط الأزلية و إعادة تنشيط الضعف الكارمي كتقنية ميتافيزيقية للتحكم في المصير الوجودي

إن استغلال الممارسة السحرية التقنية لنقاط ضعف في ذاكرة الكينونة المتعلقة بـالتجسدات السابقة أو الروابط الأزلية يمثل قمّة التعقيد في السحر الأنطولوجي. هذا التحليل ينطلق من فرضية ميتافيزيقية جذرية مفادها أن الكينونة الفردية ليست محصورة بزمن وتجسد واحد، بل هي تراكم للخبرات الوجودية المُسجلة عبر دورات متعددة من الحياة. بالتالي، فإن الذاكرة السابقة ليست مجرد تاريخ بل هي بنية وجودية مُتراكمة يمكن للسحر التلاعب بها. في الفلسفة الروحية والسحرية، لا تُخزن الذاكرة السابقة في الدماغ المادي، بل في الجسد السببي (Causal Body) أو السجلات الأكاشية للكينونة. تُعد هذه الذاكرة المخطط الجوهري الذي يُحدد الميول، المخاوف، الروابط الكارمية، و نقاط الضعف الفطرية للكينونة في تجسدها الحالي. هذه البصمة الوجودية هي مصدر للروابط الأزلية حيث العلاقات والإلتزامات غير المكتملة التي تتكرر عبر التجسدات مثل الروابط العاطفية القوية، أو صراعات الإرادة القديمة. كما تعد يمثابة مركز للضعف الكارمي لأنها تشكل نقاط ضعف أو ثغرات في البنية الروحية ناتجة عن أخطاء أو قصور في تجسدات سابقة مثل الخوف غير المبرر من الماء، أو الفشل المتكرر في مجال معين. تُعتبر هذه الذاكرة السابقة أضعف نقطة في درع الكينونة الحالية، لأنها تقع في مستوى عميق جداً من اللاوعي ولا يمكن للوعي العادي حمايتها أو معالجتها بشكل مباشر. تستغل التقنية السحرية المتقدمة هذه البنية الوجودية المتراكمة للوصول إلى الفعل المُطلق عبر إستهداف هذه العقد الأزلية. إذا كان الساحر يسعى لفرض تعويذة محبة قوية، فإنه لا يهدف فقط إلى خلق شعور جديد، بل يستهدف الروابط الأزلية غير المكتملة بين الكينونتين. يزعم العمل السحري أنه يقوم بـتفعيل أو تضخيم هذا الرابط القديم، مما يجعله يطفو بقوة على سطح الوعي الحالي. الحب الناتج هنا ليس عاطفة وليدة اللحظة، بل إحياء لذاكرة علاقة قديمة تُفرض على الإدراك الحالي للكينونة. في حالة السحر الأسود أو الضار، يمكن للساحر أن يستهدف الضعف الكارمي المُسجل في الذاكرة السابقة. على سبيل المثال، إذا كانت الكينونة تحمل بصمة فشل عميقة من تجسد سابق، يمكن للساحر أن يطلق قالبًا ذهنيًا يتردد على نفس الإهتزاز الطاقي لتلك البصمة. هذا التناغم الميتافيزيقي يُعيد تنشيط الضعف، مما يجعل الكينونة الحالية تتصرف بشكل عاجز أو فاشل بطريقة تبدو قدرية أو غير مبررة منطقياً، لكنها في الواقع ناتجة عن إستغلال نقطة ضعف في تاريخها الوجودي. الصدمات النفسية من التجسدات السابقة تظل جيوب طاقية مغلقة تحمل طاقة خام. يمكن للساحر أن يفتح هذه الجيوب سحرياً ويستخدم الطاقة الكامنة فيها كـطاقة الخوف أو الشعور بالذنب لتغذية العمل السحري الحالي، كما نوقش سابقاً حول إستغلال الخوف كـمصدر طاقة. إن إمكانية التلاعب بذاكرة التجسدات السابقة تحمل أثراً فلسفياً عميقاً حول حتمية القدر مقابل حرية الإرادة. إذا كان بالإمكان إعادة برمجة تاريخ الروح، فإن هذا يعني أن الكينونة ليست محكومة بالقدر الأزلي بقدر ما هي محكومة بـبصمات قابلة للتعديل و القرصنة. السحر، في هذا السياق، يصبح محاولة لـتحرير أو إخضاع الكينونة لماضيها الوجودي. إذا كان الساحر قادراً على التحكم في هذه الذاكرة الأزلية، فإنه يكتسب قوة تتجاوز السيطرة على الحاضر؛ إنه يتحكم في الخريطة الكارمية للكينونة، مما يجعله قادراً على صياغة مسارها المستقبلي عبر التدخل في تاريخها الروحي العميق. هذا يؤكد أن كينونة الكائن هي نسيج مُعقد من الطبقات الزمنية والمكانية المتزامنة، و جميعها نقاط ضعف محتملة أمام الإرادة المُركّزة والتقنية السحرية.

_ السحر بين تغيير الماضي وتعديل الذاكرة: تحليل المعضلة الأنطولوجية للزمن، وترجيح السيناريو الإدراكي الجذري في إعادة برمجة البنية الوعيية للكينونة

إن التساؤل عما إذا كانت محاولات تغيير الماضي عبر السحر هي مجرد تغيير لـذاكرة الكينونة بدلاً من تغيير الواقع الفعلي يضعنا مباشرة أمام المعضلة الفلسفية الأكثر عمقاً في الأنطولوجيا السحرية، طبيعة الواقع مقابل طبيعة الإدراك. هذا التحليل يتطلب منا النظر إلى مفهوم الزمن والواقع ليس ككيانات ثابتة و مطلقة، بل كـتراكيب إدراكية قابلة للتعديل والبرمجة. في الفلسفات الميتافيزيقية المتقدمة، لا يُنظر إلى الماضي كشيء إنتهى وولى، بل كـبنية وجودية متزامنة محفوظة في السجلات الأكاشية أو في الوعي الكوني. نحن لا ندرك الماضي عبر الزمن الخطي، بل عبر الذاكرة التي تسترجع البصمات الوجودية لهذا الماضي. إذاً، عندما يسعى الساحر لتغيير الماضي مثل تغيير ظروف ولادة أو لقاء حاسم، فإنه يواجه سيناريوهين فلسفيين رئيسيين:
1. السيناريو الأنطولوجي المطلق (تغيير الواقع الفعلي): يفترض هذا السيناريو أن الساحر يمتلك قوة إرادية وتقنية كافية لـ التدخل المباشر في البنية الأساسية للوجود (الكينونة)، مما يؤدي إلى تعديل فعلي للمسار الزمني على المستوى الكوني. هذا يستلزم وجود أكوان متوازية أو نقاط تفرع زمنية يمكن للساحر أن يدفع بالوعي الجماعي نحو فرع جديد. هذا السيناريو صعب التحقيق ويثير تناقضات زمنية.
2. السيناريو الإدراكي الجذري (تغيير الذاكرة): هذا السيناريو أكثر ترجيحاً وأكثر إتساقاً مع فلسفة السحر كـهندسة للوعي. هنا، لا يغير الساحر الماضي الكوني الثابت، بل يغير طريقة تجربة الكينونة لهذا الماضي في الحاضر و المستقبل.
في السيناريو الثاني، تُعد محاولة تغيير الماضي تقنية سحرية تهدف إلى إحداث تغيير جذري في ذاكرة الكينونة كما نوقش سابقاً في محو الذاكرة السابقة وصولاً إلى مستوى الذاكرة المتعلقة بالواقع الحالي. الهدف ليس تغيير الحدث نفسه فقد يكون الحدث الأصلي باقياً على مستوى السجلات الكونية، بل تغيير التأثير الطاقي و النفسي و الرمزي لهذا الحدث على الكينونة. بدلاً من محو لقاء سيئ، يقوم الساحر بـتغليف البصمة الطاقية لهذا اللقاء وإعادة برمجتها بقالب ذهني إيجابي. الكينونة تسترجع الذكرى المُعدّلة، وتكون المشاعر المصاحبة كالحزن، الندم قد تم إستبدالها طاقياً بمشاعر كالقبول، القوة. بالنسبة للكينونة، هذا هو الواقع الجديد. إذا كان لقاء معين قد أدى إلى مسار حياة سلبي، فإن الساحر لا يمحو اللقاء، بل يغير سلسلة التأثيرات الطاقية المنبثقة عنه. يتم زرع قالب ذهني يغير طريقة تفسير الكينونة للحدث القديم، مما يدفعها إلى إتخاذ خيارات مختلفة في الحاضر بناءً على الإدراك الجديد للماضي. فـالماضي الفعلي للكينونة هو ما تدركه وتستجيب له في الحاضر. فلسفياً، هذا يؤدي إلى نتيجة عميقة: بالنسبة للكينونة، الواقع هو ما تتذكره. إذا تمكن الساحر من تغيير ذاكرة الكينونة بشكل كامل ومقنع، بحيث لا تدرك الكينونة أي تناقض، فإن الماضي المُعدّل سحرياً يصبح حقيقة وجودية مطلقة بالنسبة لها. السحر هنا لا يعمل كقوة خارقة تخرق قوانين الفيزياء، بل كـقوة فائقة تخرق قوانين الإدراك البشري. إنه يُحوّل تركيز الكينونة من ما كان إلى ما يُدرك الآن أنه كان. الكينونة تتواجد دائماً في الحاضر، والماضي بالنسبة لها هو عبارة عن معلومات مُستدعاة يتم تشغيلها عبر الذاكرة. الساحر، بتقنيته، يُغيّر هذا التسجيل، وبالتالي يغير بنية الوعي الحالي للكينونة بما يتفق مع الماضي المُعاد صياغته.

_ السحر كـهندسة للحتمية الشخصية: برمجة المستقبل عبر اللزوم الإدراكي والتناغم الميتافيزيقي، وتوجيه الإرادة الكينونية لتفعيل مسار وجودي محدد سلفاً

إن تناول الممارسة السحرية بوصفها تقنية لـبرمجة المستقبل ضمن نطاق كينونة الفرد يمثل النظرة الأكثر حداثة وعمقًا للسحر كـتطبيق عملي للميتافيزيقا. هذا التحليل يرى أن السحر ليس مجرد إستجداء لقوى خارجية، بل هو هندسة داخلية وإرادية تُطبَّق على بنية الكينونة لتوجيه مسارها الوجودي. يمكن القول، ضمن هذا الإطار، أن السحر هو بالفعل آلية تقنية لخلق حتمية شخصية (Personal Determinism). فلسفياً، يُنظر إلى المستقبل ليس كشيء ثابت و مُنتظر، بل كـحقل إحتمالات طاقي ومفتوح. في كل لحظة، تتواجد الكينونة في مركز هذا الحقل، وتتخذ قراراتها وإجراءاتها التي تُنشِّط مسارًا إحتماليًا معينًا، مما يجعله يتحول من إحتمال إلى واقع مُعاش. تأتي الممارسة السحرية لتتدخل في هذه العملية على مستوى جذري وعميق. يُكثِّف الساحر نيته (الهدف المستقبلي) ويشحنها بالقوة الإرادية المطلوبة. هذه النية لا تُرسل كـأمنية، بل كـبذرة أنطولوجية تُزرع مباشرة في الطبقات العُليا العقلية والأثيرية لكينونة الفرد.
يتم صياغة القالب الذهني السحري ليكون بمثابة برنامج توجيه يعمل على مسارين متكاملين داخلي و خارجي. تعتمد برمجة المستقبل سحرياً على فرض مفهوم اللزوم الإدراكي على الكينونة، مما يضمن سيرها على المسار المبرمَج سلفاً:
1. البرمجة الداخلية (الإخضاع الإدراكي): يُعدّل السحر القوالب الذهنية للكينونة بحيث تبدأ في تفسير كل الأحداث المحيطة بها في ضوء الهدف المبرمَج. الكينونة تصبح مُجبرة إدراكياً على رؤية الفرص وتجاهل العقبات التي لا تتفق مع المسار المحدد. يُرسَّخ القالب السحري شعوراً عميقاً بـالضرورة الوجودية لتحقيق هذا المستقبل. الفرد لا يرغب في المستقبل المبرمَج فحسب، بل يشعر بأن هذا المسار هو القدر الوحيد الممكن له. هذا الشعور يُنشِّط الوعي و الجهاز النفسي بأكمله للعمل دون كلل في الإتجاه المحدد.
2. البرمجة الخارجية (التناغم الميتافيزيقي): يُصدر القالب السحري المبرمَج إهتزازًا مستمرًا و مُركزًا إلى الحقل الوجودي المحيط بالكينونة. هذا الإهتزاز يعمل على جذب الأحداث، الأشخاص، والظروف التي تتناغم مع الهدف المبرمَج. الظواهر التي تبدو صدفًا أو حظًا هي، في الواقع، إستجابة للضغط الطاقي الذي يفرضه القالب السحري على البيئة المحيطة بالكينونة.
يعمل السحر على تثبيت المسار المستقبلي المختار عن طريق تفريغ الطاقة من الإحتمالات الأخرى. بمعنى، يتم إضعاف الروابط الطاقية و الذهنية لجميع الإحتمالات المنافسة، مما يجعل المسار المبرمَج هو الأقل مقاومة والأكثر وضوحًا للكينونة.
التحليل الفلسفي العميق هنا يفرض إعادة النظر في مفهوم الحرية الإرادية. إن برمجة المستقبل سحرياً لا تعني سلب إرادة الكينونة بشكل كامل، بل تعني توجيه إرادتها نحو مسار محدد سلفاً. الكينونة تظل حرة في إتخاذ القرارات اليومية، لكن هذه القرارات تُتخذ الآن ضمن إطار الواقع المُعدَّل الذي يفرضه القالب السحري. الفرد يمارس إرادته، لكنه يمارسها لتحقيق ما تم برمَجته له، معتقداً أن هذا هو خياره الأصيل و الحر. بهذا المعنى، فإن الممارسة السحرية هي بالفعل تقنية للتحكم في المستقبل، ليس عن طريق الإكراه المادي، بل عن طريق اللزوم الإدراكي والتحفيز الطاقي، مما يجعل الكينونة تسير على مسار محدد سلفاً من خلال إقتناعها الكامل بأن هذا هو مصيرها أو طريقها الصحيح.

_ كينونة التوقعات السلبية كآلية تنفيذ ذاتية للسحر: تحليل فلسفي لتوظيف الإيمان الإدراكي وقانون الجذب السلبي في تحقيق أسوأ مخاوف الضحية ببراعة تقنية ميتافيزيقية

إن التحليل القائل بأن السحر يعمل تقنياً عبر تفعيل كينونة التوقعات السلبية لدى الضحية يمثل إطاراً فلسفياً شديد التعقيد والذكاء، حيث ينقل مركز القوة السحرية من الساحر الخارجي إلى الوعي الداخلي للكينونة المستهدفة ذاتها. هذا المفهوم يتماشى مع فكرة أن السحر هو في جوهره هندسة نفسية ميتافيزيقية، وأن الضحية تصبح شريكاً لا إرادياً و آلية تنفيذ ذاتية للعمل السحري. فلسفياً، تُعد التوقعات السلبية مثل الخوف من المرض، الفشل، أو التعرض للأذى بمثابة قوالب ذهنية كامنة ومحمّلة بطاقة نفسية هائلة داخل كينونة الفرد. هذه التوقعات، وإن كانت غير واعية، تُشكِّل برامج دفاعية تترجم داخلياً إلى إهتزازات طاقية منخفضة وكثيفة. الممارسة السحرية الموجهة بذكاء لا تحاول خلق مشاعر سلبية من العدم، بل تقوم بـتنشيط، تضخيم، وتوجيه هذه القوالب الكامنة. الساحر هنا لا يزرع فكرة جديدة، بل يشعل فتيل فكرة موجودة بالفعل. هدف الساحر هو إقناع الكينونة بأن التوقعات السلبية هي حتمية واقعة. عندما ينجح الساحر في إيصال قالب ذهني (تعويذة) يتوافق مع إحدى التوقعات السلبية الكامنة لدى الضحية، يحدث تناغم طاقي بين القالب الخارجي والبرنامج الداخلي.
في اللحظة التي يتم فيها التناغم الطاقي، تبدأ الكينونة المستهدفة في العمل كـشريك لا إرادي في تنفيذ العمل السحري. هذا يتم عبر آليتين فلسفيتين ونفسيتين عميقتين:
1. الإيمان الإدراكي (Perceptual Belief): عندما يُرسَّخ القالب السحري التوقعات السلبية، تبدأ الكينونة في تفسير الواقع بشكل مُنحاز لتأكيد هذه التوقعات. فـكينونة الإدراك تصبح مُبرمجة لرؤية الأدلة على الفشل أو المرض في كل مكان. مثال: إذا زرع الساحر توقعاً سلبياً بمرض الضحية، فإن الضحية تبدأ في التركيز بشكل مفرط على الأعراض الجسدية الطفيفة و تضخيمها، مما يزيد من مستويات التوتر والقلق هذا التوتر يُضعف بالفعل الجهاز المناعي (آلية تنفيذ مادية)، مؤكداً حقيقة التوقع السحري.
2. قانون الجذب السلبي (Negative Attraction): تصبح التوقعات السلبية المنشطة طاقياً بمثابة بؤرة جذب طاقية تتماشى مع مبدأ الشبيه يجذب شبيهه. الكينونة، بتشغيلها المستمر لإهتزازات الخوف والفشل، تبدأ في جذب الظروف والأشخاص الذين يعززون هذا المسار. الضحية هنا لا تُجبر على الفشل، بل تُبرمَج على إتخاذ القرارات اللاواعية التي تضمن الفشل، لأن تلك القرارات تتوافق مع القالب الذهني السلبي المُفعَّل سحرياً. هي تُنفّذ حريتها الإرادية في الإتجاه المبرمَج سلفاً.
هذا التحليل يقدم تفسيراً فلسفياً لفعالية السحر لا يتطلب خرقاً واضحاً لقوانين الفيزياء، بل يركز على التحكم في القوانين الميتافيزيقية للوعي. السحر لا يخلق الشر، بل يُحرّر الشر الكامن في التوقعات السلبية للضحية نفسها. عندما تُنفَّذ النتيجة السلبية، فإن الكينونة قد تُرجعها إلى القدر أو سوء الحظ، دون أن تدرك أنها كانت المُنفّذ الأقوى لهذا الفعل. الساحر، بهذا المعنى، يعمل كـمُحفِّز ميتافيزيقي يُزيل الحواجز التي تمنع الضحية من تحقيق أسوأ مخاوفها على أرض الواقع، مما يؤكد أن كينونة الفرد تحمل في طياتها الأدوات اللازمة لإخضاعها إذا ما تم إستغلالها ببراعة تقنية.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- حْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل ا ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...


المزيد.....




- ترامب يشيد بأحمد الشرع خلال زيارته للبيت الأبيض: -قائد قوي و ...
- جدل حول صورة من استقبال ترامب لأحمد الشرع في البيت الأبيض
- الناخبون العراقيون يتوجهون إلى الصناديق لانتخاب برلمان جديد ...
- من جهادي سابق مطلوب إلى ضيف بالبيت الأبيض.. شاهد تحول أحمد ا ...
- -مفترس في المنزل-: أمهات يقلن إن روبوتات الدردشة شجعت أبناءه ...
- صربيا.. اتهام الرئيس بالتأثير على عمل القضاء
- انتشار الاحتيال الإلكتروني في مناطق سيطرة حركة -إم 23- في ال ...
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعا ينهي أطول إغلاق حكومي في تار ...
- ماسي مهندس الميكانيك المتمرد يتحدى -أيباك- والجمهوريين
- عاجل| مراسل الجزيرة: مجلس الشيوخ الأميركي يقر تشريعا لإنهاء ...


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّالِثُ و الْعِشْرُون-