هاني صالح الخضر
الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 18:15
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إن كتاب إدوارد سعيد Orientalism 1978 يشكّل نقطة تحوّل في فهم العلاقة المعرفية بين الغرب والشرق. ([Cambridge University Press & Assessment][1]) سعيد يجادل بأن “الاستشراق” ليس مجرد مجال أكاديمي موضوعي لدراسة الشرق، بل هو خطاب سياسي ـ معرفي، يُنتِج الآخر «الشرقي/المسلم» بوصفه موضوعًا لما يُعَدّ «الغرب» (Occident) من جهة، ومن جهة أخرى وسيلة للسيطرة والإخضاع. ([Just Tech][2])
سعيد يركّز على ثلاث سمات أساسية:
* العلاقة بين المعرفة والسلطة: المعرفة (الدراسات الشرقية) ليست بريئة بل مرتبطة بقوى استعمارية وسياسية.
* التصوير الثنائي: الغرب “نحن” المتطوّر والعقلاني، والشرق “هم” الآخر المتخلِّف أو الغامض. ([ASJP][3])
* إنتاج “الشرق” كـ «موضوع» للبحث الغربي، يعجز عن تمثّل ذاته أو الحديث عنها إلا من منظار الغرب. ([WorldCat][4])
بهذا، يُعدّ سعيد أن مفهوم الاستشراق المشارَك فيه من قِبَل المعرفة الأكاديمية، الأدب، الفنّ، والسياسة، يسهم في تأسيس حالة استعمار ثقافي – حتى بعد انتهاء الاستعمار الرسمي.
---
### التمدّد الأميركي والتحوّل: الاستشراق الأميركي
في العقود اللاحقة لصدور كتاب سعيد، ومع تراجع الهيمنة الأوروبية الكلاسيكية، صعدت الولايات المتحدة كقوة معرفية وسياسية عالمية. في هذا السياق نشأ ما يُشار إليه أحيانًا بـ «الاستشراق الأميركي» (American Orientalism) الذي يُبرز نمطًا يتجاوز حدود الدراسات الكلاسيكية، ليلامس الإعلام، الثقافة الشعبية، مراكز الأبحاث، وعلاقة المعرفة بالأمن والسياسة الخارجية. يشير أحد الأبحاث إلى أن الخطاب الأميركي عن الإسلام والمسلمين استند إلى تشابكات بين الدين، العِرق، والهيمنة الإمبريالية. ([OUP Academic][5])
يمكن تحديد بعض ملامح هذا التحوّل:
* بروز «العلماء-خبراء الشرق» الأميركيين الذين ينخرطون ليس فقط في الأبحاث اللغوية أو التاريخية، بل في السياسات الخارجية والحوارات الإعلامية.
* توظيف تمثيلات المسلم/الإسلام ليس فقط كـ «آخر ثقافي» بل كـ «تهديد أمني» في سياق الحرب الباردة وما بعدها، خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر. ([DergiPark][6])
* دمج المعرفة الأكاديمية مع الإنتاج الإعلامي والثقافي: أفلام، تلفزيون، صحافة، وإعادة تدوير الصور النمطية بطرق أكثر تجذّرًا جماهيريًا. مثلاً: الانتقال من «المستشرق الأوروبي» الذي يدرس الشرق إلى «الخبير الأميركي» الذي يصوّر الشرق/الإسلام كمكوّن استراتيجي أمني.
هذا التحوّل يفتح الأسئلة التي طرحها سعيد لكن في بعد جديد — ليس فقط «كيف يتحدث الغرب عن الشرق؟» بل «كيف يُصوّر الغرب الإسلام والمسلمين في زمن العولمة والأمن الدولي؟»
---
### الإسلام المتخيَّل (Imagined Islam)
مع مطلع القرن الحادي والعشرين، وتحديدًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بدأ خطاب الغرب في تصوير الإسلام والمسلمين ليس فقط كـ «الآخر» لكنه كـ «التهديد» — سياسيًا، أمنياً، ثقافياً. يُطلَق على هذا الإطار في بعض الأوساط مصطلح «الإسلام المتخيَّل» أو «الإسلام/المسلم الرمزي» (Imagined Islam/the Racial Muslim).
في هذا الإطار:
* يُعرض المسلم ليس فقط كمؤمن أو إنسان يعيش تجربة دينية، بل كـ «رمز للتهديد» أو «الآخر الذي لا ينتمي» داخل الخطاب الغربي. ([E-Palli Publishers][7])
* تُستخدم أنماط بصرية وإعلامية (الصحافة، السينما، التلفزيون) لصناعة وتمرير تمثيلات نمطية: مثلاً «المسلح المسلم»، «الإرهابي المسلم»، «المسلمة المضطهدة». ([American Journal of Islam and Society][8])
* يُنظر إلى الإسلام في الغرب ككيانٍ ذا بعد حضاري واجتماعي ثابت، قلّة التنوع، يُعاد تدويره في إطار «الحرب على الإرهاب» أو «صدام الحضارات». هذا يعني أن الإسلام لا يُنظر إليه باعتباره تجربة دينية متعددة ومتمايزة، بل كتجسيد لعداء أو استثناء.
ويُظهر البحث أن الكثير من الخطاب المعاصر عن المسلمين يغذّيه تراث الاستشراق الكلاسيكي، لكنه اكتسب بعد 9/11 شحنة أمنية وسياسية جديدة. ([DOAJ][9])
بالتالي، «الإسلام المتخيَّل» يأتي كمرحلة ثالثة متجاوزة: من معرفة-إلى-خطاب (سعيد) → إلى إنتاج-معرفة-سياسة (الاستشراق الأميركي) → إلى تمثيل-خوف-هيمنة ثقافية (الإسلام المتخيَّل).
---
### تحليل العلاقة بين المراحل
– في المرحلة الأولى (الاستشراق الأوروبي) كانت العلاقة بين المعرفة والسيطرة واضحة: أوروبا استعمرت الشرق، واستخدمت المعرفة كوسيلة شرعنة. سعيد أبان كيف أن هذا لم يختفِ بمجرد زوال الاستعمار الرسمي.
– في المرحلة الثانية (الاستشراق الأميركي) تغيّرت طبيعة السيطرة: لم تعد أوروبا وحدها، بل الولايات المتحدة شاركت، ومعها تغيّرت الوسائط (من دراسات أكاديمية إلى مراكز أبحاث وإعلام وثقافة شعبية).
– في المرحلة الثالثة (الإسلام المتخيَّل) تغيّر «موضوع السيطرة» – من الشرق كمكان إلى الإسلام كدين/ثقافة ورمز. والتحول يشمل تغييراً في وظيفة الآخر: من «موضوع معرفة» إلى «تهديد أمن/ثقافة».
ويمكن القول إن كل مرحلة تستند إلى ما قبلها لكنها تضيف بعدًا جديدًا:
* المعرفة → خطاب
* خطاب → سياسة/ثقافة
* سياسة/ثقافة → تمثيل/خوف
كما أن الزمن السياسي ـ الجغرافي يتوسّع: من الإمبراطورية الأوروبية إلى الإمبراطورية الأميركية إلى العولمة الثقافية-الأمنية.
---
بعض الملاحظات النقدية
– كثير من نقّاد سعيد يشيرون إلى أن تحليلَه يميل إلى تعميم الغرب ككتلة واحدة، وأنه يقلّل من تنوّع المعرفة الاستشراقية أو إمكانية تحولها. لكن حتى هؤلاء يعترفون بأنه فتح باباً لنقد المعرفة. ([Reddit][10])
– في سياق «الإسلام المتخيَّل»، يذكر بحث أن الإسلاموفوبيا لا بدأت بعد 11 سبتمبر فحسب، بل كان لديها جذور أقدم. ([UIN Sunan Gunung Djati Journal][11])
– هناك ضرورة لتطوير هذا التحليل إلى ما بعد تمثيل المسلم كـ«آخر»، إلى إعادة التفكير في المعايير المعرفية نفسها (من هو المسلم؟ ما هي خبرته؟ من ينتج المعرفة؟).
---
### خاتمة
باختصار، يمكن قراءة التطور كالتالي: كتاب سعيد Orientalism 1978 أسّس لنقد العلاقة بين الغرب والشرق من زاوية معرفة ـ سلطة؛ ثم ظهر ما يمكن تسميته بـ «الاستشراق الأميركي» الذي وسّع هذه البُنية لتشمل العولمة، السياسة، والثقافة الشعبية؛ وأخيراً نشأ إطار «الإسلام المتخيَّل» الذي يُعيد تشكيل المسلم/الإسلام في ذهن الغربي كتهديدٍ رمزيٍّ وثابت.
هذا المسار يُظهر كيف من المعرفة إلى الخطاب إلى المخيال، ومعه تغيّرت الوسائط (أكاديمية → إعلامية) والموضوعات (الشرق → الإسلام) والوظائف (سيطرة استعمارية مباشرة → سيطرة معرفية وثقافية).
[1]: https://www.cambridge.org/core/journals/international-journal-of-middle-east-studies/article/abs/edward-w-said-orientalism-new-york-pantheon-books-1978-pp-xiii-368/D5082B99F23F17013B0C6EA8F0204A79?utm_source=chatgpt.com "Edward W. Said, Orientalism (New York: Pantheon Books, 1978). Pp. xiii + 368. | International Journal of Middle East Studies | Cambridge Core"
[2]: https://just-tech.ssrc.org/citation/orientalism/?utm_source=chatgpt.com "Orientalism – Just Tech"
[3]: https://asjp.cerist.dz/en/article/215804?utm_source=chatgpt.com "Edward Said’s Orientalism and East / West Disparity"
[4]: https://search.worldcat.org/title/Orientalism/oclc/222091900?utm_source=chatgpt.com "Orientalism | WorldCat.org"
[5]: https://academic.oup.com/book/39289/chapter/338871395?utm_source=chatgpt.com "Orientalism, Empire, and The Racial Muslim | Overcoming Orientalism: Essays in Honor of John L. Esposito | Oxford Academic"
[6]: https://dergipark.org.tr/en/pub/da/issue/73863/1170036?utm_source=chatgpt.com "Dini Araştırmalar (Religious Studies) » Submission » The New “Other” the Endorsement of Islamophobia in American Political Discourse"
[7]: https://journals.e-palli.com/home/index.php/hci/article/view/2491?utm_source=chatgpt.com "From Orientalism to Islamophobia: Media Representation of Arabs and Muslims on the Pre-and Post-9/11 Hollywood On-Screen and Egyptian Cinema | History and Cultural Innovation"
[8]: https://www.ajis.org/index.php/ajiss/article/download/505/2259/4989?utm_source=chatgpt.com "Justifying Islamophobia: A Post-9/11"
[9]: https://doaj.org/article/3e6adc696bf843f7baecb37623947e72?utm_source=chatgpt.com "Orientalism as a Cultural Root of Western Islamophobia – DOAJ"
[10]: https://www.reddit.com/r/AskHistorians/comments/nqwr0o?utm_source=chatgpt.com "What is the reception of the book -"Orientalism-" by Edward Said?"
[11]: https://journal.uinsgd.ac.id/index.php/kp/article/view/18069?utm_source=chatgpt.com "Historizing Pre 9/11 Islamophobia in English Writings | Khazanah Pendidikan Islam"
#هاني_صالح_الخضر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟